تحول الدولار: جيوب الصينيين تمتلئ فيما تخلو جيوب الأميركيين

البعض يرى أنه كان ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي أن ينظر إلى الإقراض الصيني على أنه حافز ضخم للاقتصاد الأميركي

TT

في مارس 2005، ابتكر الاقتصادي المعتدل، الذي أصبح فيما بعد محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، نظرية غريبة قليلاً تشرح التعويل المتزايد للأميركيين للاقتراض من الأجانب، وخاصة الصينيين، في عمليات التمويل المتزايدة الخاصة بهم. وأوضح في نظريته أن المشكلة ليست في أن الأميركيين ينفقون كثيراً للغاية، ولكن في أن الأجانب هم الذين يدخرون كثيراً، إذ أقدم الصينيون على تكديس قدر كبير من المدخرات الزائدة، حتى أنهم أصبحوا يقرضون فيها الولايات المتحدة بمعدلات فائدة ضئيلة، لتقديم العون المالي، وتأمين الاستهلاك الأميركي.

وأشار إلى أن تلك الدورة الائتمانية الضخمة لا يمكنها أن تدوم إلى الأبد. ولكن في الاقتصاد العالمي، كان تحويل الأموال الصينية إلى أميركا ظاهرة من شأنها استغراق سنوات، بل وعقود، لتثبت نجاح نفسها. وأوضح أنه في الوقت الحالي: «من المحتمل أن يكون لدينا خيار ضئيل إن لم نكن صبورين». وفي هذه الأيام، بات تعويل الولايات المتحدة على الأموال الصينية أقل اعتدالاً. وأصبح بين بيرنانك، الاقتصادي الذي اقترح النظرية، يتعامل مع التبعات، التي أدت إلى ترقيته ليشغل منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عام 2006، في الوقت التي بلغت تدفقات تلك الأموال عنان السماء. وفي العقد الماضي، استثمرت الصين أكثر من تريليون دولار، جاءت في أغلبها من دخول الصادرات المصنعة، في السندات الحكومية الأميركية ودين الرهون العقارية حكومي الدعم. وأدى هذا إلى تخفيض معدلات الفائدة، كما ساعد في تعزيز فورة الاستهلاك التاريخية، ووضع الولايات المتحدة داخل فقاعة. ويقول الاقتصاديون، إن الصين خدعت المستهلكين الأميركيين، وزعماءهم بالرضاء عن أساليب التبذير المتبعة لديهم. ويقول كينيث روغوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، والاقتصادي البارز السابق لدى صندوق النقد الدولي: «لقد كانت هناك إشارة حمراء خاطفة، وكان يتعين علينا التعامل معها». ويقول الاقتصاديون بعد الإدراك المتأخر للأحداث، كان يتعين على الولايات المتحدة إدراك أن الاقتراض من الخارج بغية الاستهلاك، وأن عجز الإنفاق داخلياً ليس إطاراً يسمح بالنجاح الاقتصادي. ومع ذلك، وحتى بعد الضعف المشهود والمدرك بصورة كبيرة، من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة أكثر إدماناً ونزوعاً عن ذي قبل إلى الدائنين الخارجيين لتمويل إنفاقات الحكومة القياسية لإنعاش الاقتصاد المتداعي. وبالتأكيد كان هناك قدر ضئيل من الحلول الجاهزة، فبعض النقاد يؤكدون أنه كان يتعين على الولايات المتحدة دفع بكين بشدة للتخلي عن سياستها إزاء الإبقاء على ضعف قيمة سعر الصرف لديها، وهي السياسة التي جعلت صادراتها أقل غلواً، كما ساعدتها في التحول إلى القوة الصناعية البارزة في العالم بأسره. وإذا ما كانت الصين قد سمحت بتعويم سعر الصرف لديها على حسب حاجة السوق على مدار العقد الماضي، كان من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تواضع نمو صادراتها، كما أنه لم يكن ليحدث أن تحصل على نفس هذه الكمية الضخمة من الدولارات لاستثمارها في الخارج. ويقول البعض أنه كان ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة أن تنظر إلى الإقراض الصيني على أنه حافز ضخم للاقتصاد الأميركي، وليس على أنه تخفيضات غير مشابهة لمعدل الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. ويقول هؤلاء النقاد إن الاحتياطي الفيدرالي تحت رئاسة ألان غرينسبان ساهم بدوره في إنشاء فقاعة إسكانية، وذلك عبر ترك معدلات الفائدة ضئيلة للغاية، ولأمد طويل للغاية، حتى في الوقت الذي عمدت فيه استثمارات الصين إلى اقتصاد الأموال السهلة. وأشاروا إلى أنه كان يتعين على الاحتياطي الفيدرالي تخفيض معدلات الفائدة بأقل من هذا في منتصف هذا العقد، ثم البدء في زيادة تلك المعدلات في وقت قريب، وذلك للمساعدة في تقليل المضاربات في العقارات. والآن، ومع الحطام والخراب في جميع الأرجاء، أوضح بيرنانك أنه نادم لأنه لم يتم فعل الكثير من تنظيم المؤسسات المالية، ومقدمي الرهون العقارية، والتي كان من الممكن لها الحيلولة دون إساءة استخدام فيض الاستثمارات، ومنها تلك القادمة من الصين. إلا أنه عاد وأصر على أن دور الاحتياطي الفيدرالي مقتصر على تنظيم البنوك، وان اللوائح والقوانين الصارمة في حد ذاتها لن تكون كافية. وقال بيرنانك في مقابلة أُجريت معه بمكتبه المطل على واشنطن مول: «كان بإمكان التوصل مبكراً إلى موازنة أفضل لتدفقات رأس المال الدولي أن تقلل إلى حد كبير مخاطر النظام المالي».

وتابع قائلاً: «ومع ذلك، كان من الممكن القيام بذلك عبر التعاون الدولي، وليس من خلال الولايات المتحدة فقط. لقد تم استيعاب المشكلة، ومع ذلك فليس ثمة تعاون دولي كاف وشيك». وتكمن وراء حالة السبات مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية. وعند النظر إلى المعايير التي تحظى بالأهمية القصوى على ما يبدو، وهي الرخاء والنمو، تبدو العلاقات بين الولايات المتحدة والصين جيدة للجانبين. والواضح أنه لم يتوافر حافز قوي لإنهاء حالة الإدمان التي سيطرت على هذه العلاقات: إدمان الصين لنمو صادراتها بقوة والسعي لتحقيق الاستقرار المالي، وإدمان الولايات المتحدة للحصول على الواردات الرخيصة والقروض الأجنبية منخفضة التكلفة. داخل واشنطن، تعامل البعض مع الصين باعتبارها مصدر تهديد، ويرجع السبب الأكبر وراء ذلك إلى اجتذابها فرص العمل بمجال التصنيع بعيداً عن الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، شدد البعض على أن عمليات الإقراض الضخمة التي تقوم بها الصين تجاه الولايات المتحدة تنطوي على مخاطرة بالغة لأن القادة الصينيين قد يقررون سحب أموالهم في لحظة، ما سيخلف تداعيات بالغة السوء على قيمة الدولار. أما بيرنانك فيرى مثل هذه التدفقات الاستثمارية الدولية من منظور مختلف، حيث أعرب عن اعتقاده بأن بكين استثمرت مدخراتها في الخارج لأن المستهلكين داخل الصين لم تتوافر لديهم ثقة كافية تشجعهم على الإنفاق. وأضاف أن تغيير هذا الوضع سيتطلب سنوات عدة، وأنه لا يرقى لكونه مشكلة ملحة بالنسبة للأميركيين. من جهته، قال إدوين إم. ترومان، المسؤول السابق بمصرف الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة إن: «التخمة التي أصابت المدخرات العالمية أضرت بنا جميعاً. وخلقت فكرة أن العالم يفعل ذلك بنا عمداً وأنه ليس باستطاعتنا فعل شيء حيال ذلك». إلا أن نظرية بيرنانك تتوافق مع أيديولوجية تجنب التدخل المؤيدة للسوق التي سادت خلال السنوات الأخيرة. والواضح أن غرينسبان وإدارة بوش تعاملا مع العجز التاريخي في الميزانية الأميركية وعمليات الاقتراض الشديدة من دول أجنبية باعتبارهما تهديد خيالي، وليس مشكلة ملحة.

* خدمة «نيويورك تايمز»