وزير المال اللبناني: اقتصاد لبنان مرتبط عضويا باقتصاد المنطقة

محمد شطح في حديث لـ «الشرق الأوسط» يؤكد أن القطاع المصرفي اللبناني ليس له ما يضاهيه إلا في سويسرا

وزير المال اللبناني محمد شطح متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» (تصوير: جوزيف ابي رعد)
TT

أكد وزير المال اللبناني محمد شطح، أن اقتصاد لبنان مرتبط باقتصاده الخارجي المرتبط عضوياً باقتصاد المنطقة، وتوقع الا يكون تأثير اي ازمة في المنطقة دراماتيكياً على الاقتصاد اللبناني. ورأى أن المصارف اللبنانية غير معرضة للمخاطر التي تعرضت لها المصارف في الخارج، لأنها لم تتحمل اموالاً تفوق اصولها الحقيقية. وشدد على ضبط السوق وليس القيام بالغائه، وهو ما يتعمم على العالم. واشار الى ان مستحقات لبنان في العام المقبل تبلغ 14 مليار دولار والعمل جار على استبدالها من دون عوائق. واعتبر أنه من المطمئن ان حجم القطاع المصرفي اللبناني يوازي ثلاثة اضعاف حجم الاقتصاد. وامل في اقرار مجلس النواب العديد من مشاريع القوانين المحالة عليه في عهد الحكومة السابقة والملحة لإيجاد مناخ استثماري مؤات وتعزيز النمو الاقتصادي.

جاء ذلك في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، هنا تفاصيله.

> اذا كان لبنان قد استطاع ان ينأى بنفسه عن التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية، فإلى أي حد يستطيع ان يواجه التداعيات غير المباشرة؟

ـ لا شك في ان لبنان سيتأثر بالازمة العالمية التي تتأثر بها منطقتنا. صحيح ان لبنان استطاع ان ينأى بنفسه من ناحية القطاع المصرفي والقطاع المالي، لكنه جزء من العالم، ومرتبط ارتباطاً وثيقاً باقتصاد المنطقة، ليس عبر الاستيراد والتصدير فحسب، بل عبر وجود اقتصاد لبناني خارج الحدود اللبنانية لا يزال مرتبطاً عضوياً باقتصاد المنطقة لناحية ارتباط الانفاق بالموجودين في هذا الاقتصاد الخارجي عبر الزيارات وشراء المساكن والتعليم، او لناحية الودائع الموجودة في الجهاز المصرفي اللبناني والعائدة للبنانيين الموجودين في المنطقة، لذلك فان اي تباطؤ اقتصادي في المنطقة سيكون له تأثير مؤكد على الاقتصاد اللبناني.

> يبدو اننا سائرون نحو هذا التباطؤ. وهو تأكد في الاقتصاد الاميركي والاقتصاد الاوروبي، واليابان والدول الناشئة. أليس لكل هذه التباطؤات تأثير على الاقتصاد اللبناني؟

ـ هذه التأثيرات لا بد من معرفة مقدارها خلال الاشهر المقبلة. ولكنني اود ان اقول هنا ان الموجودات والاستثمارات الخليجية لم تجعل التأثير على لبنان دراماتيكياً على الرغم من تراجع اسعار النفط والخسارات الكبيرة في الاسواق العالمية، بالاضافة الى ذلك ان اللبنانيين العاملين في الخليج لن يكونوا اول الخاسرين لمواقعهم، وذلك بفضل طبيعة عملهم وقدراتهم.

> هل بدأنا نلمس تراجعاً في تحويلات العاملين في الخارج؟

ـ نحن نتابع عن كثب هذا الموضوع. وحتى شهر اكتوبر (تشرين الأول) الماضي كانت مستمرة بنسبة 14 في المائة سنوياً، علما بأن الجزء الأكبر من هذه التحويلات يأتينا من الاقتصاد اللبناني الخارجي. ويتبين ايضا ان الودائع المصرفية المحولة من الخارج كانت، في فصل الصيف، أعلى منها في النصف الاول من السنة.

> ألا تعتقد ان موعد ظهور التأثيرات السلبية لم يحن بعد؟

ـ الواقع أن الازمة لم تستجد الآن. بل هي موجودة منذ شهر سبتمبر (ايلول)، ولا تشير الارقام منذ ذلك الوقت حتى الآن الى أي سلبيات. ونحن نعرف ان علاقة المودع الموجود خارج لبنان بالمصرف الذي يودع فيه امواله علاقة وثيقة وثابتة ولا تهتز بسرعة، ومبنية على درجة من الاطمئنان تعود الى اقتناعهم بأن استثمارات المصارف اللبنانية محافظة جداً، وبالتالي فإن الودائع الموجودة في هذه المصارف غير معرضة للمخاطر التي تعرضت لها المصارف في الخارج، وحتى بعض المصارف في الخليج التي لديها استثمارات متنوعة وتتعاطى الأدوات المركبة.

> أهي التي يطلق عليها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة اسم «الأصول المسموحة» التي اجتنبتها المصارف اللبنانية؟

ـ بالتأكيد، خذ مثلاً مسألة القروض العقارية في الولايات المتحدة التي انفجرت مع حصول تباطؤ كبير في السوق العقارية. اما في لبنان فلم نشهد تباطؤاً في السوق العقارية، اضف الى ذلك أن القروض المعطاة للمشاريع العقارية لا تتعدى 60 في المائة من قيمة المشروع، ولا تتعدى 50 في المائة على السندات والمحافظ المالية. ولو أن السوق العقاري تراجع في لبنان، لا سمح الله، فإن الضمانات المعطاة كافية لتغطية القروض. وواقع الحال أن المصارف اللبنانية لم تتحمل الأموال التي تفوق الأصول الحقيقية، كما حصل في الأسواق الخارجية التي عرفت ما يمكن تسميته «تسونامي» من الاسعار الوهمية الناتجة عن التوظيف في «الأصول المسموحة» فعلاً التي أدت الى الأزمة الكبرى. والسبب الاساسي هنا هو أن هذا التطور الكبير في الاسواق المالية، الذي حصل في العقدين الماضيين لم يرافقه تطور في آليات الضبط والمراقبة وتقويم المخاطر، ربما لأن مظهر النمو المتزايد يوحي ان الامور تسير على افضل وجه، لكنه في الواقع يبطن خللاً ما لبث ان ظهر بكل فجاجة هذه المرة في الولايات المتحدة، ثم انتقل كالعدوى الى سائر الدول.

> هل نستطيع القول، اذا، ان السوق مطلق الحرية انتهى زمنه لحساب السوق المضبوطة عملياً وقانونياً، خصوصاً ان «قمة العشرين» الأخيرة في واشنطن ركزت على آليات الضبط والمراقبة؟

ـ يمكننا القول ان بعض نواحي السوق لم تكن فيها آليات ضبط ومراقبة كافية. وهذه النواحي يفترض الا ينبغي التخلي عنها بسرعة، بل الاسراع في تحصينها بآليات الضبط والمراقبة. والحقيقة، انه من السهل في ظل ازمة بهذا المستوى، الوصول الى استنتاجات خاطئة. كالقول ان الرأسمالية انتهت ويجب العودة الى نظام اقتصادي جديد. غير ان الاستنتاج الصحيح يجب ان يرتكز على كيفية الاستفادة من هذه التطورات ذات الطابع التكنولوجي والمعدومة الحدود بين القطاعات والبلدان، من خلال وضع آليات ضبط فعالة. وهذا الوضع يذكرني باكتشاف البارود في القرون الوسطى، الذي يمكن ان يكون أداة أذى اذا لم يضبط ويراقب، واداة مفيدة اذا خضع للضبط والمراقبة. ولا ننسى ان فعالية الاسواق تسببت في الفترة الأخيرة بنمو لافت من اميركا الى الصين، والاختلالات التي برزت خلال الممارسة، هي التي تحتاج الى ضبط من دون المساس بالسوق والنمو.

> اظهرت نتائج قمة العشرين وجود خيارين لآليات الضبط، خيار الضبط الوطني، وخيار الضبط العالمي، ايهما الانجع؟

ـ الواضح ان التوجهات الحالية هي نحو آليات ضبط عالمية، ولم تعد محصورة ببلد او مجموعة محددة، بل هناك مشاركة على المستوى العالمي، وبمشاركة الدول النامية.

> لكن الرئيس الاميركي جورج بوش يرفض الخيار العالمي؟

ـ ربما كي لا يحرج نفسه. ولكن اصبح هناك ادراك فعلي، ان المصلحة الاميركية تقتضي ان تكون هناك مشاركة فعلية في آليات الضبط، باعتبار ان العائلة الاميركية كانت الاكثر تحملاً للخسارة، لأنها كانت تملك ثروتين غير الرواتب هما: الفارق بين قيمة المنزل وقيمة القرض، ولكن هذا الفارق اضمحل الآن، وهناك نسبة عالية من الاميركيين اصبحت قيمة قروضهم اعلى من قيمة البيت. الجزء الثاني من ثروة العائلة الاميركية هو قيمة التقاعد المرتبط باستثمارات صناديق التقاعد، ونلاحظ اليوم ان استثمارات هذه الصناديق تراجعت الى حدود النصف ومن الطبيعي ان يتراجع تقاعد الفرد الاميركي بالنسبة نفسها.

> هل يؤدي القرار الاقتصادي العالمي الى قرار سياسي عالمي ايضاً بمعنى ان يكون هذا القرار خاضعاً لمحاصصات اوسع؟

ـ المشاركة في القرار السياسي العالمي ما زالت ضعيفة، ومع ذلك نجدها في الأمم المتحدة، عبر قرارات مجلس الامن الدولي او الجمعية العمومية. ولكن هل هذه القرارات مبنية على مشاركة فعلية من الجميع؟ هذا سؤال يمكن طرحه. اضف الى ذلك ان هناك دولاً تعتبر نفسها مهمة، وتطالب بأن يكون لها موقع في مجلس الأمن كالهند واليابان. وباعتقادي فإن الشكل الذي وضع قبل ستين عاماً لا بد من ان يتغير او يتطور، والتوازن الاقتصادي الذي يتم السعي اليه حالياً، لا بد من أن يؤدي بشكل من الاشكال، الى توازن في القرار السياسي.

> كنت قد دعوت وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية العرب الى لقاء، من اجل البحث في تداعيات الازمة العالمية، فهل لمست توجهاً في هذا المجال؟

ـ نحن الآن في صدد اجراء مشاورات مع وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية العرب، ومع لجنة التمويل الدولية التي يرأسها يوسف بطرس غالي. وسبق لوزراء المال ومحافظي المصارف المركزية الخليجية ان اجتمعوا، ونحن الآن في طور التشاور لتوسيع اللقاء العتيد بسبب وجود تداخلات متنوعة بين الاقتصاد اللبناني والاقتصادات العربية، وسيكون تركيزنا على البحث في سبل مواجهة اي ازمة محتملة. ويهمني ان اشير هنا الى ان الاقتصاد اللبناني لن يتأثر سلبا بأي ازمة تحصل في الخليج فقط، بل هناك جانب ايجابي لهذه الأزمة يتمثل في انخفاض اسعار النفط خصوصاً اذا عرفنا ان لبنان يستورد كامل حاجياته من الوقود، ومن شأن ذلك ان ينعكس ايجاباً على الاقتصاد اللبناني، ويحد من قيمة الفاتورة النفطية التي كانت تشكل 25 في المائة من حجم الاقتصاد الوطني، وهي من أعلى النسب في العالم. والجانب الإيجابي الآخر هو مالي، باعتبار ان الخزينة لا تزال تمول مؤسسة كهرباء لبنان بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، ومع انخفاض هذه الأسعار تخف الاعباء عن الخزينة، لا بل ان انخفاض سعر صفيحة البنزين يدر عائدات عليها بدلاً من دعم سعر الصفيحة عندما كانت الأسعار عالية.

> نعرف ان الأشهر التسعة الاولى من العام الحالي صبت 9 مليارات دولار، ودائع على القطاع المصرفي اللبناني، هل تعتقد ان المصارف قادرة على توظيف هذه السيولة في الظروف الحالية، أم انها مجرد «خزنة للودائع» كما سبق لك ان قلت في احدى محاضراتك؟

ـ القطاع المصرفي في لبنان مهم جداً، واذا قارناه بحجم الاقتصاد، لكنا امام اكبر نسبة في العالم، ولا يضاهيه في ذلك سوى سويسرا وسنغافورة ربما. والحقيقة ان موجودات القطاع المصرفي توازي 300 في المائة من حجم الاقتصاد، لذا فان زيادة الودائع السنوية بنسبة 11 في المائة أو 12 في المائة أو حتى 14 في المائة مهمة جداً للاستثمار وتمويل برنامج الدولة الطويل الأمد للتخفيف من الدين. ولكن هل هناك فرص استثمار كافية في البلد لكي يحقق الاقتصاد نمواً اكبر؟ انا أقول لا. فالاستثمارات التي حصلت في القطاعات المنتجة، هي جزء بسيط مما كان يجب ان يحصل والأسباب واضحة تتمثل في عدم الاستقرار واهتزاز الوضع الأمني وعوائق تطبيق القانون. وبحسب آخر تقرير للبنك الدولي لا يزال لبنان في المرتبة 98 بين 180 دولة على صعيد سهولة تأسيس الشركات، وهو يقع بين زامبيا واليمن، مع احترامي للدولتين.

> نعرف انه تأسست في المرحلة الأخيرة مديرية عامة لإدارة الدين العام في وزارة المال، فهل بدأت عملها؟ وما هي آليات هذا العمل؟

ـ لم تخرج الى النور هذه المديرية بعد، بل ما زالت على مستوى دائرة في وزارة المال. وهناك بحث مع البنك الدولي لجهة تأمين التوازن في الموازنة والضرائب وادارة الدين العام. ولدينا الآن فريق متقدم يتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي تمهيداً للتحول الى مديرية عامة. لأن الدين العام لا يمكن التعاطي معه ببيروقراطية، بل بتوفير الثقة الى المقرض او المحول.

> شددت اكثر من مرة على ضرورة عدم التأخر اكثر من تنفيذ الاصلاحات، فما هي ابرز هذه الاصلاحات، وماذا سيكون تأثيرها على الدين العام؟

ـ هناك نحو 73 مشروع قانون ارسلتها الحكومة السابقة الى مجلس النواب، لم يبتها بعد بسبب المشكلات التي رافقت المرحلة السابقة. وبين هذه المشاريع مشاريع موازنة (2007 و2008)، ومشاريع بنية تحتية مربوطة بقروض ميسرة. لا أريد ان أقول إن هناك استحالة لاقرار هذه المشاريع أو بعضها، بل هناك مشاريع باتت ملحة كالتجارة الالكترونية التي سبقتنا اليها كل الدول. وهناك مشروع الاسواق المالية، الذي يتجه بسرعة نحو الاقرار على أن ينظر في تطويره خلال التطبيق. وهناك مشروع قانون توحيد ضرائب الدخل الذي تعتزم وزارة المال الانتهاء منه قريبا، على ان يتناول هذا التحديد كل مداخيل الفرد باستثناء الضريبة على فوائد الودائع المصرفية التي سترفع من 5 في المائة الى 7 في المائة، واستحالة الجمع بين هذه الضريبة والضرائب الاخرى مردها الى قانون السرية المصرفية.

> كنت قد اشرت في وقت سابق الى أن وزارة المال تعد لاستبدال سندات دين. كم يبلغ حجمها؟ ومتى ستستبدل؟ وهل تتوقع فوائد مقبولة في هذه الظروف؟

ـ حجم المستحقات في عام 2009 يبلغ 14 مليار دولار، ونحن نحضر الآن لاستبدالها، واؤكد اننا لن نواجه عوائق في هذا المجال.