لنحتاط من أزمة مالية عالمية جديدة؟

TT

عالمنا اليوم تديره قيادات دول (عظمى)، مصدر عظمتها بُنياتها الاقتصادية. ولو نظرنا إلى حقيقة من يتربعون على الكراسي القيادية فيها؛ لوجدنا غالبيتهم رجال أعمال معروفين.. وبعضهم يستمر ليجمع بين المنصب الدبلوماسي وممارسة العمل التجاري.. ولا أدري كيف يمكن الجمع بين المصالح المتضاربة في هاتين المهمتين! إلا أن الذي نعلمه (ولم يعد سراً) أن هناك تأثيرا جوهريا للمصالح الاقتصادية في القرارات السياسية، وأن للقيادات السياسية دورا كبيرا في القرارات الاقتصادية الدولية. والذي أخشاه في هذه المرحلة أن يكون العالم بانتظار أزمة مالية جديدة، بسبب الديون الرديئة لبطاقات الائتمان، التي كانت تمنح دون توفر ضمانات كافية. وأن هناك يداً خفية (بمناصب صناعة القرار) لإبقاء الصورة ضبابية في هذا الشأن. فقد ذكرت صحيفة «برلينر تسايتونغ» منذ قرابة ثلاثة أسابيع في تقرير نقلته عنها وكالة الأنباء الألمانية (د ب ا) من برلين، أنه واستناداً إلى تحقيق صحفي، أن خبراء ذكروا بأن من المتوقع أن يصل حجم الديون المعدومة جراء قروض بطاقات الائتمان إلى نحو 100 مليار دولار (كإحصائية أولية). والذي اعتقده أن تأجيل إعلان مثل هذه الكارثة في هذا الوقت بالذات، والأسواق العالمية بالكاد تتنفس (بمساعدة موسع الشعب)، له ما يبرره لدى ساسة الاقتصاد. بحجة أن ذلك لا يخدم المصلحة العامة.. على اعتبار أنه من قبيل سكب الزيت على النار. وقد يتسبب في إثخان جراح كيانات الاقتصاد العالمي.. ولذلك فإنني (أتوجس خيفة) أن تكون هناك خسائر لبنوك عالمية (بمبالغ ذات أهمية نسبية) متكتم عليها؟!. وسبب تخوفي من أزمة بطاقات الائتمان، أنه ينطبق عليها ما ينطبق على أزمة الرهن العقاري، لأن حقيقة الأزمة الحالية لا تعدو تأخيراً في الاعتراف بخسائر منيت بها بنوك ومؤسسات مالية كانت متخصصة في الإقراض العقاري، حيث بالغت في التساهل في شروط منح القروض. واستمرت في الاعتراف بأرباح دفترية (وهمية)، إلى أن تراكمت. وفي المقابل، لو نظرنا إلى (واقع) بطاقات الائتمان في أمريكا وأوروبا؛ لوجدنا أن العديد من الشركات الكبيرة الأمريكية كانت (منذ عشرات السنين) تمنح عملاءها بطاقات ائتمان بحدود صرف (تحدد اجتهادياً) بل وتمنح تسهيلات للسحب بالنقد على حساب هذه البطاقات، لمجرد أن العميل كان يسدد (بانتظام) فواتير الخدمات العامة مثل الماء أو الكهرباء أو الهاتف. إلى درجة أنه (وحتى) المتاجر الكبيرة كانت تمنح بطاقات ائتمان لعملائها المنتظمين معها في التعامل (وأيضاً) دون الحصول على ضمانات كافية!. ومما ذكرته الصحيفة الألمانية أن قروض البطاقات الائتمانية لم تكن تسبب مشكلة للاقتصاد الأمريكي في حالة ازدهاره. ولكنها ستتسبب في خسارة كبيرة للبنوك في ظل الظروف الراهنة لا تقل عن الخسائر الفادحة التي أسفرت عنها أزمة القروض العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة.

والذي أود التنبيه إليه (مبكراً)، أنه من غير المستبعد حدوث أزمة مالية عالمية جراء خسائر البنوك والمؤسسات المالية العالمية التي على وشك شطب هذه الديون، بعد أن كانت تمثل أصولا استثمارية تقيد عليها فوائد تتراكم سنوياً، وأن من المحتمل أن يكون قرار الإعلان عن هذه الحقائق مخبأ في أدراج صناع القرار بالدول العظمى.

والذي أرجوه أن تلتزم البنوك المركزية العالمية بتطبيق المبادئ المحاسبية، وأن تُلزم بنوكها ومؤسساتها المالية بمبدأ الفترة المحاسبية، التي تُوجب الاعتراف بالنتائج المالية (ربحاً أو خسارة) في الفترة التي حدثت فيها (تاريخياً) دون تأجيل تحت أية ضغوط (خارجية أو داخلية) .. حتى تتحقق مبادئ الإفصاح والشفافية المطلوبة.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]