روسيا تعلن «حرب الغاز» ضد أوكرانيا وسط مخاوف من تأثر عبور صادراتها منه إلى أوروبا

إيران وتركمانستان تتوصلان لاتفاق بشأن أسعار الغاز

جانب من تجهيزات قياس ضغط انبوب الغاز الرئيسي القادم من روسيا بقرية بوياركا قرب العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ب)
TT

بعد سلسلة من التهديدات التي اعقبت فشل المباحثات بين الجانبين، أقدمت روسيا على تنفيذ قرار قطع صادراتها من الغاز الى اوكرانيا اعتبارا من اول يناير (كانون الثاني) الجاري بسبب عدم وفائها بالديون المستحقة وتزيد على الثلاثة مليارات دولار. واعلن فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية ان مؤسسة «غاز بروم» اقترحت على الجانب الاوكراني سعر 250 دولارا لقاء كل الف متر مكعب استنادا الى عدة اعتبارات اهمها ان اوكرانيا تمر باوضاع اقتصادية اصعب من تلك التي تمر بها روسيا وان الشعب الاوكراني شعب صديق لروسيا ومع ذلك رفض الجانب الاوكراني الذي طالب بتخفيض السعر الى 200 دولار وهو ما لا تستطيع روسيا قبوله. وردا على تهديدات اوكرانيا بوقف صادرات الغاز الروسية الى بلدان اوروبا عبر الاراضي الاوكرانية اكد بوتين ان كييف لا تملك الحق في انتهاك الاتفاقيات الموقعة التي تنتهي في نهاية عام 2010 محذرا من مغبة اي تصرف في هذا الاتجاه، فيما عزا الارتباك الذي تتسم به مواقف القيادات السياسية في اوكرانيا الى الصراع الدائر حول السلطة هناك، غير أن الجانبين بحسب وكالة الصحافة الفرنسية طمأنا اوروبا الى عدم تأثرها بهذا الامر بحيث لا يتكرر السيناريو الذي حصل عام 2006.

ومن جانبه دعا الكسي ميللر رئيس «غاز بروم» اوكرانيا الى عدم تسييس القضية محذرا من المساس بصادرات روسيا من الغاز الى بلدان الاتحاد الاوروبي عبر الاراضي الاوكرانية. وقالت مصادر روسية ان ممثلي عدد من الاحزاب السياسية الروسية ومنها الحزب الليبرالي الديمقراطي المعروف باسم «حزب جيريتنوفسكي» اعلنت عن محاصرة مقر السفارة الاوكرانية في موسكو اعتبارا من الثالث من يناير الجاري تعبيرا عن احتجاجها ضد سياسات كييف وتهديداتها بوقف عبور الغاز الى اوروبا. وفي الوقت الذي بدأت فيه موسكو وقف صادراتها من الغاز الى اوكرانيا قالت مصادر اوكرانية ان الموجود في مستودعات الغاز هناك يكفي حاجة اوكرانيا حتى نهاية شتاء هذا العام. واشارت المصادر الى ان اوكرانيا تملك ما يقرب من 30 مليار متر مكعب وانها لن تمس صادرات روسيا من الغاز الى اوروبا وهو ما يحاول التأكد منه مبعوثو اللجنة الاوروبية الذين بدأوا مشاوراتهم مع ممثلي الجانبين الروسي والاوكراني. ونقلت المصادر عن فيران تيراديلاس الممثل الرسمي للجنة الاوروبية تصريحاته حول ان اجتماع مجموعة التنسيق للجنة الغاز لدى الاتحاد الاوروبي سيعقد في التاسع من يناير الحالي لتحديد ابعاد الموقف الراهن والخطوات التالية في حال عدم اتفاق روسيا واوكرانيا حول هذه القضية.

وخلال الازمة الروسية الاوكرانية السابقة حول ملف الغاز في يناير (كانون الثاني) 2006، تأثرت عمليات التصدير الى اوروبا، واتهمت موسكو كييف بسرقة الغاز الذي يعبر اراضيها، ومنذ وقوع الحادث، تركز انتباه الاتحاد الأوروبي على إيجاد مصادر بديلة لإمدادات الغاز وطرق بديلة لنقله لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على أي من الطرفين. ويشكل الغاز الروسي ربع الغاز الذي يستهلكه الاتحاد الاوروبي ويمثل اربعين في المائة من الواردات الاوروبية، لكن اوكرانيا ودول الاتحاد الاوروبي قالت انها خزنت احتياطا كافيا للشتاء، ما يقلل من تأثير اي انقطاع فوري. وكانت روسيا قد حذرت من وقف تسليم الغاز أمس اذا لم تسدد كييف كامل ديونها الغازية في 31 ديسمبر (كانون الاول) تمهيدا لتوقيع عقد جديد لعام 2009. وطالبت غازبروم بدفع اكثر من ملياري دولار من المبالغ المتأخرة قبل توقيع هذا العقد الجديد بالاحرف الاولى. وتؤكد اوكرانيا انها تواجه صعوبات في تسديد متوجباتها المالية بسبب الازمة الاقتصادية العالمية التي ادت خصوصا الى تدهور قيمة عملتها وتراجع صادراتها في شكل كبير. وتضفي روسيا طابعا تجاريا على مشكلة الغاز مع اوكرانيا، رغم ان علاقاتها السياسية مع كييف تشهد توترا منذ الثورة الموالية للغرب التي شهدتها جارتها مع نهاية 2004. وذكرت رويترز ان روسيا قالت أمس انها زادت صادرات الغاز لعملائها في أوروبا بعد قطع الامدادات عن أوكرانيا. ونقلت عن سيرجي كوبريانوف المتحدث باسم شركة غازبروم التي تحتكر تصدير الغاز في روسيا قوله في مؤتمر صحافي «الشحنات المخصصة للتصدير زادت الى 326 مليون متر مكعب يوميا». وأضاف أن غازبروم تريد اجراء محادثات جديدة مع أوكرانيا حول عقد جديد لتوريد الغاز. من جهة أخرى قال بيان من شركة نفتوجاز الاوكرانية الحكومية امس ان أوكرانيا بدأت استخدام مخزونات الغاز لتلبية الاحتياجات المنزلية بعد أن قطعت روسيا امدادات الغاز الطبيعي صباح اليوم، وقال البيان «ضمانا لتوفير الاحتياجات المنزلية يتم ضخ الغاز من احتياطيات مخزونة تحت سطح الارض بأحجام تبلغ 200 مليون متر مكعب يوميا، كذلك يتم استخدام الغاز من الانتاج المحلي بحجم 58 مليون متر مكعب يوميا». وقالت الشركة الاوكرانية ان لديها 17 مليار متر مكعب من مخزونات الغاز أغلبها في غرب أوكرانيا لكنها لم تفسر سبب ضخ كميات من الاحتياطيات تفوق ما توقف من امدادات روسية. وعلى صعيد متصل قال مسؤول كبير بقطاع النفط الايراني في تعليقات نشرت امس ان ايران وتركمانستان اتفقتا على السعر الذي ستدفعه الجمهورية الاسلامية مقابل واردات الغاز الطبيعي التركمانستاني خلال الاشهر الستة المقبلة. ونسب موقع شانا التابع لوزارة النفط على الانترنت الى رضا كسائي زادة رئيس الشركة الوطنية الايرانية لتصدير الغاز قوله ان السعر سيظل ثابتا خلال النصف الاول من عام 2009. لكن وسائل اعلام ايرانية لم تكشف تفاصيل عن السعر أو توضح ما اذا كان يمثل زيادة على أسعار العام الماضي. وتملك ايران ثاني أكبر احتياطيات في العالم من الغاز الطبيعي بعد روسيا لكنها تباطأت في تطوير مواردها وواجهت نقصا في الامدادات خلال الشتاء الماضي عندما أوقفت تركمانستان امدادات تصل الى 23 مليون متر مكعب يوميا استنادا لاسباب فنية، لكن ايران قالت ان عشق أباد تريد زيادة السعر. واستؤنفت الامدادات من تركمانستان في ابريل (نيسان). وقال مسؤول اخر بقطاع الطاقة لرويترز انه سمع أن الجانبين وقعا عقدا لكنه لا يعلم فحواه بعد. وتستخدم ايران الغاز المستورد في تلبية الاحتياجات في المنطقة الشمالية البعيدة عن الشبكة الايرانية للغاز وعن احتياطياتها الضخمة في جنوب البلاد. وفي الأسبوع الماضي قال وزير النفط غلام حسين نوذري ان بلاده يمكنها انتاج ما يكفي من الغاز لتلبية الطلب المحلي بدون الحاجة للاستيراد من تركمانستان وان طهران تضخ كميات اضافية في شبكتها الوطنية للحيلولة دون تكرار النقص الذي حدث في العام الماضي.

وقد حثت الولايات المتحدة امس على اعادة امدادات الغاز المعتادة بعد ان قطعت روسيا الامدادات عن أوكرانيا بسبب نزاع على شروط التعاقد وسألت الجانبين الاخذ في الاعتبار الاثار الانسانية لاي انقطاع خلال فصل الشتاء. ونقلت رويترز عن المتحدث باسم البيت الابيض جون جوندرو قوله في بيان مكتوب من تكساس حيث يقضي الرئيس جورج بوش عطلة في مزرعته في كراوفورد «تود الولايات المتحدة أن ترى اعادة الامدادات المعتادة. ويجب على الجانبين حل الخلافات بينهما في مفاوضات تقوم على حسن النية بدون قطع الامدادات».

وقال جوندور «نأمل أن تحل روسيا وأوكرانيا النزاع بينهما بشأن ديون الغاز وشروط الاتفاق بينهما لتوريد الغاز الطبيعي بطريقة تجارية شفافة»، وأضاف قوله «نحث الجانبين على أن يأخذا بعين الاعتبار الاثار الانسانية لاي انقطاع لامدادات الغاز في الشتاء».