ساركوزي: أميركا هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم.. هل هي القوة الوحيدة؟.. لا

قمة العشرين: الاقتصادات الناشئة هي الأعمدة الأساسية للنمو الاقتصادي العام المقبل

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أقنع بوش بعقد القمة (رويترز)
TT

خرجت القوى الاقتصادية الناشئة من قمة مالية تاريخية أول من أمس. واكتسبت زخماً وتشجيعاً بفعل دورها الجديد في إصلاح الاقتصاد العالمي.

أذنت قمة واشنطن ببروز أول قمة على الإطلاق لقادة مجموعة العشرين، وهي كتلة تجمع بين دول العالم الصناعية الكبرى وبعض الدول صاحبة الاقتصادات الأعلى نمواً؛ ومنها الصين والهند والبرازيل.

وتبلور الدور الجديد للدول الناشئة في قاعة الطعام الرسمية في البيت البيض تحت صورة ضخمة لأبراهام لينكون، حيث جلس الى يمين بوش الرئيس البرازيلي لويز اناشيو لولا دا سيفلا، الذي كان قد اشتكى بصوت عال من الدول النامية مثل بلاده، «تعاني من مشاكل» ليس من صنعها. والى يسار بوش جلس زعيم يتحكم في ثروة ضخمة وهو الرئيس الصيني هو جينتاو.

لقد كان ذلك توضيحا للطريقة التي ادت بها الازمة المالية التي ظهرت في وول ستريت وانتشرت حول العالم، الى اعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي. لقد منح الرئيس بوش، بإصراره على مشاركة الدول الناشئة في القمة، دورا جديدا لقياداتها. إلا ان الامر سيرجع للرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما، لتحديد كيفية تحقيق التوازن بين هذه المصالح المتعارضة.

فالبيان الختامي يدعو الى مؤتمر قمة جديد بعد 101 يوم بالضبط من تولي أوباما منصبه. وأوضح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي أقنع بوش في عقد القمة التداعيات الجديد للأزمة المالية عندما ذكر في مقر اقامته بواشنطن بعد انتهاء القمة «اميركا هي القوة الاقتصادية الاولى في العالم. هل هي القوة الوحيدة؟ لا. اننا في عالم جديد». وخلال القمة التي عقدت في متحف العمارة الوطني في واشنطن، كان الحديث خلال تناول الغداء بين قادة الدول يدور حول حرية التجارة والمفاوضات التجارية الدولية المعروفة باسم جولة الدوحة، التي تم التخلي عنها. وألقى الرئيس البرازيلي دا سيلفا خطابا مؤثرا حول ما يريد العالم النامي من العالم المتقدم القيام به، طبقا لشخص حضر اللقاء. فقد ذكر «لا نطلب المساعدة، ولا نطلب منكم تقديم أموال لنا. ما نريده هو اصلاح اقتصادكم. وافضل ما يمكن تقديمه لنا هو العودة الى النمو الاقتصادي».

وحضر بوش القمة يحمل اجندة خاصة ببلاده. واستخدم اللقاء لكي يبعث برسالة خاصة به؛ الاولى موجهة الى الديمقراطيين الذين عرقلوا اتفاقية تجارة حرة مع كولومبيا، وهي ان العالم يفضل اجراءات تجارية ليبرالية. والثانية هي رفض وجهة النظر القائلة إن رأسمالية الأسواق الحرة هي السبب الاساسي للانهيار الاقتصادي. ونجح في الرسالتين، فقد ذكر البيان الختامي ان القادة «يدعمون اهمية رفض الحمائية». كما ان البيان كان مليئا بعبارات تعبر عن اهمية الاسواق الحرة. وذكرت وكالة الانباء الالمانية في تقرير لها عن القمة، ان البيان النهائي اوضح ان المجموعة الجديدة الموسعة ستلعب دورا مركزيا في إصلاح النظام المالي العالمي على مدى السنوات القادمة، إلا ان البيان لم يشر لدور للمجموعات الأصغر، مجموعة السبع أو الثماني في إشارة إلى أن الاقتصادات الناشئة ستحافظ على مقعدها على مائدة صياغة السياسات في المستقبل القريب. وتحدث عدد كبير من القادة عن مولد نظام عالمي جديد يستمد أهمية خاصة من حقيقة انبثاقه عن تجمع في الولايات المتحدة. فمضيف القمة هو الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، بوش الذي تعرض للانتقادات لأنه لم يمد يده للمجتمع الدولي طوال فترة ولايته تقريباً. وقال الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بعد القمة «انه ليوم تاريخي. إنني أغادر القمة وأنا على يقين من أن الجغرافيا السياسية للعالم قد صار لها بعد جديد». واتفق الزعماء على مبادئ لإصلاحات كبرى تتعلق بكيفية مراقبة وتنظيم عمل المؤسسات المالية. وتلقى وزراء مالية مجموعة العشرين توجيهات بوضع هذه المبادئ في أطر محددة خلال الشهور المقبلة التي ستعقبها قمة أخرى في ابريل (نيسان). ولا ريب أن كثيراً من الدول النامية لديها ما يدعوها للحضور. فالأزمة المالية التي تهدد الاقتصاد العالمي ليست من صنعها، بل من صنع شركات مالية في الدول الغنية تحملت مخاطر لا داعي لها في سوق العقارات الأميركي. ويتنبأ صندوق النقد الدولي بحدوث كساد في غالبية الاقتصادات المتقدمة عام 2009. ودلفت منطقة اليورو التي تضم 15 بلدا هذا الأسبوع رسميا إلى حالة ركود ومن المرجح أن تتبعها الولايات المتحدة. وهذا يعني أن الاقتصادات الناشئة في آسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية ستكون هي على الأرجح الأعمدة الأساسية للنمو الاقتصادي العام القادم. فالاقتصاد الصيني على الرغم من تباطئه قليلا سينمو بنسبة 8.5 في المائة، العام المقبل، بحسب التكهنات. كما أن الاقتصاد الهندي سينمو بنسبة تتراوح بين 7 و7.5 في المائة.

وكان دومنيك ستراوس، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، قد ذكر ان «القمة ذات أهمية كبرى تستمدها من قيمة الحضور، وثمة نظام اقتصادي عالمي جديد في طور التشكل، وهو يتميز بقدر اكبر من الديناميكية والاتساع على نحو غير مسبوق». بيد انه في حين أن مجموعة العشرين تمثل مجموعة أوسع من المصالح مقارنة بما كان عليه الحال في أزمات سابقة فان ثمة منظمات للإغاثة يعيب عليها فشلها في التعرف على آراء دول العالم الأكثر فقراً. وقال جاواين كريبكي من مؤسسة «اوكسفام» الدولية إن القمة الاقتصادية أنتجت خطة عمل لكن الاتفاق شمل 20 بلدا فقط. ولم يشارك عدد كبير من الدول الأشد فقرا، والأكثر عرضة للخطر في تلك القمة، على الرغم من أنها ربما ستكون هي الخاسر الأكبر من التراجع الاقتصادي». وكان البنك الدولي قد حذر من عودة مئات الملايين من البشر إلى دائرة الفقر ولا سيما في أفريقيا والذين سيعانون تهديدا ثلاثيا لاقتصاداتهم من الازمة الائتمانية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة كلفة الطاقة. وقال رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، لا ينبغي تجاهل الدول النامية. إننا لن نحل هذه الأزمة أو نضع حلولا مستدامة لها بقبول عالم من طبقتين». وتعهد قادة مجموعة العشرين بالاستمرار في التزاماتهم تجاه فقراء العالم. كما تعهدوا بعدم وضع عراقيل جديدة أمام التجارة في مواجهة التراجع الاقتصادي. بيد أن واحدة من المشكلات الأساسية للدول النامية، هي أن مسألة التمثيل في المؤسسات المالية الدولية ستتطلب وقتا أطول لحلها. وقررت مجموعة العشرين منح الدول الناشئة صوتا أكبر في صندوق النقد والبنك الدوليين ومنتدى الاستقرار المالي التي تهيمن عليها جميعا بصورة واسعة الولايات المتحدة وأوروبا. ومما لاشك فيه أن سرعة مسار هذه الإصلاحات ستكون العلامة الفارقة فيما إذا كان النظام العالمي الجديد قد وجد ليبقى.

*خدمة «نيويورك تايمز»