بوش يوجه ضربة جديدة إلى المبادئ الكبرى لاقتصاد السوق مع صفقة قطاع السيارات

«جنرال موتورز» «واثقة تماماً» من قدرتها على احترام الشروط المالية التي حددتها الحكومة الفيدرالية

اعربت شركة فورد انها لا تحتاج الى قرض قصير الاجل من الحكومة، الا انها اثنت على قرار ادارة بوش («الشرق الأوسط»)
TT

تلقت مبادئ اقتصاد السوق في الولايات المتحدة ضربة جديدة الجمعة سددها الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الذي كان في ما مضى أحد أشرس المدافعين عن هذه المبادئ. وواصل بوش سلسلة التدخلات الضخمة للدولة الفيدرالية في القطاع الخاص، بإعلانه تقديم مساعدة حكومية عاجلة بقيمة 17.4 مليار دولار الى اثنين من رموز هذا الاقتصاد، هما عملاقا صناعة السيارات الاميركية (جنرال موتورز) و(كرايسلر) اللذان يقفان على شفير الافلاس. وبرر بوش هذا التدخل الحكومي بالقول ان ظروفا اقتصادية استثنائية فرضته، وانه لا يريد ان يترك لباراك اوباما تركة ثقيلة لدى تسليمه مفاتيح البيت الابيض في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وبذلك قدم بوش الذي لطالما دافع على مدى السنوات السابقة عن ضرورة ألا يتخطى التدخل الحكومي حدود خلق المناخات المؤاتية للاقتصاد الحر، تنازلا كبيرا كان ليبدو قبل عام واحد مستحيلا، بقوله «تخليت عن مبادئ اقتصاد السوق لانقاذ نظام اقتصاد السوق». واضاف بعد اعلان خطة الانقاذ «في ظروف اقتصادية طبيعية»، كان ترك مصنعي السيارات لمصيرهما «الثمن الذي يتوجب على هذه الشركات دفعه بسبب فشلها، وما كنت لأتدخل، ولكننا لسنا في ظروف طبيعية». وقد يواجه بوش باعلانه عن تقديم قروض الى شركات انتاج السيارات مقابل خطط لاصلاحها في العمق في موعد اقصاه 31 مارس (آذار) 2009، انتقادات من الذين يعارضون تدخل السلطة العامة في القطاع الخاص واستخدام اموال دافعي الضرائب لهذه الاهداف. إلا ان بوش اكد ان هذه الشركات يجب ان تعيد الاموال وتثبت انها قادرة على الاستمرار، معتبرا انها «قادرة على ذلك». واعلنت جنرال موتورز «جي ام»، كما ذكرت الوكالة الفرنسية في تقريرها من واشنطن، انها «واثقة تماما» من قدرتها على احترام الشروط المالية التي حددتها الحكومة الفيدرالية لمنحها مساعدة. وقال رئيس مجلس ادارة الشركة ريك واغونر خلال مؤتمر صحافي في ديترويت (ميتشغن، شمال) «انا واثق تماما، سوف ننجح في هذا الاختبار»، مضيفا «سوف نتخذ بالتأكيد اجراءات مهمة». واعلن الرئيس جورج بوش ان «كرايسلر» ستحصل سريعا على اربعة مليارات دولار وشركة جنرال موتورز على 9.4 مليار دولار مقابل شروط صارمة جدا لتأمين عودتها الى الانتاجية. وسوف تحصل «جي ام» على دفعة ثانية من اربعة مليارات دولار في فبراير (شباط) المقبل اعتمادا على موافقة الكونغرس على الجزء الثاني من البرنامج. وفي رد فعل على صفقة الانقاذ، اعربت شركة فورد انها لا تحتاج الى قرض قصير الاجل من الحكومة، الا انها اثنت على قرار ادارة بوش. وحذر بوش من ان «اعادة الهيكلة هذه تتطلب تنازلات كبيرة من كل المشاركين في صناعة السيارات: الادارات، النقابات، الدائنون، المساهمون..». وتابع بوش «انه الوقت المناسب لاتخاذ القرارات الصعبة لتصبح هذه الشركات قادرة على الاستمرار وإلا الخيار الوحيد المتبقي سيكون اعلان افلاسها». وادت ازمة الرهن العقاري الى اسوأ ازمة مالية تشهدها الولايات المتحدة منذ 1929 حيث دخل الاقتصاد رسميا مرحلة الركود وبلغت البطالة اعلى معدل لها منذ 15 عاما. وبحسب بوش وحكومته، فان ترك قطاع صناعة السيارات لمصيره المحتوم وقواعد اقتصاد السوق يهدد بتصفية هذا القطاع برمته الامر الذي سيحدث صدمة جديدة في الاسواق وسيؤدي الى خسارة فرص عمل مباشرة وغير مباشرة قدر عددها البعض بالملايين. ورغم هذا لا يزال غلاة المدافعين عن الاقتصاد الحر الاميركي يدعون الى ركوب هذه المخاطرة. فخلال اقل من عام شاهد هؤلاء مبادئ الاقتصاد الحر تتحطم امام اعينهم بتدخل الدولة اولا لانقاذ مصرف الاعمال بير ستيرنز ثم وضعها عملاقي اعادة التمويل العقاري فاني ماي وفريدي ماك تحت رقابتها، ولاحقا فرض شبه تأميم على عملاق التأمين «ايه اي جي». كما شاهد هؤلاء ادارة بوش تتفاوض مع خصومها، اي الاكثرية الديمقراطية في الكونغرس، على خطة انقاذ بقيمة 150 مليار دولار لانعاش الاقتصاد ثم على خطة اضخم بقيمة 700 مليار دولار لانقاذ النظام المالي الذي ادى شلله الى شلل حركتي الاستهلاك والاستثمار.

وفي بلد رشح فيه لمنصب نائب الرئيس سارة بايلن، ها هم الجمهوريون انفسهم يدخلون البلد في عجز موازنة يفوق 1000 مليار دولار. ومع الهزيمة المدوية التي لحقت بهم في الانتخابات الرئاسية، اصبح لدى الجمهوريين الذين اكدوا باستمرار على الدفاع عن اموال المكلف الاميركي ويريدون الآن مناقشة خطة الانعاش التي تقدم بها الديمقراطيون 850 مليار دولار، دوافع اقل للدفاع عن الرئيس بوش. واخفق هؤلاء الاسبوع الفائت في تمرير خطة جديدة تفاوضت فيها الحكومة مع الكونغرس هدفت هذه المرة الى انقاذ قطاع صناعة السيارات. وتقول ادارة بوش حاليا انها اخذت في الحسبان بعضا من شروط هؤلاء، كالشرط الداعي الى ان تكون الاجور التي تدفعها شركات صناعة السيارات متوافقة مع تلك التي تدفعها منافساتها في الخارج. وقال بوش، الخميس، ان «الوقت صعب عندما نؤمن باقتصاد السوق». واضاف «لكنني قررت ألا أكون رئيسا خلال مرحلة كساد اكبر من الكساد الكبير»، وهي اسوأ ازمة شهدها الاقتصاد الاميركي عام 1929 واستمرت خلال ثلاثينات القرن الفائت. واضاف «بصراحة، هناك اعتبار آخر، هو انني اؤدي واجبا تجاه خلفي (...) اعتقد ان السياسة الصائبة تفرض عليَّ الا القي على كاهله كارثة ضخمة في اول يوم من رئاسته».

ودافع بوش أمس السبت عن قراره تقديم مساعدة مالية من الدولة الاميركية الى الشركات المنتجة للسيارات، مؤكدا ان افلاسا غير منضبط لهذه الشركات يمكن ان يدفع الولايات المتحدة الى ركود أعمق.