التوافق سمة الدورة الثالثة لمنتدى التنافسية

المتحدثون يطالبون بتدخل الحكومات لفرض أنظمة وضبط الأسواق

المتحدثون في الدورة الحالية يطالبون بشدة بضرورة تدخل الحكومات في فرض أنظمة وضوابط على الأسواق («الشرق الأوسط»)
TT

تحول مصطلح «جدل» الذي كان موجوداً بقوة خلال أعمال الدورة الثانية من منتدى التنافسية الدولي إلى مصطلح «توافق» في الدورة الحالية خلال جلسات اليوم الثاني من أعمال المنتدى، وذلك بعد أن كان المتحدثون في الدورة الماضية يرون أن تدخل الحكومات يؤثر بشكل سلبي على إيجاد بيئة تنافسية بات نظراؤهم في الدورة الحالية يطالبون، بشدة، بضرورة تدخل الحكومات في فرض أنظمة وضوابط على الأسواق.

وكذلك قيام الحكومات في تحقيق بيئة تنافسية قائمة على ثلاثة عناصر بدل عنصرين كان يدور الحديث عنها في السابق، وهي: المساءلة والشفافية، والعنصر الجديد المتمثل في «الفعّالية» التي ترتبط بدور الحكومات في إيجاد أنظمة ضبط على الأسواق بعد الأضرار الناجمة عن الأزمة المالية العالمية. ويرى ستيفان غاريللي، مدير مركز التنافسية الدولي، الذي كان أول المتحدثين في الجلسة الافتتاحية لأعمال المنتدى تحت عنوان «التخلص من الروتين الحكومي (التوازن)، أنه بسبب الأزمة المالية العالمية يجب أن يلغى من قاموس الاقتصاديين مقولة «الحكومة هي المشكلة»، مرجعاً ذلك لحاجة المؤسسات والشركات والأسواق العالمية إلى تدخلها في حل الأزمة المالية الحالية من خلال عدة إجراءات. وأوضح غاريللي أن تلك الإجراءات تعتمد على قيام الحكومات بعمليات ضبط للحركة الاقتصادية في دولها، إضافة إلى تبسيط الإجراءات أمام رؤوس الأموال لإنجاز أعمالها بشكل يعود على الجميع بالفائدة. وقال مدير مركز التنافسية الدولي «لا بد أن تقوم الحكومات بتمييز إيجابي، بحيث لا تركز على الشركات الكبيرة فقط، ولكن أن تركز على الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة، ولا بد أن تبدي الحكومات علامات الشدة والقوة لإعطاء الناس الثقة بالاستثمارات». وختم غاريللي مداخلته، ضمن الجلسة الصباحية بالتذكر في المقولة ذات الطابع التحذيري، وبالمناسبة احتوت الجلسة على العديد من المقولات، في أن يتذكر الاقتصاديون «لأن الحكومة كبيرة بإعطائكم كل شيء، فهي قوية لأن تأخذ كل شيء». وإذا كان الحديث في بداية الجلسة، وعلى فترات منها، تركز في أهمية دور الحكومات في التسريع والنجاة بالوضع الاقتصادي للبلدان، فالجزء الآخر منها كان مركزاً بشكل كبير للخروج بصيغ جديدة للاقتصاد في السنوات القادمة، خاصة أن المرحلة الحالية صنفها المتحدثون بأنها فترة تحول كبيرة نحو اقتصاد يعتمد على المعرفة والإبداع، أو ما يعرف باختصار «الاقتصاد المعرفي». وقالت ديبورا ونس سميث، رئيسة مجلس التنافسية، التي اوضحت انها تزور السعودية للمرة الاولى، أن العالم بسبب الأوضاع الاقتصادية المضطربة يعيش فترة التناقضات التي جمعت ما بين آثار سلبية متمثلة في فقدان الناس وظائفهم، وانعدام الثقة بالأسواق، وأخرى إيجابية في توجيه وصياغة رؤى جديدة لاقتصادات دول العالم خلال الفترة المقبلة. وطالبت سميث بضرورة اتخاذ ما سمته بـ«الاقتصاد المفهومي» الذي يتجسد في دعم الصناعات المتركزة على الجانب الإبداعي والقدرة على التخيل، بسبب حالة الركود الذي يعيشه قطاع الصناعات، وأيضاً التحول في رؤوس الأموال. وأضافت «مسؤولية الحكومات خلال المرحلة القادمة ترتكز على بناء نظام تعليمي يُخرج أشخاصا قادرين على الإبداع، وهذه المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومات تتطلب شراكة من القطاع الخاص». وأكدت رئيسة مجلس التنافسية، ما ذهب إليه زميلها غاريللي، عن ضرورة قيام الحكومات بقيادة الشركات لإيجاد برامج استهلاكية قائمة على المعرفة من خلال دعم الأبحاث والاستفادة من العلوم الرقمية الحالية التي تصيغ شكلا جديدا للعالم.

من جانبه، شدد روبرت هاجنغز، رئيس مركز التنافسية الدولي على قيام الحكومات بعملية فرض نظام الضبط والتدقيق على الشركات، مشترطاً نجاحاً كإجراءات بالتزام الحكومة المنفذة بنظام «الحكم الرشيد».

ولم يخف هاجنغز تفاؤله بأوضاع الأسواق العالمية مستقبلا، واصفا الأسواق بالديناميكية «ولذا فهي تظل خاضعة على الدوام للأنظمة والمراقبة والحركة الثقافية البشرية». وقال رئيس مركز التنافسية الدولي «لا بد من وجود وثيقة مقاربة بين الحكومات والصناعات، فنحن حين نتحدث عن مشكلة في الشركات فذلك نتاج أو نعزوه إلى عدم فهم في الضوابط».

بينما حذر آرون كريمر، رئيس منظمة أعمال المسؤولية الاجتماعية، والذي اعتبر هذه الفترة هي فترة صياغة العقود الاجتماعية في العمل الاقتصادي، من التضخم، واصفاً وضعه في المرحلة الحالية بـ«الوحش النائم».

وللتعبير عن حالة التفاؤل المتوفرة لدى المتحدث كريمر استدل بمقولة الروائي البريطاني تشارلز ديكنز أن «أفضل الأوقات هي التي تحدث في أسوأ الأوقات»، كاشفاً أن الوضع الحالي ينبئ بأن الشركات الناجحة هي الشركات التي تعتمد منتجاتها على عدد أقل من الكوادر البشرية خلال الفترة القادمة، وبالتحديد ما بين عامي 2020 – 2025.

وقال كريمر «في السابق، كان هناك توافق بضرورة انسحاب الحكومات، واكتفاءها بوضع الإطارات المناسبة للأسواق العالمية، ولكن الوضع تغير الآن بعد أن وجدت ـ أي الحكومات ـ نفسها وسط الموقف». وطالب رئيس منظمة أعمال المسؤولية الاجتماعية بضرورة زيادة التفتيش والرقابة على الأسواق المالية، وألا يتناول التغير للأنظمة كافة المجالات، قائلاً «صحيح هناك الكثير من الأمور تحولت في الوضع الاقتصادي العالمي حالياً، ولكن ما زالت بعض الجوانب على حالها لم تتغير». وتواصلت نبرة التشديد على أهمية الدور الحكومي خلال الظروف المالية العالمية الراهنة في محاور الجلسة الثانية من جلسات منتدى التنافسية الدولي «البنية التحتية: تمهيد الطريق للتنافسية».

وقال تيموثي فلين، وهو رئيس شركة بي إم جي الدولية الأميركية، إن الأزمة المالية الحالية تدعو، وبالتحديد الاقتصادات الناشئة في العالم، إلى عملية بناء سوق ناضج على مدى بعيد يرتكز على توفير بنية تحتية عالية المستوى. وكشف البروفيسور فلين أن هناك دراسات تحدثت عن أن 10 في المائة من العاملين في القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط يرون أن مستوى الإنفاق على البنية التحتية بدأ في التراجع، وذلك مقابل 90 في المائة يطالبون بضرورة تنوع مشاريع البنية التحتية، وأن تشمل جوانب متعلقة بالمياه (حذر منها الكثير من المشاركين في المنتدى الحالي، بأنها تواجه خطر الفقدان قبل مشتقات الطاقة)، ومشاريع الصرف الصحي، إضافة إلى ما يتعلق بمشاريع النقل للطاقة. من جانبه، أكد وولف غانغ ليماشر، الرئيس ورئيس مجلس إدارة «جيوبوست الدولية ساس»، على ضرورة إيجاد موازنات متوسطة وبعيدة المدى في بناء مشاريع البنية التحتية، مضيفاً «توفر البنية التحتية الجيدة يساعد البلد المنفذ لها على توفر فرص استثمارية جيدة من الداخل والخارج، إضافة إلى ربط المهارات في العالم». وقال ليماشر «إن التحديات في مجال البنية التحتية تختلف بحسب سياسة كل دولة اقتصادياً، وطبيعتها الجغرافية، وربط الأسواق العالمية ببعضها بحاجة إلى بنية تحتية جيدة، وخبرات بشرية».