توقعات المتخصصين بانتعاش اقتصادي أميركي سريع في العام الجديد

يعتمدون على إدارة أوباما والكونغرس في أن يخرجا بخطة محفزة كبرى

يعتقد الخبراء أنه إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، يبدأ الاقتصاد في النمو من جديد في خطوات صغيرة، بحلول شهر يوليو (نيويورك تايمز)
TT

وسط الركود العميق الذي يمر به الاقتصاد الأميركي، يتطلع الكثير من المتكهنين المتخصصين إلى العام الجديد بحالة من التفاؤل، معلنين أن أسوأ مرحلة ستنتهي قريبا.

ومن أجل تحقيق هذه الصورة الوردية، يعتمدون على إدارة أوباما والكونغرس في أن يخرجا بخطة محفزة كبرى، تبلغ قيمتها 675 مليار دولار على الأقل على مدار عامين.

ويقولون إن ذلك سيجعل الاقتصاد يتحرك مجددا في مواجهة الإنفاق المتضائل من المستهلكين والشركات، ناهيك من البنوك الممتنعة عن تقديم القروض. وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، يجب أن يصل الاقتصاد إلى أدنى درجة، ويبدأ في النمو من جديد في خطوات صغيرة بحلول شهر يوليو (تموز)، وفقا لاستطلاع أجرى في شهر ديسمبر (كانون الأول) شمل 50 متنبئا متخصصا، وصدر عن «بلو شيب إكونومك إنديكيتورز». وبدا أن المستثمرين يشعرون بنفس الحالة المتفائلة يوم الجمعة، حيث ارتفعت أسعار الأسهم بنسبة 3 في المائة تقريبا.

ولكن يعترف المتخصصون بأنه في غياب المحفز الحكومي، على الأرجح، فإن العناوين الاقتصادية الرئيسة الكئيبة، سوف تستمر في عام 2008 لبعض الوقت.

ويقول راندل إيه مور رئيس التحرير التنفيذي لبلو شيب إكونوميك إنديكاتورز، التي تجري استطلاعات شهرية لآراء المتخصصين «بدون هذه المنحة الفيدرالية، يجمع المتخصصون على التوقع بأن يستمر الركود في معظم فترات عام 2009».

ويشعر العديد من الاقتصاديين بالتشاؤم بالطبع. وكتب نوريل روبيني من جامعة نيويورك، والذي أطلق على الأزمة كارثة السوق في عام 2008، في مقال تحليلي أخيرا في «بلومبرغ نيوز» أنه يتنبأ بـ«انكماش حاد وطويل يستمر حتى نهاية عام 2009 على الأقل».

وأضاف أنه حتى في عام 2010، ربما يكون الانتعاش ضعيفا «ما يجعل الأمر مريعا حتى إذا انتهى الركود تقنيا».

وروبيني ليس من بين المتخصصين الذين شملهم الاستطلاع. وهؤلاء المتخصصون يعملون غالبا في بنوك استثمارية ومؤسسات تجارية وشركات كبرى.

وهم يعتمدون في توقعاتهم على نماذج الكومبيوتر التي ترى الاقتصاد الأميركي جيدا في الأساس، حتى في أحلك الظروف. وهذا يجعل هؤلاء المتخصصين عامة أكثر تفاؤلا من أمثال روبيني.

وهذا السبب نال من مصداقيتهم في العام الماضي. فلم يروا الركود إلا في نهاية فصل الصيف. وأحد أسباب محدودية رؤيتهم: هو أن نماذج الكومبيوتر التي لديهم لا تضع في اعتبارها العوامل العاطفية، مثل صدمة أزمة الائتمان وانخفاض أسعار العقارات التي منعت الاقتراض والإنفاق.

وتعتبر هذه النماذج أيضا أحد المعطيات أن الحالة الطبيعية لاقتصاد سوق مثل السوق الأميركية ذات مستوى عال من النشاط، وأنها ستنهض كرد فعل عكسي إلى مستواها المرتفع من حالة الركود.

ولكن يفترض ذلك أن البنوك والمقرضين الآخرين لا يمنعون منح القروض، كما يفعلون اليوم، وهو ما يحرم البلاد من قروض ضرورية من أجل اقتصاد قوي.

ويقول نيغل غولت، كبير الاقتصاديين المحليين في شركة «آي أتش إس غلوبال إنسايت» للاستشارات والتوقعات في ليكسينغتون، ماساشوستس «بنيت معظم نماذجنا على النحو الذي يفيد بأن الاقتصاد يصحح ذاته». وحتى إذا بدأ الاقتصاد في التصحيح ذاتيا بحلول الصيف المقبل، سيكون هذا الركود أطول ركود نمر به منذ الثلاثينات، والتي شهدت آخر مرة تدخلت فيها الحكومة في خطة إنفاق عام واسعة، للتغلب على جمود إنفاق المستهلكين والشركات.

ويقول مور «يتفق الجميع على أننا في أدنى درجات الركود الآن، ولكن من المتوقع أن تعيد خطة التحفيز وأسعار البنزين المنخفضة للغاية، ثقة المستهلك والإنفاق الشخصي، وهذا سيعيدنا إلى الطريق مجددا».

ويأمل روبرتشيللر الاقتصادي في جامعة يال، أن يلعب العامل النفسي دوره.

ويقول «إذا كان لدينا إنفاق على البنية التحتية، ويشعر الناس أنه ينجح، من الممكن أن يسري شعور بأن الأمور على ما يرام، وسيعودون إلى حالتهم الطبيعية. المشكلة الحقيقية هي أننا في حالة انتظار. الجميع يشعر بذلك».

ويقول كثيرون إن معظم المتخصصين يتوقعون أن معظم خطة إدارة أوباما المحفزة، ستذهب إلى مشروعات الأشغال العامة والتخفيضات الضريبية.

ومع اتباع هذه الخطة المحفزة، يجب أن يبدأ إجمالي الناتج المحلي، وهو أكبر مقياس لإنتاج البلاد، في الارتفاع، إن لم يكن في الربع الثالث من العام، ففي الربع الرابع، كما يقول المتخصصون، وسيصل معدل البطالة إلى ذروته أخيرا عند نسبة 8 إلى 9 في المائة في العام المقبل.

ويقول ألبرت ووغنيلوير استشاري التوقعات الاقتصادية في كريغ دريل كابيتال «عدم الأمان الوظيفي أمر خطير للغاية؛ إنه أسوأ جانب في الأزمة. ولكن بدأت معظم حالات تحسن الاقتصاد عن طريق ارتفاع معدل الاستهلاك، عندما يتوقف الناس الذين ما زالوا يعملون عن القلق من فقدان وظائفهم».

ويتوقع ووجنيلوير، مثل المتخصصين الآخرين، أن يكون الربع السنوي الذي انتهى لتوه أسوأ فترات الركود، مع انكماش المعدل السنوي لإجمالي الناتج المحلي بـ4 أو 5 أو حتى 6 في المائة. ومثل الآخرين يتوقع أيضا أن الاقتصاد سينمو مجددا بنهاية العام الحالي، على الرغم من أن المعدل السنوي سيكون 1 أو أقل في المائة، وهو ما سيبدو وكأنه ركود، ولن يكون كافيا من أجل توفير فرص عمل.

ولكن لن يستمر الاقتصاد في الانكماش، وسينتهي الركود الذي بدأ في ديسمبر (كانون الأول) عام 2007 بعد مضي 18 أو 21 شهر من بدايته. وكانت فترتا الركود القياسيتان السابقتان اللتان حلتا في منتصف السبعينات وأوائل الثمانينات، قد استمرتا 16 شهرا لكل منهما.

يقول مارتين ريغاليا كبير الاقتصاديين في غرفة التجارة الأميركية «أعتقد أن المستهلكين في حالة صدمة حاليا، ولكن سلوكهم منطقي للغاية. إنهم يريدون أن يعملوا وأن يدخروا أموالا وأن ينفقوها. وفوق كل هذا يتمتعون بالمرونة. إنهم يلعقون جراحهم بمساعدة من الحكومة، ويبدأون مجددا لنخرج من هذا سريعا».

ويكمن مفتاح عودة الروح، في جميع توقعات المتخصصين، في بناء العقارات وأسعارها. وما زالت أسعار العقارات تنخفض، وبمعدل سريع، يتأقلم مع التضخم أكثر من تأقلمه مع الكساد الكبير، وفقا لمؤشري «إس.أند.بي» و«كيس ـ شيللر» لأسعار العقارات.

ويضفي انخفاض الأسعار، أثرا سيئا على حالات حبس الرهن المتزايدة، وحبس ملايين من الناس في منازل تقل قيمتها عن رهونها العقارية غير المدفوعة. وتحبط مثل تلك الظروف الإنفاق واستثمارات الشركات.

ولكن يقول المتخصصون الآن، إنه على الأرجح أن تصل العقارات إلى أدنى سعر ممكن لها في فصل الربيع. وسيلعب مصرف الاحتياطي الفيدرالي، دورا في تحقيق ذلك بشراء الأوراق المالية المدعومة من الرهون العقارية، وبذلك تنخفض معدلات الفائدة على الرهون العقارية، التي تستمر لمدة 30 عاما إلى أقل من 5 في المائة، وهو المستوى الحالي تقريبا. وهذا سيشجع على شراء المنازل وأيضا إعادة التمويل.

ويقول روبرت باربيرا كبير الاقتصاديين في «إنفستنمت تكنولوجي غروب» «في وسط الركود، وفي أجواء سيئة للغاية، يبدأ نشاط العقارات في التحسن، لأن هناك انخفاضا كبيرا في معدلات الفائدة على الرهون العقارية.

ويقول المتخصصون في توقعاتهم إن الطلب الديموغرافي الأساسي على العقارات الجديدة يبلغ 1.7 مليون وحدة سنويا. وتلك الأعداد لم تبن اليوم، ولكن مع انكماش المخزون واستقرار الأسعار، ستنتعش أعمال بناء العقارات، ما يساهم مرة أخرى في مصلحة النمو الاقتصادي.

ويقول باربيرا «ليس من الممتع أن تنبئ بالفشل. وحتى الآن في الأوقات المحفوفة بالهلاك، في عملنا في التوقعات نقول إن الأزمة لن تستمر».

* خدمة «نيويورك تايمز»