قمة واشنطن الاقتصادية تطلق «هيئة المشرفين» لمراقبة الأسواق المالية و«نظام إنذار مبكر» لتفادي الكوارث

تباين بين الأميركيين والأوروبيين حول أساليب المعالجة.. ومواقف فرنسية وألمانية متشددة

TT

قال البيت الأبيض إن قمة العشرين الاقتصادية التي انطلقت الليلة الماضية على عشاء عمل حضره القادة المشاركون في القمة، تهدف بالدرجة الاولى الى «مناقشة جميع الخيارات بهدف إنعاش الاقتصاد العالمي لمنع حدوث أزمة مالية مماثلة لتلك التي ضربت العالم خلال الفترة الاخيرة».

ويشار الى ان القمة التي ستعقد جلسة مغلقة اليوم (السبت) وستظل متواصلة على مأدبة غداء، ستبحث إطلاق مؤسسة جديدة تسمى «هيئة المشرفين» (كولج اوف سوبرفايزر) تهدف الى توحيد إجراءات المراقبة المالية والتنسيق بين أهم 30 مؤسسة مالية في العالم، وستعمل هذه الهيئة على اتخاذ اجرءات إضافية لمراقبة عمل البنوك والمؤسسات المالية تلافياً لحدوث أزمات مالية. وقالت المصادر التي قامت بإعداد ورقة المقترحات الرئيسية التي ستعرض على قادة قمة العشرين، إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان وبعض الدول النامية المشاركة في القمة أصبحت كذلك على وشك إنشاء «نظام انذار مبكر» تكون مهمته التنبيه قبل فترة كافية بنقاط الضعف في النظام المالي العالمي، قبل ان تستفحل هذه النقاط وتتحول الى أزمة وكوارث مالية. وأشارت إلى أن الأوروبيين هم الأكثر إلحاحا على «نظام الإنذار المبكر». وأصرت الوفود الأوروبية على اتخاذ إجراءات صارمة في فترة لا تتجاوز 100 يوم، بيد ان واشنطن التي تعيش مرحلة انتقالية عاجزة الآن عن المضي قدماً مع التصورات الأوروبية حيث ان الإدارة الجمهورية الحالية غير قادرة على اتخاذ قرارات كبيرة، وتفضل احالة الامر على الادارة الديمقراطية الجديدة، بيد ان الاشكال يكمن في ان ادارة الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما لا ترغب في التورط في اية التزامات خارجية تتعارض مع برنامجه الداخلي للاصلاح الاقتصادي والضرائبي. وكان دان برايس مستشار الرئيس الاميركي جورج بوش قال في لقاء مع المراسلين إن الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب يتم تزويده بجميع تفاصيل ما يجري في القمة.

وفي سياق متصل نوه روبرت زوليك رئيس البنك الدولي بمشاركة دول نامية في القمة الاقتصادية، قائلا «كان سيكون من الخطأ استبعاد مصالح الدول النامية، لقد اتخذت عدة دول نامية خطوات جريئة خلال السنوات الأخيرة على الرغم من أن هذه الأزمة ليست من صنعهم».

وفي تزامن مع القمة الاقتصادية أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي (بمثابة بنك مركزي) إنه سيعمل مع بنوك مركزية في دول قمة العشرين بهدف معالجة المشاكل المالية، مع احتمال تخفيض جديد في أسعار الفائدة، لإنعاش الاقتصاد الاميركي الذي دخل بالفعل مرحلة كساد. وقال بن بيرنانك رئيس المجلس «تقلبات الأسواق والمؤشرات والأداء الاقتصادي تؤكد أن التحديات ما تزال مستمرة».

إلى ذلك عبر الرئيس الاميركي جورج بوش عن أمله في ان يخلص المؤتمر إلى قواسم مشتركة لاتخاذ مواقف فورية تعالج الأزمة. وفي غضون ذلك حذر بوش من «أضعاف الاقتصاد العالمي باتخاذ إجراءات جديدة مقيدة للأسواق» ودعا إلى عدم التدخل الحكومي في التجارة.

وخلال الاجتماعات التحضيرية لقمة العشرين برزت خلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين خاصة فرنسا وألمانيا التي كانت آخر دولة أوروبية يعرف اقتصادها كساداً، واستبق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القمة قائلاً «نريد ان نغير قواعد اللعبة في عالم المال».

وكان ساركوزي وصل الى واشنطن مع الوفد الفرنسي قبل ساعة فقط من موعد العشاء الذي اقامه الرئيس الاميركي للقادة المشاركين في القمة في البيت الأبيض، وأفادت السفارة الفرنسية في العاصمة الاميركية ان ساركوزي سيغادر فور انتهاء غداء العمل الذي ستختتم به القمة بعد ظهر اليوم.

وقالت مصادر الوفود الأوروبية المشاركة في القمة، وهي فرنسا وألمانيا وايطاليا وبريطانيا، انهم يريدون سد الثغرات التي تسمح لبعض المؤسسات المالية التهرب من القواعد المتبعة، وضمان مراقبة جميع اللاعبين الأساسيين في المجال المالي، بما في ذلك وكالات الاقراض او المؤسسات التي لها ديون كبيرة. ويعزو الأوروبيون الأزمة الحالية الى فشل القواعد المنظمة للأسواق المالية في الولايات المتحدة. وقال رئيس الحكومة البريطانية غوردون براون قبل القمة «هناك ضرورة ملحة لشبكة مراقبة عالمية للتحكم في المؤسسات المالية العملاقة». وكان الأوروبيون يعتقدون أنهم سيفلتون من آثار الأزمة المالية التي ضربت اميركا ابتداء من اغسطس (آب) الماضي والتي بدأت من انهيار مؤسسات الرهن العقاري بيد ان الأزمة سرعان ما انتقلت الى دول اخرى من بينها الدول الأوروبية وأدت الى انهيار بنوك وشركات تأمين. وخسرت البنوك في اميركا وشركات التمويل المالي مبالغ طائلة في البورصات كما اتسع نطاق العاجزين عن تسديد أقساط المنازل، وطالت الأزمة قطاع صناع السيارات حيث باتت شركة جنرال موتورز الاميركية على شفا الانهيار في اسوأ أزمة تعرفها منذ 60 سنة، كما وتضررت الأعمال الصغيرة وطالت الأزمة حتى قروض الطلاب حيث انقطع آلاف الطلاب في اميركا عن التعليم بعد ان عجزوا عن تسديد اقساط الدراسة في الجامعات. وبلغت نسبة البطالة في اميركا 6.5 بالمائة وهي أعلى نسبة تصلها منذ 14 سنة. وعلى الرغم من ذلك قال الرئيس بوش في خطاب القاه اول من امس في نيويورك «صحيح ان هذه الأزمة تسببت في اخفاقات وفشل من جانب المقرضين والمقترضين وفشل الشركات المالية وفشل الاجراءات التنظيمية الحكومية والمستقلة، بيد ان الازمة لا تدل على فشل نظام السوق الحر، والجواب لا يمكن ان يكون محاولة اعادة صياغة هذا النظام».

من جهة اخرى يسعى صندوق النقد الدولي على هامش القمة الحصول على قروض من دول الخليج ودول اخرى لوضع خطة انقاذ ستكون تكلفتها حوالي 250 مليار دولار لمساعدة دول نامية وفقيرة في امتصاص آثار الازمة. واعلنت اليابان امس انها مستعدة لدفع مبلغ 100 مليار دولار لمساعدة الدول النامية.