20 مليار دولار خسائر جنرال موتورز في 9 أشهر

رئيس الشركة يصارع من أجل مستقبلها وسمعتها

TT

لا يمكن أن يتحمل ريك واغونر مغادرة واشنطن هذا الأسبوع دون الحصول على 10 مليارات دولارا على الأقل مساعدات فيدرالية، يهدف منها المحافظة على استمرار الشركة في مباشرة أعمالها. إلا أن ثمة سؤالا هاما بشأن واغونر، الرئيس التنفيذي للشركة على مدى الـ8 سنوات الأخيرة، هل سيعود إلى وظيفته في ديترويت مرة أخرى أم لا؟ وفي الوقت الذي ادلى رؤساء شركتي فورد، وكرايسلر، ونقابة العاملين في قطاع السيارات «يونايتد أوتوموبيل ووركرز» بشهادتهم أمام الكونغرس يومي الثلاثاء والأربعاء، نجد أن واغونر وشركته أصبحا محط الكثير من الانتقادات خلال النقاشات المحتدمة حول ما إذا كانت هناك ضرورة كي تحصل ديترويت على حصة من خطة الإنقاذ المالي. جدير بالذكر أن شركة جنرال موتورز ـ كبرى شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة ـ في أمس الحاجة خلال الفترة الحالية إلى السيولة للخروج من أسوأ أزمة تشهدها سوق السيارات الأميركية منذ 15 عاماً. ويقود واغونر حتى الآن جهود الضغط الحثيثة التي تمارسها شركات صناعة السيارات أملاً في الحصول على قروض فيدرالية لشركات السيارات الثلاث. وأمام واغونر مهمة طويلة ـ شأنه بذلك شأن لي إياكوكا؛ رئيس شركة كرايسلر عام 1979 ـ لإقناع المشرعين الجمهوريين المتشككين بدعم خطة الديمقراطيين الرامية إلى إنقاذ ديترويت. ولكن على النقيض من إياكوكا، لم يتكل واغونر ـ الذي يعمل في جنرال موتورز منذ 31 عاماً ـ في مطالبه على كاريزميته وقدراته التفاوضية، بل إنه يُنظر إليه على أنه رئيس الشركة التي خسرت 20 مليار دولار في أول تسعة أشهر من هذا العام فقط، كما هبطت أسعار أسهمها في الأسواق المالية بصورة حادة حيث وصلت إلى أدنى معدلاتها بعدما تجاوز سعر السهم العام الماضي 30 دولاراً. كما يتقلص احتياطي النقد لمواجهة الأزمات لدى الشركة سريعاً ـ إذ انخفض بنحو أكثر من ملياري دولار شهرياً ـ وعليه، أعلنت الشركة إلى أنها بحاجة إلى مساعدة فيدرالية حتى لا تنفد السيولة اللازمة لاستمرار عملياتها مع نهاية العام.

وأوضح واغونر أنه رغم ظروف جنرال موتورز المالية المحفوفة بالمخاطر، إلا أنها لا تخطط لإشهار إفلاسها، أو حتى التحضير لاحتمالية حاجتها للسعي للحماية بموجب الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأميركي، إلا أنه شدد على أن الوضع الراهن يمثل تهديداً صريحاً. وأفاد جون كاسيسا ـ المدير بشركة كاسيسا شابيرو غروب لاستشارات السيارات «تعد جنرال موتورز أكبر الشركات الثلاث، وهي في أسوأ أوضاعها هذه الأيام. وأعتقد أنها ستكون ضربة كبيرة لريك إذا لم يحصلوا على الأموال».

وسترتكز النقاشات التي تدور في الكونغرس على تمكن صناع السيارات في ديترويت الحصول على الإعانة المقدرة بـ25 مليار دولار على وجه السرعة من خطة الإنقاذ المالي لوزارة الخزانة التي تصل قيمتها 700 مليار دولار، أو من برنامج القرض القائم الهادف إلى تحسين تقنية السيارات الموفرة للوقود في شركات السيارات الثلاث الكبرى أم لا. ومن ناحية أخرى، لم تُقدم شركتا فورد وكرايسلر على تقدير نفس التوقعات بشأن أعمالهما وشركاتهما، تاركة عبء هذه القضية الملحة بشأن عملية الإنقاذ المالية على كاهل واغونر وشركة جنرال موتورز. وكان بعض أعضاء الكونغرس قد أوضحوا من قبل أن ثمة حاجة ملحة للقيام بتغيير إداري في شركة جنرال موتورز قبل أن يتم تقديم أي نوع من القروض. وأوضح السيناتور ريتشارد شيلبي ـ العضو الجمهوري البارز باللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ، عقدت جلسة استماع خاصة بعملية الإنقاذ المالية «لا أؤيد استخدام أموال دافعي الضرائب لمكافأة سوء إدارة شركات صناعة السيارات في ديترويت».

وقد رفض واغونر، وهو طويل القامة ـ إذ يبلغ طوله 6 أقدام و4 بوصات، ولاعب كرة سلة سابق بجامعة «ديوك»، وخريج مدرسة إدارة الأعمال بجامعة هارفارد ـ التفكير في الاستقالة، حتى وإن كان من شأن ذلك الأمر المساعدة في حصول جنرال موتورز على إعانة عاجلة. ورفضت جنرال موتورز عقد لقاءات ومقابلات شخصية مع واغونر. ومع ذلك، ففي 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، أجرى واغونر حواراً مع صحيفة أتوموتيف نيوز التجارية شدد فيه على أن أي تغيير في ادارة جنرال موتورز في هذه المرحلة الحرجة لن يكون بالأمر الحكيم لصالح الشركة، حيث أفاد «لا أعتقد أنها ستكون خطوة ذكية، أعتقد أن مهمتنا التأكيد على أن لدينا أفضل فريق إداري لإدارة جنرال موتورز. ولا أفهم ما هو الهدف الذي سيخدمه ذلك».

وفي يوم الاثنين، أفاد توني سيرفون ـ المتحدث باسم جنرال موتورز ـ أن مجلس إدارة الشركة سيظل مؤيداً لواغونر ـ الذي كان مسؤولاً بارزاً بالشركة في عام 2000، ثم أصبح رئيس الشركة بعد ذلك بثلاث سنوات. جدير بالذكر أن واغونر تقاضى زهاء 24 مليون دولار في العام، فيما بين 2006-2007، متضمناً راتبه، ومنح خيارات المساهمة، علاوة على أشكال أخرى من التعويضات. وفي عام 2008، بلغ راتبه الأساسي 2.2 مليون دولار. وأضاف سيرفون «يعد فريق الإدارة المتماسك أكثر شيء مهم على الإطلاق تحتاجه في وقت الأزمة».

ويبدو لنا في الوقت الحالي أن واغونر أمامه مهمة حاسمة تتعلق بإقناع أعضاء الكونغرس بأن الفريق الإداري في جنرال موتورز بإمكانه إخراج الشركة من دوامة الخسائر الناجمة عن قيمة أسهمها المتراجعة في الأسواق المالية، وخسائرها المتصاعدة.

تجدر الإشارة إلى أن واغونر ـ المتسم بالطابع الرزين الذي يحافظ على انفعالات في اللقاءات العامة ـ لطالما كان من أكثر المؤيدين المحافظين على استراتيجية جنرال موتورز للتوسع عالمياً، وتخفيض عملياتها في أميركا الشمالية. وقبل أعوام قليلة، أوضح واغونر أن هدف جنرال موتورز يتمثل في النمو «الكبير والسريع في آن واحد». إلا أن الشركة حققت تقدماً بطيئاً للغاية فيما يتعلق بإعادة تشكيل منتجاتها في الولايات المتحدة، وذلك عبر إبداء القليل من الاهتمام بالسيارات الكبرى، وصب قدر كبير من الاهتمام على الصغيرة منها، وعلى السيارات الاقتصادية في استخدام الوقود.

علاوة على هذا، أثار إقرار الشركة المذهل في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) بأنها بددت احتياطيات سيولتها بنحو أكثر من ملياري دولار شهرياً الدهشة بين المحللين والمستثمرين. وفي يوليو (تموز)، أوضحت جنرال موتورز أن لديها خطة ترمي إلى التعزيز من سيولتها، وذلك عبر تخفيض النفقات بنحو 15 مليار دولار، ومبيعات الأصول، والاقتراض من جديد.

واستجابت وول ستريت لأزمة سيولة جنرال موتورز المفاجئة، ومبيعاتها المنخفضة إلى حد كبير، عبر خفض سعر أسهم الشركة إلى مستويات لم تشهدها الشركة منذ أكثر منذ 60 عاماً. ويوضح كاسيسا «بالنسبة لوول ستريت، تعتبر جنرال موتورز حالياً في أزمة سيولة مستمرة».

ويؤكد واغونر أنه دون المساعدات الفيدرالية، يمكن أن تنفد سيولة جنرال موتورز، آخذة معها كلا من فورد، وكرايسلر، وعددا لا نهائيا من الموردين، والتجار، والشركات الصغيرة. وأوضح واغونر لدى ظهوره يوم الأحد على برنامج إخباري على التلفزيون في ديترويت «هذه قضية صناعة السيارات ككل، وإذا خضع هذا الأمر إلى ضغوط شديدة، سيكون التأثير الناجم على الاقتصاد الأميركي ككل مدمراً».

بيد أنه قال في نفس البرنامج «إن عملنا الأساسي في موقف جيد كما هو على مدى 30 أو 40 عاما».

وفي نفس السياق، إذا لم يستطع واغونر إقناع الكونغرس بمنح جنرال موتورز مساعدات عاجلة هذا الأسبوع، ستضطر الشركة إلى الانتظار حتى يتولى الرئيس المنتخب باراك أوباما مهام منصبه رسمياً في شهر يناير (كانون الثاني)، وتقديم استراتيجية إنقاذ صناعة السيارات الخاصة به. ويقول دافيد كول ـ رئيس مركز أتوموتيف ريسيرش (مركز أبحاث السيارات) في آن آربور، بولاية ميتشيغان «قد يكون هذا هو المنحى الأكثر عقلانية، وهي أن ننظر في ماهية خطة أوباما وما الذي سينتهجه الكونغرس الجديد».

وأضاف كول الذي يعرف واغونر قبل 30 عاماً، أنه يأمل ألا يأخذ المسؤولون في واشنطن أي قرار بشأن مستقبله في جنرال موتورز باستخفاف. وتابع «أتمنى أن ينظروا بعمق إلى ما فعلته جنرال موتورز لإصلاح أعمالها، وأن يجروا تقييماً، ثم يأخذوا القرار بعد ذلك. وأياً كان، يجب عليهم أن يعلموا أن ريك هو الأفضل للشركة».

* خدمة «نيويورك تايمز»