دراسة: صعوبات جمّة تواجه المؤسسات في الشرق الأوسط للاحتفاظ بموظفيها الموهوبين

15% نسبة ارتفاع الأجور خلال الأعوام الثلاثة الماضية

أوضحت الدراسة أن الأجور بمفردها ليست وسيلة فعالة للإبقاء على الموظفين
TT

شهدت منطقة الشرق الأوسط نمواً غير مسبوق في السنوات الأخيرة. وكان هذا النمو مدعوماً في الأساس بعوائد النفط المرتفعة والإيقاع السريع للنمو التجاري والعقاري على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة. بيد أن التضخم يظل يمثل تحدياً كبيراً للمنطقة، وقد استجاب العديد من المؤسسات للنمو السريع وآثار التضخم من خلال زيادة رواتب مجموعات مختارة من الموظفين للتكيف مع النمو والتقليل من تأثر مستويات المعيشة لأدنى درجة ممكنة.

وبحسب دراسة حديثة لمؤسسة «هاي غروب» الاستشارية، فإن الرواتب في منطقة الشرق الأوسط قد تضخمت خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث ارتفعت الأجور بنسبة تزيد على 15 بالمائة سنوياً، ولا تزال بعض المؤسسات لا تعي المخاطر التي تلوح في الأفق، حيث وصلت المنطقة إلى ذرى اقتصادية، وما لم تتخذ المؤسسات إجراءات عاجلة لرعاية موهوبيها والحفاظ عليهم في البيئة الحالية المتقلبة، فإن الأداء العملي سيتجه إلى منطقة خطرة تنذر بكارثة.

وأوضحت الدراسة أن الأجور بمفردها ليست وسيلة فعالة للإبقاء على الموظفين؛ بل يتعين على الشركات أن تركز اهتمامها على رعاية الموظفين؛ حيث يعد العنصر البشري، في اقتصاد اليوم القائم على أساس المعرفة، العامل الأساسي في نجاح المؤسسات. وبوسع الشركات أن تنافس بقوة فقط من خلال استغلال الجهد التقديري المبذول من قبل الموظفين. وقال نيل باترسون، المدير الإقليمي لـ«هاي غروب» في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «لكي تنجو المؤسسات من الأزمة الاقتصادية، وتخرج بنجاح إلى الدورة التالية، فإنها تحتاج إلى بحث الإجراءات التي تتخذها بحرص وعناية. وألا تعمل على خفض التكاليف في الجوانب كافة، ولكن يجب أن تعمل على تقليلها بصورة انتقائية؛ مستهدفةً الوحدات والموظفين ذوي الأداء الضعيف، مع التفكير في إعادة الهيكلة للتخلي عن الأنشطة التي لا تضيف قيمة للمؤسسات».

وأضاف بيتر كريستي، مدير استشارات المكافآت في «هاي غروب» الشرق الأوسط، بقوله: «إن رعاية الموظفين والاهتمام بهم في هذه الأوقات أمر أساسي. ولا بد من التأكد من أن فريق القيادة على اتصال وثيق ودائم بالموظفين ويعمل على رعايتهم والاهتمام بهم باستمرار. والأهم من ذلك وضع خطة طويلة الأجل وحماية الموظفين الذين سيكونون عوناً خلال الأوقات العصيبة الحالية». وأكدت الدراسة على أهمية أن تركز الشركات على المكافآت غير المادية، مثل فرص النمو الوظيفي والتصميم الوظيفي الفعال والتطوير وبرامج التقدير والقيادة، وذلك من أجل تعزيز رعاية الموظفين بشكل أفضل والمحافظة عليهم. وأشارت إلى أن أهم عامل يؤثر في رعاية الموظفين والاهتمام بهم هو طبيعة قيادة رؤسائهم في العمل، منوهةً إلى أن 62 بالمائة من القادة في المنطقة يخلقون جواً يعوزه تحفيز الموظفين.

ودعت الدراسة المؤسسات إلى الحرص على وجود ارتباط واضح بين الأداء والمكافآت. وكجزء من هذه العملية، يتعين على المؤسسات أن تميز بين تقديرات أداء الموظفين بحيث ينعكس أداء الموظف بصورة صحيحة من خلال فروق مناسبة في الراتب. وحذرت الدراسة من أن المؤسسات إذا لم تتحرك في سبيل رعاية موهوبيها والمحافظة عليهم في البيئة الحالية سريعة التغير، فإن أداء مجال الأعمال يتجه نحو منطقة الخطر، مشيرةً إلى أن المنطقة تمر بأوقات عصيبة وشديدة التحدي، خاصة أن استراتيجية المكافآت تقوم على أساس الراتب والبدلات الثابتة فحسب.

وقال أحد مديري الأجور والتعويضات في مؤسسة حكومية، لم تحدد هويته،: «إن التركيز على الأجر الثابت يعد حلاً قصير الأجل، لكنه يتسبب في حدوث مشاكل طويلة الأجل».

لا ريب أن حرب الموهوبين التي أساسها المقابل المادي أمر طبيعي في الاقتصاد الذي يتسم بالتنوع. فهناك نقص في الكفاءات العالية على جميع المستويات، خاصة في مجال الإدارة. ومع دراسة «البنك الدولي» تقنين توقعات النمو وحالة الشك التي يعيشها الاقتصاد الحالي، يبدو أن وضع كل البيض في سلة «الرواتب» ليس هو الطريقة المثلى للتعهد برعاية الموظفين الموهوبين في أوقات التقلبات، حسبما أفادت الدراسة.

وأوضحت الدراسة رُغم أن قوة الإنفاق أقل نسبياً على المستوى الإداري، مقارنة بالعام الماضي بسبب التضخم، إلا أنها تظل من بين أعلى النسب في العالم. وبينما شهدت الوظائف غير المتخصصة تراجعاً في صافي الدخل، فإن الوظائف غير المتخصصة والإدارية شهدت زيادة في الدخول الفعلية. وفي ظل المناخ الاقتصادي الحالي لا يمكن الإبقاء على زيادات مماثلة.

وأشارت الدراسة الى أن الكثير من الشركات تواجه خطر ردود الفعل التلقائية وتقيد أنفسها بحروب المزايدة في سبيل الاحتفاظ بالأشخاص الموهوبين لديها. وبعض هذه الشركات لا تدرك التحدي الذي أحدثه الازدهار، ومن ثم يتعين عليها التفكير بشكل متزايد فيما يتجاوز الأجور الثابتة. وشددت الدراسة على ضرورة أن تبحث المؤسسات النماذج والهياكل التشغيلية الحالية والممارسات العملية للقضاء على العوامل التي تؤثر سلباً في رعاية الموظفين والمحافظة عليهم. فعلى سبيل المثال، ينبغي تحديد الأعمال غير الضرورية وترشيدها أو إعادة تنظيمها من أجل أن تصبح أكثر قدرة على إحراز قصب السبق.

وذهب التقرير إلى أن المؤسسات التي نجحت على المدى الطويل هي تلك التي تمكنت من فعل أشياء أخرى تتعلق بإدارة الموهوبين ورعايتهم. ومن ثم يجب على المؤسسات التأكد من دعم الموظفين الموهوبين من خلال وضع الأشخاص المناسبين في الوظائف المناسبة. فإذا أصبح الموظفون قيد وظيفة غير مناسبة، فمن الممكن أن يصابوا بالإحباط وسرعان ما يصبحون غير منتجين. ونظراً للنمو السريع الذي تشهده المنطقة، فإن بعض المؤسسات تندفع نحو شغل الوظائف دون مراعاة الكفاءات والقدرات المطلوبة لهذه الوظائف.

وأبانت الدراسة أن القادة في الشرق الأوسط غالباً ما يتبنون طريقة «الأمر والسيطرة» حيث تقل احتمالات إعطائهم تفسيرات للقرارات التي يتخذونها ويكونون أكثر ميلاً لإصدار التوجيهات والأوامر. كما  تقل احتمالات إشراك فريقهم في عملية صنع القرار، الأمر الذي ينتج عنه مناخ أقل تحفيزاً وربما مثبطاً للعزيمة. وشددت الدراسة على أهمية أن تتأكد مؤسسات الشرق الأوسط من أن قادتها لديهم القدرات والكفاءات السلوكية المناسبة التي تجعلهم قادرين على إشراك وتحفيز موظفيهم، مع ضرورة تهيئة المناخ الإيجابي للعمل حتى يشعر الموظفون بأنهم مدعومون ومفوضون بالتصرف لاجتياز الأوقات العصيبة هذه، الأمر الذي يمنح القيادة الحرية في توجيه دفة المؤسسة أثناء العاصفة الاقتصادية.

وقال مدير موارد بشرية في شركة عقارية، لم تحدد هويته: «في كثير من الأحول، يصبح الأمر بمثابة سوق مزادات، حيث ينزع الموظفون إلى البحث عن عروض من شركات أخرى فقط من أجل الحصول على زيادة أو ترقية، الأمر الذي يتمخض عنه في النهاية إعطاء انطباع سيء عن قطاع الأجور أو اتجاهات السوق».

وأشارت الدراسة إلى أنه لا يزال هناك نقص خطير في مجال الاستثمار في تطوير القيادة الفعالة. فعدد قليل من الشركات هي التي تتعامل مع الحاجة إلى تطوير قادتها بطريقة واعية ودائمة، وهي المؤسسات التي تقيّم القيادة وتساعد القادة على فهم تأثير سلوكهم وتطبيق ممارسات معينة مثل التقييم والتدريب لمساعدة القادة على التعلم وإحداث التغيير. ومن خلال التركيز على بناء القدرات القيادية، سوف تتمكن المؤسسات من وضع أنفسها في موضع أكثر تميزاً للنجاة من العاصفة.

ومن المعروف أن الأشخاص يرغبون في تطوير أنفسهم وحياتهم المهنية والأرجح أنهم يبقون على ولائهم طالما أنهم يرون احتمالات لتنمية حياتهم المهنية ومهاراتهم الذاتية. والاستثمار في التطوير المناسب وإدارة الأداء والتطوير المهني للموهوبين الأساسيين دائماً ما يزيد من معدلات استبقائهم وأداء العمل بشكل عام.

ويشير الكثير من المديرين في الشرق الأوسط إلى أن الحافز الأساسي لموظفيهم هو الأجر، ومع تغير الأوضاع في السوق، يكون لدى المؤسسات الفرصة لتحقيق التميز عن طريق إتاحة أفضل فرص التطوير المهني الموظفين.

بيد أن الأجر النقدي ليس كافياً؛ حيث تشير بيانات «هاي غروب» إلى أن الأجر النقدي لن يحدد ما إذا كان الموظف المتميز سوف يبقى في المؤسسة أم سيتركها. ومن الضروري استخدام عدد من برامج وسياسات المكافآت التي تضمن الانسجام بين الأداء والمكافأة. والمكافآت الكاملة تكون جوهرية من خلال القيمة أو التحفيز الداخلي، وخارجية من خلال جميع الأشياء التي لها قيمة مادية. وقال التقرير إن الأسباب الحقيقية وراء رغبة الموظفين الموهوبين والمتميزين في البقاء في المؤسسات يرتبط بفرصتهم في التطوير والنمو والتحدي؛ أي بالطريقة التي يتم قيادتهم وإدارتهم بها ومدى تفويضهم في القيام بالعمل المنوط بهم.

وبحسب الدراسة، فإن المؤسسات بحاجة إلى تحديث فهمها وقدرتها على إدارة المكافآت المالية على المديين المتوسط والطويل إلى جانب المدى القصير. كما تحتاج إلى إدارة برامجها غير المادية بطريقة إستراتيجية تتعامل مع الحاجات المتنوعة للموظفين. وتخلص الدراسة إلى عدد من الدروس الأساسية للنجاة من العاصفة الاقتصادية أهمها تحقيق القيمة بدلا من تقليل التكاليف فحسب، وضرورة اتخاذ قرارات صعبة وجريئة مع التركيز على ما يحتاج الموظفون إلى القيام به، والعمل على تطوير القيادة والاستفادة من التدريب المستهدف.