أزمات الاقتصاد العالمي تزيد مخاوف الخبراء على مستقبل البيئة

مشارك أميركي أبدى قلقه على مستقبل حفيده في عالم متفاقم المخاطر

جوردن كلوسن (يسار) يبلغ الحضورَ بنبأ ولادة حفيده الأول مما خلق نوعا من المرح في الجلسة، والتصفيق له وتهنئته (تصوير: أحمد فتحي)
TT

على الرغم من سعادة جوردن كلوسن، رئيس شركة «انكريت» الأميركية، بخبر قدوم حفيده الأول أثناء مشاركته في منتدى التنافسية، بيدو أنه لم يتفاءل كثيراً لمستقبل الكوكب الأخضر، بسبب الأزمات والانهيارات المالية التي لحقت بالاقتصاد العالمي أخيراً وأثقلت كاهل قطاع الصناعة الذي تتمتع غالبية منتجاته بمواد ضارة للبيئة. وفاجأ آخر متحدث في الجلسة الثالثة من جلسات اليوم الثاني من أعمال منتدى التنافسية الثالث، عموم الحاضرين لثوان معدودة بذكره لخبر حفيده الذي استبشره قبيل الجلسة، ودعاه إلى أن يبدأ ورقته والابتسامة تعلو محياه، مما أضاف جوا من المرح على الجلسة، وربط كلوسن قدوم المولود بمستقبل البيئة والمخاطر التي تتعرض لها بين الفينة والأخرى في عالم متسارع واقتصاد يعاود النهوض لسابق عهده بشتى الطرق المتاحة.

وأضفى حديث كلوسن خلال الجلسة التي حملت عنوان «المحافظة على الأجندة الخضراء» عن حفيده جواً من المرح والدعابة والغرابة في آن واحد، حيث قال إنه كان يغار من أقرانه عندما يرزقون بأحفاد إلا أنه تحقق ما يزيل «حقده الظريف» على أصدقائه لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن البيئة والانبعاثات الغازية الخطرة. وأكد كلوسن أن العالم بات بحاجة ماسة للاعتماد على مواد جديدة تنخفض فيها الانبعاثات الغازية والمواد السامة، لينعم الكوكب الأخضر بضمان استمراره والمحافضة على بريق لمعانه الذي باتت تهدده مخلفات الأمواج الصناعية في كل أقطاره التي تهدد مستقبل الأجيال المقبلة. وركزت مناقشات الجلسة على تغير درجة الحرارة على الكرة الأرضية ومضاعفاتها على سير الحياة الطبيعية، إلى جانب التأثيرات المناخية على قطاع الصناعة ونشاط الشركات التجارية، والدور القيادي الذي ينبغي أن تقوم به الدول مع القطاعين العام والخاص لمواجهة التحديات البيئية، والتغيرات المناخية التي بدأت تملي ضغطا كبيرا على مصادر الطاقة.

من جانبه، دعا، جان باسكال ترايكوار، الرئيس التنفيذي لشركة «شنايدر» ذات الملكية الفرنسية ـ الألمانية، إلى توحيد الجهود الدولية لخفض الانبعاثات الغازية، لوضع حد لارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، مشيراً إلى أن الموازنة المطلوبة لخفض الانبعاثات هو تقليل الانبعاثات الحالية إلى النصف في جميع مناحي الحياة. وبين رئيس شركة «شنايدر» أن السيارات الكهربائية يمكن لها أن تحقق اختراقاً واضحاً من أجل الحفاظ على البيئة، مضيفاً أن ما يمكن عملُهُ فعلياً هو الاستفاده من الكهرباء وتطوير الطاقة الكهربائية لخلق جيل جديد من السيارات، يعتمد أفضل طريقة لتوفير طاقة نظيفة صديقة للبيئة، بالإضافة إلى حديثه عن تنويع مصارد الطاقة، والاعتماد على الطاقة المتجددة. وشدد ترايكوار على أهمية التواصل الجيد بين منتجي الطاقة ومستهلكيها، وذلك لمعرفة أشمل وأوسع لمتطلبات المستخدمين لها وخطط التوليد الحديثة والبحوث الخاصة بها، داعياً إلى التوسع في مفهوم استخدام الطاقة الذكية، ومبدأ التنمية المستدامة في مجالات الطاقة.

من جانبها، ألحت كريستين تود ويتمان، مديرة وكالة حماية البيئة الأميركية على أن هناك حاجة للسيطرة على استهلاك الأفراد من الطاقة، مضيفة أنه «لا بد من تغيير الصورة الذهنية السابقة التي تفصل بين الاقتصاد القوي والبيئة النظيفة، إذ أوضحت أنه من السهل تحقيق الأميرين معاً من خلال التطور في البحوث وإجراء الدراسات والتجارب». وشددت ويتمان على مجالي البحث والتنمية حيث يعتبران الجزءَ المهم، مردفة أن الأوقات الاقتصادية العصيبة كالتي يشهدها العالم حالياً خلال أزمته المالية، تعيق عمل مثل تلك المجالات، الأمر الذي يتطلب جهدا أكبرَ وتحديات أكثر تواجه العمل الجماعي العالمي لكي يخرج ببيئة نظيفة خضراء واقتصاد مزدهر. من جانب آخر، أسهب هيربرت مايكل رئيس المؤسسة الدولية للبريد في الحديث عن أهمية توفير المعلومات لمساعدة الشركات في اتخاذ قرارات أكثر صوابا، مستدلاً بالشركات التي اتخذت من البرد الفرنسي «الذي قلل من تخفيض انبعاثات الغازات المضرة، وكذلك في أميركا وهولندا والدنمارك». وأشار إلى أهمية تطبيق بعض المعايير المقبلة التي ستستخدم في تخفيض انبعاثات الغازات المضرة بالبيئة، مبيناً أنه سيتم تقديم اتفاقية جديدة في هذا الشأن عام 2012 تحتوي على تعهدات جديدة. وحول ما إذا كانت الأزمة العالمية قد أثرت على تعهدات الأمم المتحدة السابقة التي كلفت ما يقارب 20 ألف مليار صبت في مجال البنية التحتية وقضايا مثل التغير المناخي ومتابعته والاتحادات الدولية المتعلقة بالتقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، أوضح أن التعهدات الجديدة للأمم المتحدة تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا، وأن هناك العديد من الفرص في مسائل توفير الطاقة وزيادة جودة الطاقة، وأن تكون هناك مخرجات اقتصادية لكل لتر من النفط. ويشار إلى المعايير والجهود القائمة التي تعكف عليها الأمم المتحدة لتحقيق سلامة الجنس البشري، وكذلك مصداقية وثقة الناس، وزيادة الوظائف والتزامات الموظفين بحكم أن معظم الموظفين يفضلون العملَ في بيئة جيدة، وتخفيض الاستهلاك في الوقود وماله من تأثيرات إيجابية. من جهة أخرى، ناقش المتحدثون في الجلسة الرابعة تحت عنوان «محطة الإبداع والابتكار» طبيعة الإسهام الذي ستقدمه مجموعات التقنية الناشئة إلى الأعمال والنمو الإنتاجي، وكيفية تمويل بحوث التقنيات المتقدمة مع وجود الركود الاقتصادي في ظل تقلص التمويلات والمشروعات الفردية الخاصة نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية. وتجاذب 6 متحدثين في محطة الإبداع والابتكار أطراف الحديث خلال جلستهم عن الشركات والمستهلكين والدول ومَنْ يقف وراء الطلب على الإبداع والابتكار، ومن يشجعها وكيفية استطاعة الاقتصادات الناشئة احتضان الإبداع والابتكار ورعايتها، إضافة إلى تطرقهم لمدى ضرورة سعي الدول إلى الإبداع والابتكار وكيفية قدرة الاقتصادات الناشطة التعامل والتكيف مع الموانع الأخلاقية في مجال البحوث العلمية.

وقال الدكتور ميشيو كاكو، عالم الطبيعة النظرية في جامعة سيتي، إن العلم لا يقف في مكانه والعمل مستمر على إيجاد موجات جديدة للحياة، خصوصاً في تقنية النانو التي تسمح بالتلاعب بالذرات للخروج بتقنية عالية يمكن وصفها بـ«العجائب» لدرجة يمكننا الوصول إلى قطع غيار بشرية كالحناجر والكبد الصناعية، إضافة إلى ممرضات ومستشارين قانونيين الكترونيين. من جهته، أثنى الدكتور فيليب كامبل، رئيس تحرير مجلة الطبيعة، على معايير الشفافية والموضوعية في تمويل أي جائزة تعزيز التنافسية، والانفتاح على التقييم والالتزام الدولي، والانفتاح ضمن الثقافة للتحليل النقدي، ووضع الأولويات العلمية من خلال البحوث.

ودائماً على طاولة النقاش، دعا جورج جرينر، مؤسس ورئيس شركة «انديفوم»، إلى وجوب السير على سلم التنافسية وتأقلم الاختراعات من احتياجات الدول، مضيفا أنه يجب على الشركات الصغيرة عند جفاف التمويل التركيز على البحوث العلمية والتطوير. بينما أكد بيترشيتز رئيس شركة «كيتين» على أن «الإبداع ساهم في نجاح نظريات عديدة»، داعيا أن تكون «كل امة تبتكر وتخترع عن طريق تعزيز الكسب في هذا المجال».

وفي المقابل، قال الدكتور محمد السويل، رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في السعودية، إن بعض الحكومات لاحظت ضرورة قيادة الإبداع، وتعمل على ابتعاث طلابها لتعزيز الإبداع والابتكار، مستعرضاً مجموعة من التجارب الفردية التي كان الابداع هو المحرك الأساسي لقيامها ونجاحها. وحول طبيعة الإسهام الذي ستقدمه مجموعات التقنية الناشئة في قطاع الأعمال والنمو الانتاجي، أيد، كيب سوسه مؤسس شركة «كي تي أي سي» الكورية، ضرورة وجود الشباب الموهوبين القادرين على إيجاد آفاق جديدة في مجالات عدة.

وأضاف «شركتنا وفرت عمليات تمويل في جميع الصناعات، حتى نجحت في العمل من خلال أكثر من 500 استثمار في أنحاء العالم، بزيادة قدرها 22 في المائة، الأمر الذي حول بلاده كوريا إلى منافس دولي». ولفت سوسه إلى ضرورة تحديث التكنولوجيا في ظل الأزمة المالية الحالية، مما سينعكس على تعزيز التنافسية بين الدول، إذ أنه توجد صلة مباشرة بين روح المبادرة والنمو الاقتصادي، ويجب أن يكون تعاون اكبر بين الدول النامية والمتطورة لتحدي الأزمة المالية العالمية، واستخدام الموارد البشرية والتكنولوجية بكلفة قليلة. وتناول المتحدثون محاورَ أخرى بارزة تقاطعت فيها الرؤى، خاصة ما يتعلق بمدى استطاعة الاقتصادات الناشئة التعامل والتكيف مع الموانع الأخلاقية في مجال البحوث العلمية، وكيفية تمويل بحوث التقنيات المتقدمة في ظل موجة الركود الاقتصادي.