صعود نجم السلع الأولية وأفوله يلقي الضوء على العام الجديد

فيما لا توجد بادرة على أن الأزمة الائتمانية في سبيلها للحل قريبا

TT

قبل عام واحد فحسب كان السؤال الذي يدور في الأذهان حول أسعار الحبوب هو: ما المدى الذي قد تصل اليه في ارتفاعها؟ فقد حلت بالأسواق كل العوامل الصعودية التي يمكن أن يتخليها الانسان من ارتفاع كبير في الطلب العالمي على الحبوب واقبال الحكومات على تخزين المواد الغذائية الى المخاوف المناخية وسط موجات جفاف وعواصف وفيضانات. وانتقلت المخاوف من نقص الامدادات الى سلع أولية أخرى كذلك، لا سيما المعادن الصناعية مع ارتفاع الطلب عليها بسرعة من الصين والهند بفضل التحولات الاقتصادية التي شهدتها الدولتان. وبحسب تقرير اعدته كريستين ستيبنز من «رويترز» فقد جاء العنصر الاخير من «العاصفة المثالية» ليدفع بالسلع الأولية الى مستويات فلكية متمثلا في الزلزال الذي هز أسواق «وول ستريت»، اذ أقبلت صناديق المضاربة على الاستثمار في السلع بعد أن أصابها ركود أسواق الأسهم والسندات بخيبة الامل.

ففي 31 ديسمبر (كانون الاول) كان مؤشر رويترز ـ جيفريز ـ سي.آر.بي الذي يقيس التعاملات الآجلة في 19 سلعة 358.71 نقطة بزيادة 17 في المئة عن العام السابق. وفي الثالث من يوليو (تموز) الماضي كان المؤشر قد ارتفع بنسبة 32 في المائة أخرى ليسجل مستوى قياسيا عند 473.97 نقطة. وفي لمح البصر اكتشف المستثمرون أن هذه الموجة الصعودية انتهت. وبدأ المؤشر يتراجع حتى أصبح في أوائل ديسمبر الحالي 208.58 نقطة أي أقل مستوياته منذ ستة أعوام ونصف العام بانخفاض 56 في المائة عن مستواه القياسي الذي سجله خلال الصيف. وهزت الأزمة الاقتصادية العالمية المرتبطة بأسواق الائتمان الناضبة التي هي بمثابة شريان الحياة لكل الاسواق «وول ستريت» وامتد أثرها الى السلع الأولية لتنفجر الفقاعات يمنة ويسرة.

وقال ريتش فيلتس مدير «ام.اف غلوبال ريسيرش» في شيكاغو «بداية عظيمة ونهاية غير متوقعة». وكان الذهب قد تجاوز الألف دولار للأوقية (الاونصة). وارتفعت أسعار القمح الأميركي لتتجاوز 25 دولارا للبوشل بعد أن كان مستواها القياسي السابق 7.5 دولار في الوقت الذي انخفضت فيه مخزونات القمح الأميركية الى أدنى مستوى منذ 60 عاما. ودفعت الفيضانات التي اجتاحت الغرب الأوسط وطفرة الوقود الحيوي سعر الذرة ليتجاوز سبعة دولارات للبوشل أي ثلاثة أمثال المتوسط على مدى عقود. وفي يوليو (تموز) قفزت أسعار النفط لتقترب من 150 دولارا للبرميل. وقال بيل أونيل، المدير الشريك بشركة «لوجيك ادفايزوزر» الرئيس السابق لأبحاث السلع الأولية لدى ميريل لينش «العامل السلبي الرئيسي لكل هذه السلع هو شق الطلب في ضوء المشاكل الاقتصادية». وأصبح السؤال للعام المقبل هو: ما مدى الانخفاض الذي ستذهب اليه الأسواق؟ وقال فيلتس «أعتقد ونحن نتجه الى 2009 أن سؤالا مهما يجب طرحه هو هل ستعود أموال الصناديق». وأضاف «السلع الأولية لن تكون مؤشرا رئيسيا»، مشيرا الى الناتج المحلي الإجمالي بدلا منها.

وقال «يجب ان يتحسن الاقتصاد أولا. لا بد من وجود مبرر أساسي لارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من أجل تحسن الطلب على السلع قبل ان يشعر المستثمرون بالارتياح للعودة الى السلع الاولية». وفي أسواق السلع الأولية الأميركية كشفت البيانات الأسبوعية من لجنة التعاملات السلعية الآجلة عن تفاصيل هروب المستثمرين من أسواق السلع أو اللجوء الى صناديق امنة. ففي الربيع بلغ حجم الاقبال على أكبر عقود التعاملات الزراعية في بورصة مجلس شيكاغو للتجارة على سبيل المثال وهو الذرة 1.4 مليون عقد. أما الآن فيبلغ الإجمالي 800 ألف عقد بعد أن قلصت الصناديق السلعية تعاملاتها. ولا توجد بادرة على أن الأزمة الائتمانية بسبيلها للحل قريبا مع تركز آمال معظم المستثمرين على السياسات الجديدة والاجراءات التي قالت ادارة الرئيس الاميركي المقبل، باراك أوباما، انها ستنفذها بدءا من يناير (كانون الثاني). ولا أحد يعرف مدى السرعة التي قد تفضي بهذه السياسات والإجراءات الى حفز النمو الاقتصادي ودعم ثقة المستثمرين. لكن من بين السلع الأولية تمثل الحبوب عنصرا رئيسيا لان عوامل عديدة قد تجعل المواد الغذائية والوقود الحيوي مفتاح الانتعاش لأسواق السلع.

وأحد هذه العوامل أن الصين التي كانت أكبر قوة منفردة في الطلب خلال موجة الارتفاع الأخيرة في الأسعار لن تختفي من الصورة. كذلك فان الطلب على الغذاء والوقود الحيوي لن يختفي رغم أنه قد يتراجع بالنسبة للوقود.

وقال دان باس رئيس شركة «اغريسورسيز» الاستشارية في شيكاغو «الفكرة الرئيسية في النصف الثاني من هذا العام دارت حول انخفاض الطلب.. نحن نخشى انخفاض الطلب بدءا من منتصف الى أواخر الشتاء ثم ظهور سوق صعودية في القطاع الزراعي في النصف الثاني من 2009». وقال ان من العناصر الرئيسية التي يجب مراقبتها تراجع الإمدادات، مشيرا الى انخفاض مساحات زراعة الحبوب. وأكد أن الامر نفسه يسري على الوقود الحيوي. وقد عمد أوباما الذي ينتمي لولاية من أهم الولايات في زراعة الذرة وفول الصويا الى الترويج للوقود الحيوي.

لكن استخدام المحاصيل الغذائية في انتاج الوقود الحيوي تعرض لانتقادات شديدة بسبب ارتفاع الاسعار، كما أن دعاة الحفاظ على البيئة يقولون انها لا تفيد في مكافحة ارتفاع حرارة الأرض.