بريتش ليلاند حصلت على 11 مليار استرليني.. ثم اختفت

درس بريطاني لفشل خطط إنقاذ شركات السيارات

TT

تعثرت إحدى شركات السيارات العملاقة التي كانت دائما ما تظهر علاماتها التجارية في الطرق المفتوحة، ويعمل بها مئات الآلاف من العمال الأعضاء في الاتحادات العمالية الذين يتمتعون بدعم سياسي قوي. وتم تقديم التماس عاجل للحكومة كي تقدم لها ما يعد بمثابة شيكا على بياض.

هذه ليست قصة فورد وجنرال موتورز، ولكنها شركة بريتش ليلاند، شركة السيارات البريطانية التي حصلت على 11 مليار جنيه إسترليني من أموال دافعي الضرائب البريطانيين التي أجريت عليها تعديلات وفقا لمعدلات التضخم، أو 16.5 مليار دولار، حدث ذلك في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي قبل أن تتوقف الشركة عن العمل. وكل ما تبقى من الشركة ذكريات لسيارات مثل تريومف ودرس مؤلم في محدودية فاعلية خطط الإنقاذ.

يقول ليون بريتان، الذي كان مسؤولا رفيع المستوى في حكومة مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء التي تبنت فكر السوق الحر وعلى الرغم من ذلك أيدت خطة الإنقاذ: «يدفعنا هذا لاسترجاع الذكريات. لن أقول للولايات المتحدة ما الذي يجب أن تفعله، ولكن الدرس المستفاد من التجربة البريطانية هو ألا تلقي بالأموال الجيدة وراء الأموال السيئة. لقد استمرت بريتش ليلاند لعدة أعوام أخرى، ولكنها ليست موجودة الآن».

ويشعر خبراء آخرون بالخطر ذاته، ويقول جون كاسيسا، أحد رؤساء مجموعة كاسيسا سابيرو الاستشارية في قطاع السيارات في نيويورك «إن تجربة ليلاند مهمة وتحذيرية، حيث تورطت الحكومة في محاولة لتحقيق مكاسب من شركة بها عيوب هيكلية. وهذه هي المخاطرة الموجودة في أميركا أيضا».

وعلى الرغم من أن شركات السيارات الأوروبية حققت نجاحا أفضل من الشركات البريطانية، يقول كاسيسا إن التاريخ الطويل من الدعم الحكومي في أوروبا جعل من شركات مثل رينو وفيات أسماء قوية في الأسواق المحلية، ولكن ليس في جميع أنحاء العالم. ويضيف: «فيما عدا بي إم دابليو ومرسيدس، لم تحقق شركات السيارات الأوروبية أية نجاح عالمي، وكذلك لم تحقق أي منها أرباحا هائلة».

تظل خطة إنقاذ بريتش ليلاند النموذج التقليدي للتدخل الحكومي عديم الجدوى، فيما كان للتعاون الوثيق بين الحكومات وشركات السيارات في بقية أنحاء القارة الأوروبية نتائج أفضل.

على مدار نصف قرن بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الحكومة الفرنسية أكبر حامل للأسهم في شركة رينو، وما زالت باريس تملك 15 في المائة من أسهم الشركة حتى الآن. وكانت الشركة قد حصلت في الثمانينات على مبلغ إنقاذ وصل إلى ما يعادل الآن 4 مليارات يورو، أو 5.0 مليارات دولار. وفي الوقت الحالي، تحقق الشركة أرباحا عالية، على الأقل مقارنة بنظيراتها الأميركية.

وحاليا، وفقا لكارل بيتر فورستر رئيس فرع جي إم في أوروبا، تطالب شركة أوبل الألمانية التابعة لجي إم الحكومة في برلين بتقديم مساعدات، وتسعى إلى الحصول على ما يزيد على مليار يورو في صورة ضمانات ائتمانية. ويوم الاثنين، صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل أن حكومتها ستتخذ قرارا قبل أعياد رأس السنة.

وحتى الآن، لم تشتك أي من الشركات الآسيوية من أن خطة الإنقاذ تلك ستكون مساعدة مضادة للتنافسية. ولكن خوزيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية، ذكر أنه يعتقد أن خطة مساعدة شركات ديترويت قد تكون «غير قانونية» بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.

ولكن هذا لم يوقف شركات السيارات الأوروبية عن السعي للحصول على قروض بقيمة 40 مليار يورو من بنك الاستثمار الأوروبي، بزعم المساعدة على إنتاج سيارات صديقة للبيئة.

ويقول غاريل ريس، رئيس مركز أبحاث صناعة السيارات في جامعة كارديف في ويلز، إن منحنى نشاط جنرال موتورز يذّكرنا بشركة بريتش ليلاند، ليس فقط بسبب قرار الأول بالسعي للحصول على المساعدة لتجنب الإفلاس، ولكن أيضا بسبب خسارته البطيئة والشديدة لحصتها في الأسواق. وأوضح «كان لدى كلتا الشركتين أكبر نصيب في أسواقهما، ولكنهما لم تستطيعا توفيق الأوضاع مع خسارة مبيعاتهما، فلم تستطيعا استعادة العملاء».

وتاريخيا، تمتد جذور بريتش ليلاند إلى أبعد من الموديل تي، الذي صممه هنري فورد. وكانت الشركة تسيطر على 36 في المائة من السوق البريطانية طوال السبعينيات، بعلامات تجارية مثل أوستين وموريس وخطوط متميزة، مثل إم جي وجاغوار. ولكن، كما يقول ريس، تسببت المنافسة المتزايدة من شركات سيارات يابانية وألمانية، والعمل الحرفي الرديء، وانهيار العلاقات مع العمال في اقتراب الشركة من الإفلاس عام 1975.

ويتذكر مايكل إدواردز، الذي تولى مسؤولية الرئيس التنفيذي لبريتش ليلاند في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1977، أنه عندما التحق بالعمل في الشركة، لم يكن هناك أحد يعرف حتى ما إذا كانت العلامات التجارية منفردة من الممكن أن تحقق ربحا. ويعلق: «لقد كانت مهزلة، فلم يعرف أحد كم كانت التكاليف». وكما اتضح الأمر بعد ذلك، تسبب بيع كل سيارة ماركة إم جي في الولايات المتحدة في خسارة تبلغ 2000 دولار تتكبدها بريتش ليلاند.

ويضيف إدواردز أن الإضرابات العمالية استنزفت أكثر من 32 مليون ساعة عمل في عام 1977، وأصبحت الشركة رمزا للصراع مع العمال، وكان بعض العمال يخرجون حاملين في جيوب معاطفهم شموع احتراق ويضعون المحركات في صناديق سياراتهم.

وعلى الفور بدأ إدروادز في خفض عمالة الشركة من 200 الف عامل تقريبا إلى ما يزيد على مائة عامل في خلال خمس سنوات، وأغلق 19 مصنعا. وطلب المساعدة من حكومة ثاتشر، قائلا إن بريتش ليلاند ستكون في حاجة إلى المال إذا كانت ستستطيع تسريح العمالة مع إنتاج موديلات جديدة.

وفي النهاية، منحت الحكومة الشركة 3.6 مليار جنيه إسترليني، ما يوازي 11 مليار جنيه إسترليني في الوقت الحالي. ولكن لم يقدم الإنقاذ الكثير للحفاظ على العمالة في بريتش ليلاند أو حصتها في السوق على المدى البعيد.

وفي الوقت الذي حصلت فيه الشركة على آخر مساعدة نقدية حكومية عام 1988، كما يقول ريس، انخفضت حصة بريتش ليلاند في السوق إلى 15 في المائة. وتحولت الشركة إلى اسم إم جي روفر، التي استحوذت عليها بعد ذلك بي إم دابليو، ثم انفصلت عنها، وأخيرا أشهرت إفلاسها عام 2005.

ولكن يدافع إدواردز عن المساعدة الحكومية، قائلا إنها حفظت أجزاء من الشركة التي ظلت تعمل حتى الآن، مثل جاغوار ولاند روفر، اللتين اشترتهما فورد.

ولكن لم تحقق جاغوار أرباحا لفورد مطلقا، وبيعت هي ولاند روفر إلى تاتا موتورز الهندية في بداية العام الحالي. وعوضت فورد فقط نصف ما دفعته لشراء الاسمين التجاريين، ويقدر أنها دفعت حوالي 10 مليارات دولار من أجل ماركة جاغوار.

وبالرغم من التجربة البريطانية، أظهرت حالة إنقاذ رينو، التي تجمع بين ضخ أموال وتعيين إدارة جديدة في الثمانينات، أن خطط الإنقاذ الحكومية من الممكن أن تكون مفيدة.

وقد جاءت مساعدة الحكومة الفرنسية لرينو أيضا وسط ارتفاع خسائر الشركة، ولكن يقول ريس إنه بخلاف ليلاند، استطاعت رينو استخدام التمويل لإنتاج موديلات سيارات جديدة لاقت نجاحا في النهاية. وذلك، مع تخفيض صارم في النفقات أقره رئيس مجلس الإدارة الجديد، مهد الطريق لجني الأرباح في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة في بيع شركة رينو للقطاع الخاص في التسعينات. ويقول إدواردز إنه إذا تقدمت واشنطن وساعدت شركات ديترويت، من المهم أن تصلح الحكومة من إدارة شركات السيارات الثلاث الكبرى، مضيفا «لا يكفي منح هذه الشركات المال فقط، فهي تحتاج إلى المال وتحتاج إلى إدارة جديدة، تحتاج إلى الاثنين معا وليس إلى واحدة منهما».

* خدمة نيويورك تايمز