«غازبروم» رمز للتهاوي الاقتصادي السريع في روسيا

ديونها بلغت 50 مليار دولار أي ما يماثل ديون الهند والصين والبرازيل

حفار تابع لـ«غازبروم» في سيبيريا، كانت الشركة رمزاً للانبعاث الروسي إلا أن أسهمها انخفضت بنسبة 76 في المائة («نيويورك تايمز»)
TT

منذ عام مضى، تطلعت شركة غازبروم الروسية المحتكرة لقطاع الغاز الطبيعي في البلاد، إلى أن تصبح الشركة الأكبر عالميا. ونظراً للدعم الذي حظيت به نتيجة ارتفاع أسعار النفط والدعم السياسي الذي تلقته من الكرملين، كانت الشركة قد تمكنت بالفعل من احتلال المرتبة الثالثة عالمياً تبعاً للقيمة السوقية للأسهم المتداولة، بعد كل من إكسون موبيل وجنرال إلكتريك. أما اليوم، فتعاني غازبروم من وطأة ديون ثقيلة وتتفاوض مع الحكومة للحصول على إعانة مالية. ويذكر أن القيمة السوقية للأسهم المتداولة في الشركة، أي إجمالي قيمة أسهم الشركة، تراجعت بنسبة 76 في المائة منذ بداية العام الجاري. وبدلاً من أن تتحول إلى الشركة الأكبر عالمياً، تراجع ترتيب الشركة إلى 35 بين كبريات الشركات العالمية. ورغم انتشار رقعة إجراءات تقديم إعانات مالية للشركات، لا تسعى أي من الشركات الخاصة الغربية الكبرى المنافسة للشركة الروسية للحصول على مثل هذه الإعانات. ومن الواضح أن شركة الطاقة الروسية الأكبر المملوكة للدولة تحتاج بالفعل إلى مبلغ مالي لإنقاذها بسرعة بعدما جاء ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية الصيف الماضي كمؤشر على دخول أسعار النفط إلى فترة يسودها التوتر والاضطراب. وبعد أن كانت في يوم من الأيام رمزاً للكبرياء الروسي والخطر الناشئ عن الصعود الروسي مجدداً، باتت غازبروم رمزاً للتهاوي الاقتصادي السريع الذي منيت به هذه الدولة المعتمدة على النفط. خلال فترات الازدهار، تحولت غازبروم وشركة الطاقة الروسية الأخرى المملوكة للدولة، روسنفت، إلى أداتين في عملية إعادة تأميم يجري تنفيذها خلسة. ومع ارتفاع أسعار النفط، ارتفعت قيمة أسهم الشركتين. إلا أنه بدلاً من الاستثمار بصورة مناسبة في عمليات التنقيب واستخراج النفط، استغل الرئيس الروسي آنذاك، فلاديمير بوتين، الموقف في تنفيذ أجندته الخاصة باستعادة السيطرة العامة على حقول النفط، وجزء كبير من الصناعة الخاصة القائمة وراءها. وبحلول فترة تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي، دخلت الشركتان أزمة الاعتماد بينما تحملان على كاهلهما ديونا ضخمة واحتياجات كبيرة في مجال الاستثمار الإنتاجي. يذكر أنه في عهد بوتين، الذي يشغل حالياً منصب رئيس الوزراء، خضعت كل من غازبروم وروسنفت لسيطرة شديدة من قبل الكرملين لدرجة أن إدارتهما لم تتم على يد أفراد معينين من قبل الحكومة فحسب، وإنما مباشرة من جانب مسؤولين حكوميين أعضاء في مجلسي إدارتهما. في هذا الصدد، اوضح جيمس آر. فنكنر، المسؤول الأول عن وضع الاستراتيجيات داخل ريد ستار، صندوق تحوط معني بروسيا: «لقد غلبت عليهم السعادة بالنجاح الذي أحرزوه بقدر ما حدث مع بعض المستثمرين». وعلق على رغبة غازبروم في احتلال المرتبة الأولى عالمياً بين كبريات الشركات، بقوله: «إن الأمر لا يتعلق بأن تنفذ مناورة أفضل». من جانبهم، يتهرب المستثمرون الآن من أسهم غازبروم، التي كانت مفضلة لديهم في وقت مضى لدرجة جعلتها تستحوذ وحدها على 2 في المائة من مؤشر مورغان ستانلي لشركات الأسواق العالمية الناشئة. وبدلاً من أن تتحرك غازبروم نحو احتلال المكانة الأولى كأكبر شركة على المستوى العالمي، تراجعت قيمة أسهمها بمعدل أسرع عما حدث مع منافسيها من القطاع الخاص. وتعد الديون، التي تراكمت أثناء جهود تعزيز السيطرة الوطنية على الصناعة النفطية، أحد الأسباب وراء ذلك. بعد خمس سنوات شهدت وصول أسعار الغاز الطبيعي لمستويات قياسية، ترزح غازبروم الآن تحت وطأة ديون بقيمة 49.5 مليار دولار. في المقابل، تبلغ قيمة إجمالي الديون المستحقة على القطاعين العام والخاص معاً في كل من الهند والصين والبرازيل خلال عام 2009، 56 مليار دولار، طبقاً لتقدير صادر عن كومرسبنك. جدير بالذكر أن بوتين استغل غازبروم في شراء ممتلكات خاصة، فمن بين عمليات الاستحواذ الكبرى التي نفذتها الشركة شراؤها عام 2005 لشركة سيبنفت النفطية من رومان إيه. آبراموفيتش، أحد كبار رجال الأعمال والذي يملك نادي تشيلسي لكرة القدم في لندن، مقابل 13 مليار دولار. وفي عام 2006، اشترت غازبروم نصف نصيب شركة شل من حقل سخالين 2 للنفط والغاز الطبيعي مقابل 7 مليارات دولار. وفي عام 2007، أنفقت الشركة مليارات الدولارات للحصول على حصة من شركة يوكوس، وهي شركة نفطية خاصة أعلنت إفلاسها في إطار قضية احتيال وتهرب ضريبي ذات طابع سياسي. وفي ظل رئاسة بوتين، تمت فعلياً إعادة تأميم ثلث صناعة النفط الروسية من خلال مثل هذا النمط من الصفقات. بيد أنه على خلاف الحال مع هوغو شافيز، رئيس فنزويلا، أو إيفو موراليس، رئيس بوليفيا، الذي بعث بقوات عسكرية للسيطرة على حقل غاز طبيعي داخل بلاده، لجأ الكرملين لأساليب أكثر تعقيداً في تنفيذ ذلك. ومن بين هذه الأساليب ممارسة ضغوط تنظيمية على عاتق الجهات الخاصة المالكة لشركات الطاقة لحثها على بيع هذه الشركات إلى أخرى مملوكة للدولة أو شركات خاصة موالية للكرملين. وعادة ما جرى شراء الأصول بأسعار تقل عن قيمتها السوقية. ومع ذلك، تكبدت الشركات المملوكة للدولة مليارات الدولارات لسداد قيم هذه الصفقات، واقترضت الكثير من هذه الأموال من مصارف غربية والتي دعت لخطوط ائتمان خلال الأزمة المالية. من جانبها، اضطرت روسنفت التي جرى النظر إليها فيما سبق هي الأخرى باعتبارها رمزا آخر لإحياء الكبرياء الروسي مجدداً والتصدي للغرب نظراً لأنه جرى تجميعها من أصول يوكوس التي كان يشارك في ملكيتها مستثمرون أجانب لتلبية طلب تغطية يتعلق بدين لها لأحد المصارف الغربية في أكتوبر (تشرين الأول). على الجانب الآخر، توقع النقاد بالفعل بأن تسفر سياسة التأميم التي تنتهجها موسكو عن تفاقم انعدام الكفاءة، أو في الأقل حدوث تعطل بسبب عمليات شراء وبيع الشركات الكبرى، وتقسيمها وإعادة تجميعها كممتلكات تتبع الدولة. وشكل ذلك تهديدا لأصول بالغة الأهمية، فمن المعروف أن روسيا أكبر منتج للغاز الطبيعي عالمياً. واحتلت المرتبة الأولى من حيث إنتاج النفط بعد خفض السعودية إنتاجها هذا الصيف لدعم الأسعار. من جهته، توقع نائب الرئيس التنفيذي لغازبروم، ألكسندر آي. ميدفيديف، أن تحقق الشركة قيمة سوقية للأسهم المتداولة تبلغ تريليون دولار بحلول عام 2014. لكن على أرض الواقع انخفضت قيمة أسهم الشركة بنسبة 76 في المائة منذ بداية العام الحالي، وتبلغ قيمة أسهمها حالياً حوالي 85 مليار دولار. في المقابل، تراجعت قيمة أسهم إكسون بنسبة 18 في المائة منذ يناير (كانون الثاني)، واستقر سعر السهم يوم الاثنين عند مستوى 78.02 دولار. وتبلغ القيمة السوقية للأسهم المتداولة للشركة 393 مليار دولار. يذكر أن مؤشر ستاندرد آند بورز انخفض بنسبة زادت على 40 في المائة هذا العام. ودافع ميدفيديف، نائب الرئيس التنفيذي لغازبروم، عن أداء الشركة وعزا الانخفاض الشديد في قيمة سعر أسهمها مقارنة بشركات الطاقة الأخرى بتسجيلها في سوق الأسهم الروسية، التي تتسم بتقلباتها الشديدة وتفتقر إلى وجود مستثمرين يضعون أموالهم في الشركات على المدى الطويل. وأكد ميدفيديف أن سعر السهم «لا يعكس قيمة الشركة»، ملقياً باللوم على المصاعب التي تعانيها الشركة على الأزمة المالية التي بدأت في وول ستريت. ورغم هذه المصاعب، ما تزال غازبروم بعيدة تماماً عن حافة الإفلاس. جدير بالذكر أن أحدث البيانات الصادرة عن الشركة تشير إلى أن الشركة حققت أرباحاً تبلغ 360 مليار روبيل، ما يعادل 14 مليار دولار، من إجمالي عائدات تقدر بـ1.774 مليار روبيل، أو 70 مليار دولار، عام 2007. من ناحيته، قال فاليري إيه. نستيروف، محلل شؤون النفط والغاز لدى مصرف ترويكا ديالوغ في موسكو، أن نسبة الدين بالنسبة للعائد فيما يتعلق بغازبروم ـ قبل مدفوعات الفائدة والضرائب واستهلاك الديون ـ بلغت واحدا إلى خمسة، وهي نسبة تعتبر مرتفعة في إطار صناعة النفط، لكنها ليست مفرطة بدرجة تجعلها مصدر تهديد للشركة. وأعلنت الشركة مضيها قدماً في خططها لزيادة إنفاقها الرأسمالي لتنمية حقول جديدة بمنطقة القطب الشمالي، ولا تزال غازبروم تغدق المال على الشركات الفرعية التابعة لها داخل قطاعات فاشلة في معظمها مثل الزراعة والإعلام. كما عمدت الشركة، من خلال ذراعها المصرفي، إلى الاضطلاع بدور جديد في الأزمة المالية من خلال تقديم أموال لإنقاذ المصارف وشركات السمسرة الروسية التي تجابه مشكلات كبرى. ويرى المستثمرون أن إبداء عدم الاستعداد لخفض التكاليف خلال مرحلة تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي يعد مشكلة شائعة داخل الصناعات المؤممة، وأحد الأسباب وراء تجنبهم شراء أسهم غازبروم. يذكر أن إنفاقات رأس المال لغازبروم عام 2004 عندما كان سعر النفط أقل من 50 دولاراً للبرميل، بلغت 6.6 مليار دولار، وبالنسبة لعام 2009، تضمنت ميزانية الشركة ما يزيد على 32 مليار دولار. وأكد المسؤولون التنفيذيون في غازبروم أنهم يعملون على مراجعة الإنفاق، لكنهم لن يجدوا مشروعات تنموية كبرى، بما في ذلك بناء خطي أنابيب تحت البحر بهدف تقليص اعتماد الشركة على أوكرانيا، التي يمر من خلالها 80 في المائة من صادرات الشركة لأوروبا. جدير بالذكر أن غازبروم وأوكرانيا دخلتا في نزاع جديد حول قضية التسعير. وقال مسؤولو الشركة إن النزاع قد يدفعهم إلى وقف الإمدادات إلى أوكرانيا بحلول الثلاثاء. ومن المتوقع تراجع عائدات الشركة بصورة بالغة العام القادم. وحصلت غازبروم في المتوسط على 420 دولارا لكل 1.000 متر مكعب من الغاز الطبيعي تم بيعه في أوروبا الغربية هذا العام. ومن المتوقع أن ينخفض هذا المعدل إلى ما يتراوح بين 260 و300 دولار خلال عام 2009. جدير بالذكر أن نسبة كبيرة من أموال الإنقاذ المالي التي حددتها الحكومة للشركات ـ ما يعادل حوالي 9 مليارات دولار من إجمالي 50 مليار دولار ـ تم تخصيصها لشركات النفط والغاز الطبيعي. وتسعى غازبروم وحدها للحصول على 5.5 مليار دولار. ومما سبق يتضح أن غازبروم، وهي شركة خرجت من عباءة وزارة شؤون الغاز الطبيعي السوفياتية، لاقت ترحيباً في وقت مضى من جانب المستثمرين باعتبارها نموذجاً للاستثمار بمجال الطاقة في وقت كان يجري فيه تأميم الموارد. ومن الناحية النظرية، لا يواجه حاملو الأسهم الذين يمثلون الأقلية داخل شركات تديرها الحكومة مخاطر تأميم أصولهم. إلا أنه مع وجود 436 الف موظف لديها وامتلاكها الكثير من الشركات الفرعية في كافة المجالات من الزراعة وحتى الفنادق وحصول موظفيها على رواتب أعلى من المتوسط السائد للرواتب وتولي الشركة رعاية مساكن ومنتجعات تطل على البحر الأسود، يرى النقاد أن غازبروم تسببت في إطالة أمد النهج الاقتصادي المميز للحقبة السوفيتية رغم دخول البلاد لحقبة الرأسمالية.

* خدمة «نيويورك تايمز»