مصرفيو وول ستريت أصبحوا منبوذين قوميين في أميركا

مدير سابق: أفضل أن أقول إنني مصور > موظفة سابقة في جي بي مورغان: مهنتنا فقدت بريقها

إيريس تشاو تغادر مقر مصرف جي بي مورغان تشيس - أول من أمس - في نيويورك بعدما تم الاستغناء عنها بعد 11 سنة قضتها في المصرف. («نيويورك تايمز»)
TT

كان يوم الاثنين الماضي آخر يوم بالنسبة لإيريس شاو في عملها في شركة جي بي مورغان تشيس الذي استمرت به لمدة 11 عاما. وتقول إنها ستفتقد الكثير بشأن عملها بمن فيهم زملاؤها وراتبها والدور الإداري الذي كانت تلعبه في فريق الدعم التقني. لكن شيئا واحدا لن تفتقده في الشركة، وهو أنها لن تخبر أحدا أنها تعمل هناك. وتقول تشاو، التي تبلغ من العمر 35 عاما، التي كانت إحدى ضحايا خفض العمالة في مقر الشركة الرئيس في مانهاتن «كان الأمر ممتعا وكان لدي العديد من الأصدقاء الذين يسألونني هل بإمكانك أن تساعدينا في الحصول على فرصة عمل هناك»؟ ومنذ بضعة أسابيع مضت ذكرت وظيفتها لمصور عبر صديق مشترك فنظر إليها وقال «أنت واحدة منهم».

لا يتوقع أحد في عالم البنوك الاستثمارية الشفقة من أحد أو حتى من يستمع إليه من قبيل التعاطف هذه الأيام، لكن في الوقت الذي تستشيط فيه الولايات المتحدة غضبا من مليارات الدولارات التي أنفقت على خطة الإنقاذ الحكومية ومكافآت نهاية العام، يركز القطاع المالي هذه الأيام على دوره الجديد كمنبوذ قومي وقائمتها الطويلة من القضايا المثيرة للقلق.

هناك الكثير من الشركات التي يتوقع أن تتضح معالم انهيارها، وهناك شعور منتشر بالانعزالية وتشويه السمعة في أزمة ساهم في خلقها مجموعة من اللاعبين من بينهم مالكو المنازل الذين كانوا سعداء جدا بالاحتفال بالهبات التي أغدقها عليهم وول ستريت التي أسهمت في الازدهار في سنوات الرخاء.

يأتي على رأس كل ذلك، وجود الكثير من المخاوف بشأن فقد السمة الثقافية، فقد أصبح وول ستريت هدفا للغضب الشعبي ومادة خصبة للأحاديث والندوات والاحتجاجات في الشوارع والكثير من النقد اللاذع.

يظهر أحد الرسوم الكارتونية التي نشرت في صحيفة «ذا ريكورد» التي تصدر في هاكنساك بولاية نيو جيرسي الجرذان ترعى على ظهر إحدى السفن الغارقة وكتبت فوقها «وول ستريت» مع صناديق الخزانة والمكافآت للمديرين التنفيذيين. وخلال الأسبوع الماضي عرض جون ستيوارت في برنامجه «ذا ديلي شو» أحد المقاطع لجون إيه ثاين المدير التنفيذي في شركة ميريل لينش يدافع فيه عن المكافآت كطريقة «للحفاظ على أفضل الأشخاص».

وصاح ستيوارت «إنك لا تملك أفضل الأشخاص، لقد خسرت 27 مليار دولار، هل تعيش في عالم خيالي»؟

كل هذا كان وقعه شديدا على الخبراء القليلين الراغبين في مناقشة الأمر.

ويقول أحد المديرين التنفيذيين المتقاعدين في وول ستريت الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب شخصية «أفضل أن أقول إنني مصور، فعلى الأقل تلك مهنة يدركها الناس».

ويقول الخبراء الماليون بشأن القصة الحقيقية وراء أزمة الرهن العقاري إن الولايات المتحدة ادخرت القليل وأنفقت الكثير على مدار عقود، معتمدة على ارتفاع قيمة العقارات لتسيير نظام الحياة، لكن أحدا من وول ستريت لم يجبر أحدا من مالكي المنازل على الاقتراض على المنازل حيث لا يستطيعون الوفاء بتلك الديون، أو إعادة تمويل الرهن العقاري لإنفاق المال على السيارات التي لا يمكنهم شراؤها.

والضمانات القليلة خلف هذه الفوضى، تكون لهؤلاء الأشخاص الذين اخترعوها وسوقوها لتشبه العقاقير الطبية، وإذا ما استخدمت هذه بصورة صحيحة يمكنها أن تحسن حياتك، وإذا ما أسيء استخدامها فهي مميتة.

يقول إيمانويل بليتز، الموظف السابق في شركة غولدمان ساكس الذي يبلغ من العمر 26 عاما واستقال من عمله منذ أشهر قلائل للترشح للكونغرس في موطنه لوس أنجليس «لقد ارتكبت بالطبع أخطاء في وول ستريت، لكن تلك الأخطاء ولدت من رحم الثقة العمياء».

ويضيف بليتز مشيرا إلى أنواع السندات المدعمة بالأصول التي تحولت إلى أداة سامة «انظر، يمكنك الحديث عن التزامات الديون الثانوية طوال اليوم، لكن هناك وكالات تصنيف يفترض بها أن تخبرنا عن المخاطر بشأن تلك السندات، لكننا قد أغلقنا أعيننا بالفعل» وقال «حسنا، عندما تقول إن ذلك مصّنف على أنه فوق الممتاز، أنا أصدقك، لكن كان على الجميع أن يكون أكثر تشككا». لقد سمعت كثيرا عن إخفاق المنظمين أيضا، ولكن من الصعب أن تجد شخصا في الدوائر المالية يعتقد أن المشكلة تكمن في وول ستريت ذاته. نعم إن هذا صعب، لكن ليس مستحيلا. وأفاد لويس رينالديني- الشريك السابق في شركة لازارد فريري المصرفية الاستثمارية «يقول الأفراد، حسنا إن الاحتياطي الفيدرالي هو الملام لوجود كل هذه الأموال السائلة، مع أن من كانوا يديرون البنوك كان يتقاضون أجورا ليكونوا حذرين عندما تكون هناك زيادة في الأموال السائلة».

وأضاف «أعني، إذا كان لديك سائق حافلة يقود على سرعة مائة ميل في الساعة على طريق يكسوه الجليد، فستعتقد أنه مجنون. ولكن إذا قال رئيسه، إن سياستنا تتمثل في القيادة السريعة عندما تكتسي الشوارع بالثلوج، فلن تندهش إذا ما انتهى الحال بالرئيس بالزج به إلى السجن».

وبالمعايير التاريخية، فإن هذه ليست أسوأ الأعمال المشينة بالنسبة لوول ستريت، رغم أنها تقترب فعليا من ذلك. ففي الأسبوع الماضي، وصم الرئيس باراك أوباما مديري المصارف في وول ستريت «بالعار» لمنحهم أنفسهم قرابة الـ20 مليار دولار على مكافآت، رغم تخفيض متوسط المكافآت البالغة 122 ألف دولار بنحو 36.7 في المائة عن العام السابق. ولا يعتبر النقد بمثابة جلد شديد مثل الذي كان فرانكلين ديلانو روزفلت يصف دوما به الصرافين بقوله «صرافو الأموال معدومو الضمير». كما كانت التجمعات الأخيرة أمام سوق نيويورك للأوراق المالية - التي رددت مقولة «أنتم اشتريتموها، أنتم من حطمتموها» - سلمية بكل ما في الكلمة من معنى إذا ما قورنت بتفجيرات عام 1920 لمكاتب جي بي مورغان، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصا. ومع ذلك، إذا كانت بطاقة العمل تحمل اسم بنك استثماري - أو كانت كذلك قبل أن يتم الاستغناء عنك، فربما يدل ذلك على تحملك للحظات في غاية الحرج. وقد سمع ستيفن تشين نائب الرئيس السابق شركة لأبحاث الأسهم في بير ستيرنز قدرا كبيرا من التعليقات التهكمية عندما ذهب إلى مسقط رأسه في برونوكس لحضور الكريسماس، حيث يجتمع أفراد عائلته البالغ عددها 36 في تلك المناسبة من كل عام. وعندما أطل خبر عبر التلفزيون يفيد بأن بنكا آخر يغلق أبوابه، غمغم ابن عمه قائلا: «هذا خلاص جيد». ويقول تشين «الكثير من أفراد أسرتي من صغار رجال الأعمال ممن يملكون مطاعم ومغاسل للملابس. وهم ينظرون إلى رجال وول ستريت على أنهم يتلقون رواتب كبيرة للغاية، وليست لديهم أدنى فكرة واضحة عن ماهية ما يفعلونه. وأحاول أن أشرح لهم أن هناك صلة حميمة بين مين ستريت، وبين وول ستريت، التي أنشأتها البنوك لتوفير السيولة للشركات الصغيرة، ومن ثم يمكنهم التوسع». وأضاف تشين أن «أقاربه كانوا يستمعون إليه، لكن بدا عليهم عدم الاقتناع». وهنا أوضح «من المرهق أن تعيد نفس الحوار مرات ومرات».