برجان في شيكاغو تعصف بهما الأزمة المالية

توقف استكمال بعض المشاريع العقارية أكثر الأدلة المرئية على عمق الأزمة في أميركا

مشروع برج سبير الذي صممه المعماري الإسباني سانتياغو كالاترافا («نيويورك تايمز»)
TT

في عام 2006، العام الذي شهد ذروة ازدهار قطاع العقارات، مثّل مشروعان اثنان في مدينة شيكاغو علامة واضحة على المستقبل المشرق للتشييد الإسكاني.

المشروع الأول، الذي كان يحظى بأهمية أكبر، هو مشروع برج «سبير»، وهو عبارة عن برج لولبي الشكل يطل على بحيرة، صمّمه المعماري الأسباني الشهير سانتياغو كالاترافا. وكان من المقرر أن يكون ذلك البرج أطول مبنى في أميركا الشمالية، حيث كان مخططا أن يرتفع 150 طابقا (المبنى الأطول حاليا في أميركا الشمالية هو برج «سيرز»، وهو أيضا في شيكاغو)، وكان المقاول المسؤول عن برج «سبير» هو غاريت كيلر من شركة «شالبورن للتشييد»، وهي شركة لديها مكاتب في شيكاغو ودبلن، والعديد من المدن الأخرى.

أما المشروع الثاني، فكان مشروع برج «ووتر فيو»، وكان مقررا أن يبلغ 90 طابقا، ويتضمن فندقا ومبنى سكنيا في منطقة لووب التجارية المركزية. وكان من المفترض أن يكون أيضا من بين أطول عشرة مباني في المدينة. وتتولى شركة «تينغ آند أسوشيتس» المحلية أعمال التشييد.

وكان لكلا المشروعين بدايات سريعة من ناحية المبيعات وعمليات البناء، ولكن توقف العمل في المشروعين في الوقت الحالي، بعد أن قام مقاولو الباطن بتقديم العديد من طلبات الحجز في الوقت الذي يكابد فيه المقاولون من أجل الحصول على تمويل إضافي.

وفي برج «سبير»، الذي يطل على إحدى البحيرات، يحيط بفتحة عمقها سبعة طوابق، 34 قيسونا كبيرا مضادا لتسرب المياه. فيما يعاني موقع «ووتر فيو»، على شارع وواكر، من مشكلات أكبر. أتم العمال بناء الـ26 طابقا الأولى من المبنى قبل أن يتوقف العمل الصيف الماضي.

ويعد المشروعان معا من أكثر الأدلة المرئية على المشكلة المالية التي أصابت سوق العقارات بالشلل على مدى الستة الأشهر الأخيرة.

ويقول كيلر: «إذا كنت أعرف في يوليو (تموز) من عام 2006 أن العالم سوف يعاني ما يعاني منه حاليا، كنت سأقوم بالعديد من الأشياء على نحو مخالف».

ويعاني كل من كيلر و«تينغ» من مشكلات بسبب تصرفات، كانت مقبولة بصورة أكبر خلال الأعوام الأخيرة التي تلت الازدهار، على الرغم من كونها غير تقليدية. وبسبب استعجالهم في بدء عملية البناء، استخدم المقاولون أموالا خاصة بهم لتمويل المراحل الأولى من العمل. وبعد ذلك دخلوا في عملية قانونية طويلة لتوفير قرض تشييد تقليدي. كانا يتوقعان أنه سيكون من السهل الحصول على هذه القروض.

ويقول جيم لويينبرغ، وهو رئيس تنفيذي مشارك في مجموعة «ماغلان للتشييد»، المقاول المسؤول عن مشروع سكني للاستخدام المتعدد يتكون من عدد من المباني تطل على لاك شور إيست، وهو في الناحية الأخرى المقابلة لبرج «سبير» من نهر شيكاغو، إن كيلر و«تينغ وشركاه» لم يرتكبا أي خطأ. ويقول: «أعتقد أن المقاولين يتحملون المخاطر في الكثير من الحالات، حيث عادة ما يبدؤون المشروعات قبل وضع النقاط على الحروف، ولذا فإنهم يدفعون بأنفسهم إلى غمار العمل، وفي بعض الأحيان يثمر هذا على نحو رائع، ولكن في أحيان أخرى لا تكون الثمرة جيدة».

ويقول كيلر: «كنت أحتاج إلى إثبات أنني ملتزم بالمشروع».

وقد استثمر كيلر حتى الآن نحو 250 مليون دولار في برج «سبير»، جاء 180 مليون دولار منها نقدا من حيازاته التي يمتلكها، و70 مليون دولار في صورة قرضين اثنين من البنك الإنجليزي الأيرلندي في دبلن.

وعندما بدأت عملية البناء كانت خطته معقولة، على الرغم من أنها كانت تتسم بالمغامرة. كانت تقدر مبيعات الوحدات بنحو 3,4 مليار دولار، مقابل تكلفة إجمالية قدرت بـ2,3 مليار دولار.

في أول الأمر كان المشروع يسير بصورة جيدة، حيث تم بيع ما يزيد على 30 في المائة من 1194 وحدة خلال الأشهر الثمانية الأولى، بأسعار تتراوح بين 750,000 دولار إلى ما يقل قليلا على 40 مليون دولار. ويعد المبلغ الأخير، وهو مقابل شقة مساحتها 10,000 متر مربع، أعلى سعرا، يدفع مقابل وحدة في قلب شيكاغو. وتمتد العقود حتى الربع الرابع من عام 2013، وتحفظ الودائع في عقود تودع لدى طرف ثالث حتى هذا الوقت.

ومما كان واضحا أن أكثر من نصف المبيعات كانت إلى أشخاص أو هيئات خارج الولايات المتحدة. ويقول كيلر: «لقد بدأ العمل في يناير (كانون الأول)» من عام 2008 «وذهبنا إلى بكين وسنغافورة وهونغ كونغ ودبي ولندن وعدد من الأسواق الأخرى».

وفي أواخر سبتمبر (أيلول)، أعلن كيلر بيع الشقة العليا إلى تي وارنر، مؤسس الشركة التي تقوم بتصنيع لعب «باني بابي». ولكنه يقول إنه منذ ذلك «تراجعت الأوضاع».

ويقد كيلر إنه سوف يتكلف 1,75 مليار دولار لاستكمال برج «سبير»، ويقول إنه أجرى محادثات مع العديد من المؤسسات المالية، سواء داخل الولايات المتحدة أو مختلف أنحاء العالم، على مدى الثمانية عشر شهرا الأخيرة. ويقول: «لا يوجد تمويل متاح لبناء «سبير» في الوقت الحالي، إنها قضية انتظار، وهذه هي الخطة».

وتحديدا، ينتظر كيلر حتى الخريف القادم، عندما تعلم المدينة ما إذا كانت سوف تحظى بإقامة أولمبياد 2016 أم لا. ويقول: «إذا ما استضافت شيكاغو الأولمبياد، فإنها سوف تكون بالتأكيد دفعة للاقتصاد المحلي».

ويبدو الوضع مشابها داخل برج «ووتر فيو»، فقد رفض المسؤولون التنفيذيون في «تينغ وشركاه» طلبات كثيرة لإجراء مقابلات شخصية معهم، ولكن تفيد التقارير بأن مشكلات المشروع قد تفاقمت خلال فصل الخريف الماضي. بدأ المشروع الذي تبلغ قيمته 500 مليون دولار، معتمدا على تمويل داخلي من تينغ، وقرض مؤقت قيمته 20 مليون دولار من بنك «لاسال» في شيكاغو، وهو الآن قسم من «بنك أوف أميركا».

وطبقا للمخطط كان يفترض بناء 200 وحدة فندقية بالإضافة إلى 233 وحدة سكنية في الطوابق العلوية. وتم بيع نحو 40 في المائة من الوحدات الفندقية و67 في المائة من الوحدات السكنية، وكانت الأخيرة مقابل متوسط 800 دولار للقدم المربع. ويقول جيمس كيني، رئيس شركة «روبلوف للعقارات السكنية»، وهي شركة سمسرة في وسط المدينة: «كان لدى (ووتر فيو) بعض من أفضل الأسعار من ناحية ما تحصل عليه فعلا، وكان يبيع بصورة جيدة».

وفي أبريل (نيسان) الماضي، قال تينغ إن بنك الصادرات والواردات الصيني سوف يقدم الـ400 مليون دولار اللازمة لاستكمال المشروع، وقامت شركة «بكين للتشييد» بالمساعدة على تسهيل الحصول على القرض، علما بأنها شركة صينية كان من المتوقع أن تستحوذ على المقاول العام للمبنى. ولكن لم تتم هذه الصفقة في النهاية.

ويقول زاك هينسون، وهو الرئيس التنفيذي بشعبة شركة «بكين للتشييد» في الولايات المتحدة: «ليس من الصعب فعليا تحديد السبب الذي دفع البنك إلى تجميد الأمر، حيث كانت الأخبار على مدى الصيف تزداد سوءا بعد سوء، ولم تتحسن مطلقا».

وحسب ما قاله هينسون، فإن البنك لم يقرر حتى الآن إلغاء القرض بصورة رسمية، ولكنه أقر بأنه في الوقت الحالي هناك شكوك في إقبال البنك على المشروع. ويقول ستيفين دي غرافن، وهو محام متخصص في الإجراءات التي تسبق أنشطة العقارات، إن هناك عددا قليلا من الخيارات في ضوء المناخ الحالي. وأضاف: «قد يكون هدم ما بني أرخص، أو ربما كان الأرخص هو ترك المشروع على وضعه الحالي».

وفي هذه الأثناء، هناك الكثير من المزيد من الوحدات في شيكاغو.

فقد ظهرت 4600 وحدة جديدة وسط المدينة في عام 2008، ومن المخطط استكمال 4700 في العام الجاري. ولكن، يتراجع معدل شغل هذه الوحدات يوما بعد آخر. وتقول جيل ليسنر، نائب رئيس «إبريزال ريسارتش كونسلرز»: «كان معدل شغل الوحدات العام الماضي قليلا، وسنحتاج إلى بعض الوقت لشغل هذا القدر المتوافر».

وتضيف أن الجانب المفيد هو أن 500 وحدة جديدة فقط متوقعة خلال 2010، تكون أقل خلال الأعوام التي تلي. وتقول: «المشروعات التي لم يتم البدء فيها حتى الآن سوف تجد صعوبة كبيرة في الحصول على تمويل».

وفي هذه الأثناء، تقل الأسعار من 5 إلى 25 في المائة، بناء على الموقع وأسباب الراحة. ويقول كيني: «كلما كان الطلب عامّا، أصبحت القدرة على التفاوض عليه أكبر، فإذا كنت تريد وحدة عادية بها غرفتا نوم وحمامان اثنان، في وسط مدينة شيكاغو، يمكنني أو أوفر لك صفقة جيدة جدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»