اندماج بنكين بريطانيين لمواجهة تداعيات أزمة انهيار سوق الائتمان

تخفيض سعر الفائدة وخطط إنقاذ بمئات المليارات لم تعد الثقة بالسوق البريطاني

أحد خبراء الاستثمار يتنبأ بنهاية الإسترليني الذي وصل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ سبعة أعوام ونصف العام (إ. ب. أ)
TT

مع بداية ازمة الائتمان تقدمت شركة التدقيق والمحاسبة العالمية «كيه.بي.ام.جي» بتوصيات مبنية على دراسة قامت بها بأن تقوم البنوك العقارية البريطانية بالاندماج فيما بينها تلافيا للانهيار بعد ان كاد بنك «نورثرن روك» يوشك على الانهيار، إلا ان تدخل الحكومة البريطانية في اللحظات الأخيرة ادى لإنقاذه وخلق نوع من الثقة بالسوق المالي والعقاري قبل عام. وجاء أعلن أمس الاربعاء عن عزم اثنين من أكبر البنوك التعاونية في بريطانيا الاندماج لإنشاء بنك جديد تماشياً مع هذه التوصيات ومع جهود مواجهة أزمة انهيار سوق الائتمان. وأفاد البيان أن بنكي «كوبراتيف فاينانشيال سيرفيسيز» و«بريطانيا بيلدينغ سوسايتي»؛ وهما اثنان من أكبر البنوك التعاونية التي تقدم خدمات مالية في بريطانيا اتفقا على الاندماج لإقامة بنك واحد بأصول تبلغ 70 مليار جنيه استرليني (97 مليار دولار) و9 ملايين عميل وأكثر من 12 ألف موظف في 300 فرع. وجاء في البيان، كما ذكرت تقارير اخبارية، أن المنشأة الجديدة ستوفر «بديلا فريدا واخلاقيا لبنوك حملة الاسهم والاخرى المملوكة للحكومة». واشار البيان الى ان البنكين ينشطان في أسواق الاقراض للاشخاص والشركات والرهن العقاري وسيسعيان بعد الاندماج لتوسيع نشاطهما الإقراضي. وهذا ما تريده الحكومة البريطانية التي تحاول من خلال خطط انقاذها ضخ الاموال في القطاع البنكي من اجل تشجيعه على الاقراض، وهذا ما لم تقم به البنوك. واضاف البيان انه «نظراً للدمار الذي خلفته أزمة انهيار سوق الائتمان، فان المواطنين يطالبون بطريقة جديدة للقيام بالاعمال عن طريق منظمة مالية ذات أساس جيد تضع بحق مصلحتهم في قلبها، سيخلق هذا الاندماج تلك المنظمة ونأمل في جذب الآلاف من العملاء الجدد نتيجة لذلك». ويحاول البنك المركزي البريطاني تخفيض سعر الفائدة وقد يوصلها قريبا من الصفر لتشجيع الدورة الاقتصادية. إلا ان ميرفين كينغ محافظ بنك انجلترا (المركزي) قال امس ان تخفيضات أسعار الفائدة وحدها قد لا تكفي لتحفيز الطلب في الاقتصاد وربما يتعين على المسؤولين عن تحديد مستويات الفائدة بحث اجراءات غير تقليدية. وكان المقصود في الاجراءات غير التقليدية هي البدء بطبع مليارات من الجنيهات الاسترلينية. وجاءت هذه الاقتراحات بعد ان اعتمدت الحكومة البريطانية عدة اجراءات من خلال خطة انقاذ للقطاع المصرفي منذ اكتوبر (تشرين الأول) الماضي قدرت بحوالي 500 مليار جنيه استرليني. وكان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون قد صرح قبل ايام انه يتعين على البنوك ان تكشف الحجم الحقيقي لأصولها المعدومة للمساعدة في إنعاش أسواق الائتمان العالمية المجمدة. وفي مقابلة مع صحيفة «فاينانشال تايمز»، قال براون ان أي انتعاش من اسوأ اضطراب اقتصادي منذ 70 عاما يتوقف على قيام البنوك بشطب الديون المعدومة أولا في محاولة لاعادة الثقة بالنظام المالي.

وعلى الرغم من خطة انقاذ للبنوك، بلغت تكاليفها مليارات الجنيه الاسترليني، العام الماضي، وسلسلة من التخفيضات القياسية لسعر الفائدة فما زالت البنوك غير مستعدة لزيادة الإقراض اثناء محاولتها تعزيز خزائنها وتجنب المجازفة. وقال براون للصحيفة «من العناصر الضرورية للمرحلة المقبلة ان يفهم الناس بشكل واضح ان الاصول المعدومة شطبت. علينا ان نكون واضحين أن حيثما تكون لدينا اصول معدومة، فإنني اتوقع التعامل معها». وتحرص الحكومة البريطانية على جعل البنوك تزيد من الإقراض للشركات والأفراد بعد سلسلة من الارقام المتشائمة بشأن التجارة والبطالة وسوق الاسكان. وعقد براون محادثات بشأن الأزمة مع وزير ماليته اليستر دارلينغ وميرفين كينغ محافظ بنك انجلترا ورئيس هيئة الخدمات المالية ادير تيرنر. وقال مصدر بالخزانة إن من المتوقع كشف النقاب عن تفصيلات أحدث خطة انقاذ في غضون ايام. وقد تتضمن ضمانات حكومية لسندات يدعمها الرهن العقاري. وأوضح محضر اجتماع بنك انجلترا اجراء تصويت بأغلبية ثمانية مقابل واحد لخفض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس الى 1.50 في المائة في يناير (كانون الثاني) حيث صوت أحد صناع السياسات لصالح خفض أكبر بواقع نقطة مئوية أساس، الأمر الذي ينبئ بمزيدٍ من التراجع في أسعار الفائدة. وهبط الجنيه الاسترليني دون 1.38 دولار ليصل الى أدنى مستوى في سبعة أعوام ونصف العام أمس الاربعاء بسبب المخاوف بشأن متانة القطاع المصرفي البريطاني وتوقعات بتخفيضات أخرى في أسعار الفائدة. وقال جيم روجرز الذي اسس «صندوق كوانتوم» الاستثماري مع الملياردير جورج سوروس في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ «أنصحكم بأن تبيعوا أيَّ مدخرات لديكم بالإسترليني، لقد انتهى الجنيه. ان هذا الشيء يؤلمني، لكنني لن أضعَ أي مدخرات لي في بريطانيا». وطلعت العديد من الصحف البريطانية بعناوين تقول إن البلد يقترب من حالة الافلاس التام. وأظهرت بيانات سوق العمل البريطانية قفزة في عدد المطالبين بإعانات بطالة في ديسمبر (كانون الاول) للشهر الحادي عشر على التوالي، في حين شهدت المالية العامة تدهورا مذهلا. وكشفت بيانات أمس أن عدد العاطلين في بريطانيا ارتفعَ ليصلَ إلى 1.92 مليون عاطل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وسط توقعات بتباطؤ اقتصادي حاد هذا العام. وزاد عدد العاطلين بمقدار 131 ألف شخص ليصل إلى 1.92 مليون عاطل خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني). ومن المتوقع أن تظهر بيانات ديسمبر التي ستصدر في وقت لاحق أن إجمالي عدد العاطلين تخطى حاجز مليوني عاطل في آخر شهر من عام 2008. وتأتي الأرقام الرسمية وسط توقعات بأن يصل عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا بنهاية عام 2010 إلى 3.25 مليون شخص ليرتفع إلى 3.4 مليون عام 2011. وتتزامن التوقعات مع تباطؤ اقتصادي شديد متوقع خلال العام الجاري مع توقع عددٍ من المعاهد البحثية بأن ينكمش الاقتصاد البريطاني بما يتراوح بين2.5 و2.9 نقطة مئوية هذا العام. وكان قد نشر مكتب الإحصاء الوطني البريطاني أول من أمس تراجع معدل التضخم في بريطانيا بشدة خلال ديسمبر الماضي ليصل إلى 3.1 في المائة مقابل 4.1 في المائة خلال نوفمبر الماضي. وأشار المكتب إلى أن السبب الرئيسي وراء تراجع معدل التضخم هو الخفض المؤقت لضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المائة، والذي أقرته الحكومة البريطانية أواخر نوفمبر في اطار خطة تعزيز الطلب الاستهلاكي في السوق المحلية.

وتراجع مؤشر أسعار التجزئة الذي يتضمن أيضاً تكاليف الاقتراض العقاري إلى 0.9 في المائة خلال ديسمبر الماضي مقابل 3 في المائة خلال نوفمبر. كما ساعد تراجع أسعار البنزين والتخفيضات التي قدمتها المتاجر خلال موسم عطلة عيد الميلاد في خفض معدل التضخم.

وقال جريم ليش، كبير خبراء الاقتصاد في معهد المديرين للدراسات ببريطانيا، إن التضخم أصبح تقريباً جزءاً من الماضي الآن. وأضاف أنه اذا لم يتحقق التأثير المنشود من خفض ضريبة القيمة المضافة والخفض القياسي لأسعار الفائدة وتراجع قيمة الإسترليني وانهيار أسعار النفط في المستقبل القريب فان بريطانيا ستواجه كسادا.