الحلم ينقلب كابوسا بالنسبة للعديد من الوافدين في دبي

يشكلون 85% من سكان الإمارة

TT

قالت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها أمس أن النمو المذهل لإمارة دبي اجتذب مئات آلاف الموظفين والعمال الاجانب خلال السنوات الاخيرة، إلا ان تداعيات الأزمة المالية العالمية حطمت حلم الكثيرين منهم مع بدء شركات عمليات تسريح لموظفيها. ونمو المدينة الذي شكل القطاع العقاري المحرك الاساسي له، تسبب بتوافد كثيف للاجانب الذين قدموا الى دبي بحثا عن الرواتب المرتفعة والغياب شبه التام للضرائب، وبالنسبة للاوروبيين، بحثا عن الشمس التي تسطع على مدار السنة. ويشكل الوافدون اكثر من 85% من سكان دبي الذين يقدر عددهم باكثر من مليون ونصف المليون نسمة. وبما ان تأشيرة الاقامة في الامارات العربية المتحدة مرتبطة بعقد العمل، فإن مجرد التسريح من الوظيفة يعني ان على الوافد مغادرة البلاد، مع عائلته، في غضون شهر، ما لم يجد عملا جديدا وكفيلا جديدا يتيحان له الحصول على إذن جديد بالاقامة. وبحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية فبالنسبة للكثيرين أتت عمليات التسريح بشكل قاس وسريع لم يكن يحسب لها أحد حسابا. وقال موظف سابق تم تسريحه من شركة نخيل العقارية التي اعلنت في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تسريح خمسمئة من موظفيها، اي 15% من اجمالي الموظفين، «لقد حدث ذلك بسرعة». واسم شركة نخيل المملوكة لامارة دبي مرتبط بمشاريع عمرانية من الاضخم والاشهر في دبي، مثل جزر النخيل الاصطناعية في مياه الخليج وارخبيل «العالم» الذي يعيد تشكيل خارطة العالم بجزر اصطناعية في عرض البحر. وكانت نخيل قد اطلقت في اكتوبر (تشرين الاول) مشروعا لبناء برج يتجاوز ارتفاعه الف متر بكلفة 38 مليار دولار ويكون الاطول في العالم اذا ما بني، ويتجاوز «برج دبي» الذي تبنيه شركة إعمار العقارية الاماراتية. وذكرت الوكالة الفرنسية أنه بعد سنين من الطلب المرتفع على العقار، تباطأت السوق العقارية بشكل ملحوظ في دبي مع خروج المضاربين من السوق وتشديد شروط التمويل العقاري، الامر الذي أثر بقوة على المشاريع المزمع تشييدها في دبي وعلى قدرة الناس على شراء العقارات. وكانت الشقق والمنازل تباع في دبي طوال سنوات وكأنها سلع استهلاكية بسيطة، كما اتاح الارتفاع الكبير في الاسعار للكثيرين تحقيق ثروات بسرعة. الا ان نخيل ليست الشركة الوحيدة التي سرحت موظفين، فشركة داماك العقارية، التي تعد اكبر مطور عقاري خاص في دبي، اقدمت على تسريح مئتين من موظفيها، اي 2.5% من إجمالي كوادرها. وقال رئيس مجلس ادارة داماك، حسين سجواني، الشهر الماضي «كانت مبيعاتنا تتضاعف من سنة الى سنة، الا ان الوضع تغير حاليا. اذا ما تدهورت اوضاع السوق اكثر فاننا سنضطر الى تسريح المزيد» من الموظفين. اما شركة إعمار العقارية التي تعد مع نخيل ابرز المطورين العقاريين في دبي وتسيطر امارة دبي على غالبية اسهمها، فقد اعلنت أخيرا انها ستعيد النظر في سياسات التوظيف الخاصة بها، فيما اشارت تقارير في الصحف المحلية الى ان العملاق العقاري سرح مائة موظف. اما شركة الشعفار للمقاولات فقد اعلنت انها ستسرح حتى الف عامل إذ أن عقودها انخفضت بمقدار 816 مليون دولار منذ سبتمبر (ايلول) الماضي. وقد طالت عمليات التسريحات القطاع المالي ايضا. وحتى أشهر قليلة خلت، كانت الشركات في الامارات توظف بشكل مكثف، فقد تم اصدار 640 الف تاشيرة عمل للاجانب في الربع الاول من العام 2008، بينها 306 آلاف إذن اقامة في دبي فقط، بحسب دراسة. وبحسب ارقام شبه رسمية، بلغ عدد سكان الامارات في نهاية 2007 حوالي 6.4 مليون نسمة، بينهم 5.5 مليون اجنبي (منهم ثلاثة ملايين عامل). ومع فقدان العمل يفقد الموظف الحق في الاقامة، والحال كذلك في باقي دول الخليج. أما الاضطرار لمغادرة البلاد في غضون شهر واحد فإنه يشكل مأساة بالنسبة لبعض العائلات المقيمة في الامارات. كما ان على اصحاب العمل إبلاغ المصارف بتسريح اي موظف لكي يقوم هذا الاخير بتسديد ديونه كلها قبل مغادرة البلاد. اما المسرحون الذين استثمروا أموالهم في العقارات فهم يواجهون خطر خسارة استثماراتهم تماما. وقال احد موظفي نخيل المسرحين «ماذا سيحل باستثماراتنا، وكيف سنتمكن من دفع استحقاقات الدفعات المقبلة؟».

وكانت نخيل قد قالت، في بيان سابق أرسل لـ«الشرق الأوسط»، نقلا عن متحدث باسمها، إن تسريح العمال «يأتي تماشياً مع المتغيرات في المناخ الاقتصادي العالمي الراهن» معتبرة الاستغناء عن هذا العدد من الموظفين أمرا «يؤسف له فعلا». وفي تعليقها على مصير الموظفين المسرحين قالت «نخيل» لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تم منح الموظفين المتضررين تعويضات مجزية ستساعدهم على ترتيب أوضاعهم، بالإضافة إلى خدمات مساندة لمساعدتهم في هذه الظروف الانتقالية». من ناحيته كان مسؤول مالي في حكومة دبي قد أكد لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أنه «ليس هناك أي تراجع او توقف في أي من مشاريع للبنى التحتية» فيما اعتبر المشاريع العقارية امرا راجعا للشركات العقارية وتقييمها للسوق. وقال ناصر الشيخ، مدير عام الدائرة المالية لحكومة دبي، لـ«الشرق الأوسط»: «ان المشاريع العقارية التي تمت المباشرة بها ليس هناك تفكير في توقيف العمل في اي منها، لكن الامر يتعلق بالمشاريع المستقبلية».