هل تدمن الأسواق المالية خطط الإنقاذ؟

قطاع السيارات الأميركي يأمل بالدعم قبل نفاد أرصدته

وزير الخزانة الأميركي هنري بولسون (رويترز)
TT

عملت الحكومة الأميركية مرارا على إنقاذ القطاع المصرفي وأسواق المال للنهوض بالاقتصاد، بضخ مليارات الدولارات في النظام المالي لاستعادة التوازن في الأسواق، ولكن يبدو إنها ليست العائق الوحيد.

وتوجهت الأنظار آخذة منحى جديدا لإنقاذ قطاع لا ينتمي للهيئات المالية التي فجرت فكرة خطط إنقاذ مالي، بعد أن شهد قطاع السيارات الأميركي ضربات موجعة في الأيام القليلة الماضية عرضته لرؤية شبح الإفلاس يلوح في الأفق. وشدد هنري بولسون وزير الخزانة الأميركي على أن خطة الإنقاذ التي تمت الموافقة عليها من قبل الكونغرس خصصت للقطاع المصرفي للنهوض بالاقتصاد، وحماية مدخرات المدنيين بالإضافة إلى الحفاظ على ملايين الوظائف. وجاء إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش الأحد الماضي، بأن الخزانة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي حماية مصرف سيتي غروب من خسائر محتملة قد تصل قيمتها إلى 306 مليارات دولار. وأعلنت الحكومة الاميركية عن خطة الإنقاذ الطارئة الثانية لحماية مؤسسة سيتي غروب المصرفية العملاقة، في اعقاب تراجع قيمة أسهمها بنسبة 60 في المائة الأسبوع الماضي، مما أدى إلى تحقيق البورصات العالمية لمكاسب ضخمة، وطمأنة المستثمرين من أزمات قادمة في النظام المالي، لتعمل كمنبه جديد للأسواق والمستثمرين. وأوضحت الخزانة الاميركية انها ستستثمر نحو 20 مليار دولار في شراء اسهم في المؤسسة المصرفية، التي كانت الأكبر في العالم من حيث الأصول والقيمة السوقية حتى عهد قريب، بالإضافة إلى الخسائر الفصلية التي تكبدتها خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام. كما تعهدت الوزارة، بمساهمة من هيئة ضمان الودائع الفيدرالية، بتقديم ضمانات مالية بقيمة 306 مليارات دولار لصالح القروض والاوراق والسندات المالية المتعثرة والصعبة. وتأتي هذه الخطوة بعد خطوة مماثلة الشهر الماضي ضخت فيها الحكومة نحو 25 مليار دولار من الأموال العامة لإنعاش سيتي غروب. وكانت أسهم المصرف قد فقدت جزءا ضخما من قيمتها السوقية مؤخرا لتقارب 20.5 مليار دولار، مقابل 270 مليارا التي تمثل القيمة السوقية لها في عام 2006.

وكان قد تعرض القطاع المصرفي الأميركي للعديد من الاضطرابات بعد أن وافقت ميريل لينش لبيعها لبنك أوف أميركا بحوالي 50 مليار دولار، بينما أعلن ليمان براذرز إفلاسه وتفكك المصرف كليا بعد فشله في إيجاد مشتر. ولم تتدخل الحكومة الاميركية لحل الأزمات التي تعرضت لها تلك المصارف في ذاك الوقت رغم رعونة الموقف. وأشار أيدوين ترومان الخبير الاقتصادي بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، ومساعد سابق في الشؤون الدولية للخزانة الأميركية لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد، إلى أن مجموعة سيتي غروب تمثل أهمية كبيرة للحكومة الأميركية والنظام المصرفي العالمي، مقارنة بليمان براذرز، وذلك لتشعب البنك في جميع أنحاء العالم بأحجام استثمارات أجنبية ضخمة. وأضاف ترومان أن الأوضاع المالية والاقتصادية اختلفت تماما من شهر سبتمبر الماضي ونوفمبر الحالي. فالحكومة الأميركية أصبحت لديها الأدوات اللازمة للتدخل وأخذ قرارات لنوعية الإنقاذ طبقا لأهمية الهيئة المتضررة، وأولويتها للاقتصاد. وأكد الرئيس الأميركي جورج بوش الدعم للمجموعة عند ظهوره مع وزير الخزانة أول من أمس، أن الوضع صعب على البلاد، «ولكننا سنتخطاه، الخطوة الأولى هي حماية الأنظمة المالية». وتأثر سهم المجموعة بتصريحات الرئيس، ليرتفع بنسبة 58 في المائة إلى 5.97 دولار في تعاملات نيويورك، بعد أن سجل انخفاضا تاريخيا إلى 3.77 دولار. كما سبق للمؤسسة ان أعلنت الأسبوع الماضي عن عزمها التخلي عن نحو 52 ألف موظف في أنحاء العالم. وكانت المؤسسة قد أعلنت قبل ذلك التخلي عن نحو 23 ألف وظيفة قبل ذلك بأيام قليلة. وواجهت خطة إنقاذ قطاع السيارات جدلا، مما أثار الشكوك بأن تتم الموافقة على مبلغ 25 مليار دولار لإنقاذ القطاع المتدهور من قبل الكونغرس، وذلك لتجنب سقوطه قبل نهاية العام الجاري. وعاشت الأسواق المالية العالمية جلسة متذبدبة أمس بعد الارتفاع التاريخي الذي شهدته تصريحات الرئيس الأميركي، لتسجل ارتفاعات خجولة، بعد أن كانت منخفضة أغلب أوقات الجلسة. جاء الحزب الديمقراطي مؤيدا للفكرة، وأبان النية للتصويت لصالح الخطة، ليستقطع كل من كرايسلر وفورد وجنرال موتورز حصة من حزمة الـ700 مليار دولار المخصصة لإنقاذ المصارف التي تمت الموافقة عليها، فيما جاء الجمهوريون مترددين لاعتماد أموالا إضافية لصناع السيارات. وأشار مارتن وايل رئيس معهد البحوث الاقتصادية والاجتماعية في لندن لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه بالرغم من رفض بولسون وزير الخزانة تخصيص مبالغ لإنقاذ قطاع السيارات من الـ700 مليار دولار، إلا أنه هناك احتمالية جيدة ليمرر الطلب عبر الكونغرس، وتتم الموافقة عليه. وأضاف وايل أن احتمالية اعتماد الطلب لا ترجع إلى كفاءة صناعة السيارات بقدر ما تركز على أعداد الموظفين الغفيرة التي قد تفقد وظائفها، تقدر بأكثر من 3 ملايين عامل، لتوسع الفجوة الاقتصادية. وقد حذرت جنرال موتورز الأسبوع الماضي من أن أرصدتها المالية قد تنفد خلال أسابيع قليلة، ولن يكون بوسعها الانتظار لحين تولي الرئيس المنتخب باراك أوباما، الذي تعهد بدعم القطاع الصناعي، مما يعرضها لخطر الإفلاس. وكانت قد أعلنت جنرال موتورز بداية الشهر الجاري خسائر الربع الثالث قدرت بـ4.2 مليار دولار، فيما جاءت فورد خاسرة 2.98 مليار دولار لنفس الفترة. وانخفضت مبيعات جنرال موتورز بنسبة 45 في المائة في أكتوبر مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بينما كانت مبيعات فورد منخفضة 30 في المائة، وكرايسلر عند 35 في المائة. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، قولهما «إن الحرص على وجود قطاع صناعة سيارات قوي يعد أمرا أساسيا لاستعادة السوق المالية لاستقرارها وللقوة الشاملة لاقتصادنا ولاستمرار عمل القوة العاملة في قطاع السيارات».

وفي الوقت نفسه ومع تضرر القطاع بدأ وكلاء الشركات العالمية في طرح أفكار الانسحاب من جنرال موتورز المتألم، والذي قد يجذب آخرين معه مثل شركة «دايو» في كوريا الجنوبية، و«أوبل» الألمانية التي عرضت فكرة الانسحاب تخوفا من أن يتعرض اسمها ذو العراقة والتشعب الأوروبي الضخم لاحتمالية الإفلاس.