بعد خطة إنقاذ وول ستريت.. بوش يغير طريقة تدخل الحكومة

في محاولة للتصدي لتدخلات جديدة أثناء باقي مدة حكمه

جانب من التداولات في بورصة نيويورك («الشرق الأوسط»)
TT

بعد التعهد بأكثر من تريليون دولار لإنقاذ الأسواق المالية، بات من الواضح أن الرئيس الأميركي جورج بوش يحارب ضد سلسلة من المقترحات التي قدمها الديمقراطيون بشأن المزيد من خطط الإنقاذ المالي، مؤكداً على الفوائد التي يمكن توفرها الأسواق الحرة. وأقنع بوش أيضاً قادة الدول الأخرى خلال القمة الاقتصادية العالمية التي عُقدت في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي بأنه ملتزم بمبادئ التجارة الحرة، وسيحاول القيام بالشيء ذاته خلال الاجتماع الذي سيتم بين الدول المطلة على المحيط الهادي في بيرو نهاية الأسبوع الحالي. وتأتي هذه الخطوات عقب أسابيع من شكاوى المحافظين من أن الرئيس بوش والجمهوريين قد شردوا بعيداً عن مبادئهم بخطة الإنقاذ المالي البالغة قيمتها 700 مليار دولار والخطوات الأخرى الرامية إلى مقاومة انهيار وول ستريت. وفي هذا يقول الكثير من زعماء الحزب الجمهوري، أن حزمة الإنقاذ المالي التي لا تحظى بشعبية ساهمت في الخسائر التي مُني بها الحزب يوم الانتخابات، وأوضحوا أنهم عازمون على الإبقاء على الوضع الحالي بشأن الإنفاقات الإضافية حتى يتولى الرئيس المنتخب باراك أوباما مهام منصبه في شهر يناير (كانون الثاني). ويقول السيناتور جون كورنين – الرئيس القادم للجنة الوطنية الجمهوري بمجلس الشيوخ: «إن القلق يعتري الناخبين في دائرتي الانتخابية، وأنا معهم، حيث أننا في إسراف إنفاقي ليس له نهاية على مدى البصر». ومن جانبه يقول الرئيس بوش ومساعدوه، إن الاضطراب الحالي في الأسواق المالية كان حالة فريدة من نوعها، وخطراً على وجه الخصوص، كما أنه كان يهدد الاقتصاد ككل. وأشار توني فراتو، الناطق باسم البيت الأبيض، إلى أن هناك «منحى جديرا بالملاحظة» بين موقف يؤثر على كل فرد، وآخر يتضمن الشركات المتعثرة. وحسبما أفاد مسؤولون بالإدارة، ومشرعون بالحزب الجمهوري، من المحتمل أن يقضي الرئيس بوش الشهرين الأخيرين له بالمنصب محاولاً الوقوف ضد تدخلات حكومية جديدة كبرى. ويُذكر أن هنري بولسون - وزير الخزانة الأميركي - أشار إلى أنه من غير المحتمل أن يسعى للحصول على موافقة الكونغرس على المزيد من خطط الإنقاذ المالي لهذا العام. إلا أن هناك استثناء واحدا محتملا، يتمثل في خطة إنقاذ مالي يجري التفاهم عليها لصالح جنرال موتورز، وفورد، وكرايسلر، إذ تطالب تلك الشركات بمليارات الدولارات في الوقت الذي ينهار فيه سوق السيارات، وتجمد فيه نظام الائتمان.

إلا أن البيت الأبيض يرغب في أن يأتي أي نوع من المساعدة في إطار عملية للأموال الفيدرالية السابقة، بالإضافة إلى إعادة هيكلة كبرى تقوم بها الشركات.

وفي شرحه لأسلوب تعامله مع الأزمة المالية الأسبوع الماضي، أوضح بوش لمجموعة من المحافظين في وول ستريت بأنه «شخص يعتقد في السوق، ولكن هذا ليس عندما تواجهني احتمالية ركود اقتصادي عالمي». وأضاف في نفس الوقت أن: «التاريخ أوضح أن التهديد الأكبر للرخاء الاقتصادي لا يتمثل في التدخل الحكومي الضئيل للغاية في السوق، وإنما في التدخل الحكومي الكبير للغاية فيه». جدير بالذكر أن التوتر بين خطابات السوق الحرة وواقع الإنفاقات الكبرى قد لازم بوش طوال فترة رئاسته. فنفس الرئيس الذي دفع بحزمة كبيرة للتخفيض في الضرائب خلال العام الأول من رئاسته، هو نفسه الذي أشرف على أكبر عمليات عجز فيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة، كما أنه أنفق مليارات الدولارات على الحروب، بالإضافة إلى إنشائه لبرنامج صرف الأدوية الطبية المكلف، والذي اعتبره الكثير من المحافظين الماليين أنه تضليل. وعادت تلك التوترات للظهور من جديد على مدار الشهرين الماضيين، حيث بدأ بوش ووزير خزانته بولسون في حث الجمهوريين الممتعضين بمجلس النواب للمضي ومؤازرة خطة الإنقاذ المالية. كما أن الإدارة الأميركية ألزمت نفسها أيضاً بمئات المليارات الإضافية لدعم مجموعة إيه آي جي التأمينية، وكبار شركات الرهون العقارية فاني ماي، وفريدي ماك، بالإضافة إلى العديد من الشركات الأخرى. ويقول آل هوبارد – المستشار الاقتصادي السابق لبوش: «إن الطريقة المثلى لفهم هذه الإدارة أن رد فعلها الأول دائماً ما كان طريقة السوق الحرة، إلا أنهم اقتنعوا أن في هذه المرة، أو أن هذا الموقف يتطلب فعل شيء خارج نهج السوق الحرة. ومع تجمد أسواق الائتمان، بات من الواضح أنه يتعين فعل أي شيء حيال هذا الوضع». ويقول كيفين هاسيت – المستشار الاقتصادي لبوش خلال حملته الانتخابية لعام 2004، أن كلا الحزبين يميزان بين تدخلات الطوارئ في وول ستريت، وخطط إنقاذ بعض شركات أو صناعات محددة. وأوضح هاسيت عن بوش قائلاً: «إن ما يحدث في تلك الأوقات أنه يحاول رسم هذا الخط». ويشبه إريك كانتور – العضو الجمهوري القادم بمجلس النواب - الأسواق الائتمانية بالمرافق الكهربائية بالبلاد، والتي من الممكن لها ان تصيب البلاد بالعتمة الاقتصادية في حال إخفاقها. وأوضح أن صناع السيارات ليسوا ضمن هذا التصنيف: «هناك فرق حقيقي بين إنقاذ السيارات وما يحدث من إنقاذ مالي». وأوضح نقاد بوش أنه نادراً ما يحاول دعم الموالين له من المحافظين خلال الشهور الأخيرة له في السلطة. بينما يقول برادفورد ديلونغ – المسؤول في إدارة كلينتون، ومدرس الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا - إن البيت الأبيض في عهد بوش «لم يكن واضحاً أبداً بشأن ما هي أولوياته الاقتصادية والسياسية». وأفاد ديفيد هاميلتون – المؤرخ بجامعة كنتاكي، والذي درس فترة الكساد الكبير أنه يرى تشابهات بين الخطوات الأخيرة في عهد بوش، وتلك التي كانت في الشهور الأخيرة من رئاسة هيربرت هوفر. فلطالما قاوم هوفر نداءات الإنفاق على جهود الإغاثة، ومشروعات الأعمال العامة، كما أنه أخفق في محاولته لاستخدام مساعدة فرانكلين ديلانو روزفلت قبل يوم التولية الخاص به عام 1933. ويقول هاميلتون عن بوش: «بالنسبة لرئاسة طالما تم انتقادها بشدة على عدم استعدادها لكبح جماح الإنفاق، فقد عرفوا فجأة الحقيقة في العام الثامن في وقت مربك. وعليهم أن يتساءلوا لماذا يقولون حالياً إن الوقت قد حان لرسم الخط».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»