من يدفع فاتورة أزمة الرهن العقاري؟

TT

عندما زار رئيس الوزراء البريطاني السيد جوردون براون منطقة الخليج (ومنها بالطبع السعودية)، في جولة استهدفت حث دول المنطقة على المساهمة في حل الازمة المالية العالمية، من خلال ضخ المزيد من السيولة التي تتمتع بها دول المنطقة، أيقن السواد الأعظم من المتابعين بأنه آن أوان دفع فاتورة أزمة الرهن العالمية. وأنه لا بد من المشاركة بشيء ما.

وبالنسبة لي... فقد سبق وأن تحدثت عن هذا الموضوع في هذه الزاوية بتاريخ 17 سبتمبر 2007، في مقال كان بعنوان «أثر أزمة الرهن العقاري على السوق والاقتصاد»، وقلت في مقدمة المقال بالنص، «إن الأزمة ستبقى إلا إذا نجحت السياسة الأميركية في بحثها عمن يدفع الفاتورة نيابة عن الاقتصاد الأميركي».. واليوم وقد اجتمعت دول العشرين للنظر في مساهمة دول العالم في حل الأزمة، وإن اختارت أن يكون عبر مساهمات لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكان للوزير موقف نشرته وسائل الإعلام (خلال مؤتمر دول العشرين) طالب فيه الدول الغنية وبعض الدول العربية (وذكر السعودية بالنص) بأن تساعد بضخ السيولة في صندوق النقد الدولي لأجل مواصلته في تقديم المساعدات. وعندما أعلنت الحكومة اليابانية، مساء اليوم الأول من اجتماعات دول العشرين أنها مستعدة لتقديم قرض لصندوق النقد الدولي بمبلغ مائة مليار دولار لمساعدة الصندوق على القيام بمهامه، عندها أصبح من المؤكد أن المشاركة ستحصل، بأننا ندفع خطأ غيرنا! لكن الذي بقي: كم ستكون المشاركة؟ لكن الموقف السعودي جاء مريحاً للنفس، عندما أعلن وزير المالية السعودي بأن السعودية لا تنوي تقديم مزيد من الأموال إلى صندوق النقد الدولي، وأن المتوفر من احتياطيات لدى الحكومة السعودية موجه للتنمية الوطنية، ومن ذلك الاستثمار بمشاريع تفوق (400) مليار دولار في مجال القطاع النفطي. والذي أود إبرازه هنا أن المواطن السعودي تغمره السعادة بهذا الموقف .. إلى درجة الشعور بالارتياح لنفس متحررة من قلق. ومما يبرر هذه المشاعر أن الوطن بأمس الحاجة للإنفاق الداخلي، فلدينا ست مدن اقتصادية مقبلة على بناء. والسعودية بلد مترامي الأطراف وبأمس الحاجة إلى سكك حديدية، إضافة إلى قطارات داخل المدن الرئيسية ينتظر لها أن تفك الاختناقات المرورية. ولدينا مطارات بحاجة إلى إنشاءات، وأينما تذهب بين المدن تجد شبكات الطرق البرية ما زالت تحت الإنشاء، بل إنه حتى الرياض العاصمة لم يكتمل طريقها الدائري. والمدارس الحكومية بعضها مستأجرة وغير مؤهلة للدراسة. ولدينا أحياء سكنية كان من المخطط أن تصلها الخدمات بعام 1993 وما زالت على قائمة الانتظار. ناهيك من أن عالمنا العربي (على كبره) لا ينتج نوعاً من السيارات أو الراديوهات أو الساعات أو نوعاً مما تفتخر به دول العالم الصناعي من التقنيات المعاصرة! في وقت تشير الإحصائيات إلى أن صندوق النقد الدولي يجمع الأموال ... ويقدم المعونات لدول مستمرة في برامج إنتاج تقنيات المفاعلات والنووية والقنابل الذرية! ولذلك أجدها مناسبة لأبعث برسالة (ملخصها) ارتياح من عدم مشاركة (المملكة بصفة خاصة ودول الخليج بصفة عامة) في دفع فاتورة الأزمة المالية العالمية، على أن الآمال معقودة على أن توجه الاحتياطيات المرصودة (1.7 ترليون دولار) للإنفاق الداخلي... وخصوصاً في مجالات استكمال البنية التحتية.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]