الصين: التباطؤ الاقتصادي يعود بالفائدة على البيئة

تعتبرمن أكبر مصادر الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم

رداء من الدخان يلف العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
TT

للتباطؤ الاقتصادي الكبير في الصين مكسب بيئي، فهو يقلص من مستويات الانبعاثات من اكبر مصادر للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في العالم، مع بدء تراجع صناعاتها الاكثر اعتمادا على الكربون. والسؤال الذي سيواجهه بكين قريبا، هو كيفية تمكنها من مواصلة هذا الخفض في الانبعاثات، عندما يعود النمو لسابق عهده، فالبعض يقول انها تتحرك في الاتجاه الصحيح، وآخرون اقل ثقة بدرجة كبيرة، فيما تهرع الحكومة التي تواجه تهديدا للمعجزة الاقتصادية، التي بنت عليها مصداقيتها لرفع نسب النمو مرة اخرى. وقال وي ويجيان استاذ الطاقة بجامعة بكين للأعمال والاقتصاديات الدولية «الحفاظ على النمو الاقتصادي هو الأولوية الاولى للسلطات على الاطلاق. «ربما تضطر الحكومة الى التغاضي عن نهوض بعض الصناعات الثقيلة الملوثة للبيئة». وبوسع بكين حاليا، توفير الموارد لإحداث بعض التغييرات المنهجية، التي ستلبي بشكل مناسب كلتا الحاجتين. وبحسب تقرير لرويترز فإن الصين خفضت مساء الخميس، اسعار النفط على سائقي السيارات، بنسبة تترواح بين 14 و18 في المائة، في اول خفض منذ بلوغ النفط ذروته في يوليو (تموز) لكنها فرضت في الوقت نفسه ضريبة اكبر كثيرا على الاستهلاك في اطار تعديل للاسعار، يسمح لها بالارتفاع مرة اخرى اذا ارتفع سعر النفط، وهو ما يؤدي عادة الى ضبط الاسراف في الاستهلاك. وبالاضافة الى ذلك تعهدت بكين باستثمار حزمتها للحفز الاقتصادي والتي تقدر بأربعة تريليونات يوان(584 مليار دولار) والتي تهدف لمساعدة الاقتصاد الضعيف في الصناعات الملوثة وكثيفة الاستهلاك للطاقة، وخصصت 3.5 مليار يوان للمشروعات البيئية. كما أسرعت في خطط لبناء محطات للطاقة النووية، ومضاعفة الاستثمارات في شبكة الطاقة الكهربائية الحكومية الى 1.2 تريليون يوان (175.6 مليار دولار). وربما يساعد ذلك ايضا مشروعات الطاقة المتجددة بتوصيلها بشكل اسرع واكثر استقرارا بالشبكة الكهربائية. كما قاومت بكين حتى الآن نداءات بمساعدة قطاع المعادن بخفض ضرائب الصادرات على الالومنيوم وغيرها من المنتجات كثيفة الاستهلاك للطاقة رغم انهيار انتاجها. لكن مع تركيز خطة الحفز على قطاع الانشاء، فسيكون من الصعب تجنب زيادة كبيرة في عدد مصانع الحديد كثيفة استهلاك الكربون ومصانع الاسمنت، بالاضافة الى مصهرات المعادن، وجميعها تستهلك الفحم وتعتمد عليه في توليد 80 في المائة من طاقتها. وستكون الصين بحاجة للسير بحرص بالغ للموازنة بين مصالح متنافسة خلال العام المقبل، فيما تواجه حكومات العالم الموعد النهائي لايجاد بديل لبروتوكول كيوتو في ديسمبر (كانون الأول) الخاص بكيفية مواجهة التغير المناخي حيث يرجح ان تجبر الصين على لعب دور رئيسي بسبب تصدرها قائمة اكبر المتسببين في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم. وقال سزي بينج لو مدير الحملات بمنظمة السلام الاخضر «التباطؤ الاقتصادي العالمي يعطي الصين فرصة ذهبية للتحرك صوب نوع اخضر ومستدام من التنمية». وأوضح أن هدف بكين لتحسين كفاءتها في استخدام الطاقة بنحو 20 في المائة بنهاية هذا العقد من الزمن، يلقى اشادة لكن صانعي السياسات بحاجة الى فعل الكثير لوقف استخدام الفحم. وقال «نعتقد ان 2010 وبقية الاهداف هي اهداف طموح، لكننا نعتقد ان بوسعهم فعل المزيد. هي على طريق تحقيق الاهداف، لكن ذلك ليس جيدا بما يكفي». وستتمكن الصين هذا العالم وربما العام المقبل من تعزيز الاحصاءات التي تظهر، انها تحقق تقدما نحو نمو انظف. وتمكنت الصين من خفض كثافة استهلاكها للطاقة بما يصل الى 3.46 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى سبتمبر (أيلول) مقارنة مع عام مضى. ويقول مسؤولون انه مع انخفاض انتاج الطاقة بأكبر هامش له على الاطلاق الشهر الماضي، وتراجع انتاج الحديد، فإنها بصدد تحسين خفض في الاستهلاك بلغ العام الماضي 3.66 في المائة. وقال يانج فوكيانج نائب رئيس مؤسسة انيرجي فاونديشن وهي هيئة استشارية اميركية «الصين ستحقق على الأرجح هدفها في خفض الانبعاثات هذا العام.. التباطؤ الاقتصادي امر جيد لمكافحة التغير المناخي»، وتراجع استهلاك الكهرباء الشهر الماضي عشرة في المائة، عما كان عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 في اكبر انخفاض على الاطلاق. وتحمل الفحم عبء التباطؤ الاقتصادي. فقد انخفض توليد الطاقة الكهربية من المحطات الحرارية بمقدار السدس ووازن ذلك توليد الطاقة المائية الكهربائية والطاقة النووية وكلاهما صغير، بالمقارنة مع الطاقة الحرارية، لكنهما يقطتعان نصيبا كبيرا من حصة الفحم في سوق الطاقة. لكن الاقتصاد لا يزال يتمدد ولو بوتيرة ابطأ وربما اقل قدر من تحسين الكفاءة، سيعني على الارجح قدرا اكبر من الغازات المسببة للاحتباس الحراري من دولة تشير التقديرات حاليا الى انها تتجاوز الولايات المتحدة كأكبر مسبب لها في العالم. وطبقا لبيانات جمعتها مؤسسة ايكوفيز لحساب ادارة الطاقة والتغير المناخي البريطانية، فإن حصة الفرد في الصين من انبعاثات النقل والمنازل والنفايات والطيران ضئيلة للغاية. لكن الانبعاثات من توليد الطاقة تأتي بين الاسوأ في العالم ولا تتسم الصناعة الصينية بالكفاءة نسبيا في استخدام الطاقة. لكن الحكومة المركزية التي بنت شرعيتها على تحقيق الاستقرار والرخاء ربما تنزعج من التراجع المفاجئ بدرجة تجعلها تخفف القيود المفروضة على الصناعات الملوثة ومناجم الفحم. ومن المرجح ان يتراجع نمو اقتصادي بلغ 11.9 في المائة في 2007 الى خانة الاحاد هذا العام، مع توقع انخفاضه الى ثمانية في المائة في 2009 وهو مستوى تعهدت الحكومة بفعل كل ما في وسعها لضمانه.