محافظ بنك السودان: معاملاتنا المالية والمدفوعات تتم بغير الدولار

الدكتور صابر محمد الحسن لـ «الشرق الأوسط» : انخفاض سعر البترول أدى لمراجعة الميزانية العامة

حذر محافظ بنك السودان د. صابر محمد الحسن من أن الأزمة المالية العالمية ستترتب عليها أوضاع اقتصادية سالبة ولفترة أطول («الشرق الأوسط»)
TT

حذر الخبير الاقتصادي ومحافظ بنك السودان الدكتور صابر محمد الحسن من أن الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، ستترتب عليها أوضاع اقتصادية سالبة ولفترة أطول وستفضي إلى تداعيات أخرى جديدة، وأن حجم الكارثة أو التداعيات لم تشكل بعد. وشدد على التعاون التام بين الدول للخروج من الأزمة المالية الصعبة التي لم يشهد لها العالم مثيلا منذ حقبة الأربعينات.

وكشف في حوار مع «الشرق الأوسط» أن الدول الكبرى كالولايات المتحدة التي صنعت الأزمة المالية العالمية وهي وحدها القادرة بحكم مواردها وإمكانياتها على احتواء آثارها وأضرارها، بينما الدول البعيدة ودول العالم الثالث ستكون الأكثر تضررا وتعثرا. وكشف أن هبوط أسعار البترول بشكل حاد من 140 دولارا للبرميل إلى ما دون الـ40 دولارا أثر على الموازنة العامة في السودان وأدى إلى إعادة النظر في الميزانية وإيجاد موارد أخري. وشدد على ضرورة تخلص السودان من المرض الهولندي أي الاعتماد على البترول واتباع سياسة تقشفية والتركيز على موارد إنتاجية في الزراعة والصناعة والمعادن وغيرها. مشيرا إلى أن السودان يمتلك موارد هائلة للانتفاع منها، واعتبر أن تأثير هبوط سعر البترول على حكومة الجنوب هو الأسوأ لأن الجنوب يعتمد كليا على عائدات البترول. وتوقع عدم وجود آثار سالبة على سعر الجنيه السوداني والدولار لانتهاج سياسة المحافظة على سعر الصرف. وأوضح أن الحظر الأميركي على السودان دفع لانتهاج سياسة التحول التدريجي من الدولار للعملات الأخرى كالإسترليني واليورو وعملات الشركاء وبوجه خاص الصين ودول الخليج وشرق آسيا. وعزا محافظ بنك السودان عدم إقبال القطاع الخاص على فتح بنوك في الجنوب لغياب البنيات التحتية والنشاط الاقتصادي الجاذب. وأوضح أن سياسة دمج البنوك لم تنجح تماما بسبب مقاومة مجالس الإدارات والموظفين.

وفيما يلي نص لحوار محافظ بنك السودان د.صابر محمد الحسن مع «الشرق الأوسط» > هل يعتبر السودان من الدول التي تأثرت مباشرة من تداعيات الأزمة المالية العالمية؟ - الأثر المباشر للأزمة المالية العالمية وتداعياتها لطم بشدة الدول التي تتعامل في الأصول الافتراضية في الأسواق المالية، وكذلك الذين استثمروا في هذه الأصول في الولايات المتحدة وأوروبا بوجه خاص، أما السودان فيتبع في معاملاته النظام المصرفي الإسلامي لذلك ليس لديه شركات أو مصارف أو استثمارات في هذه الأصول، كما أن الحظر الأميركي علينا «ورب ضارة نافعة» عزلنا من الإصابة بحمى الأزمة المالية العالمية. > ولكن ألا يشكل هبوط أسعار النفط الحاد تأثيرا مباشرا على عائدات السودان؟ - الواقع أننا تأثرنا في جوانب أخرى ومنها المتمثل في انهيار أسعار البترول من 140 دولارا إلى أقل من النفط 40 دولارا، ولذلك تأثرت ميزانية الدولة لأنها اعتمدت إلى حد كبير على عائدات النفط السوداني.

> وماذا عن تأثير الأزمة المالية على البنوك والمعاملات المالية؟ - في الواقع أنها أدت إلى تقليص التسهيلات الخارجية الممنوحة من المؤسسات بالنسبة للبنك المركزي وللبنوك التجارية في السودان نتيجة لأزمة السيولة التي ضربت المؤسسات المالية في الخارج، كما أن زلزال الأزمة المالية العالمية أحدث انهيارا في أسعار السلع الأولية وفي الصناعات الأولية، والسودان تضرر من جراء ذلك. > هل تعتقد أن السياسات والقرارات الأخيرة بمقدورها تطويق الأزمة المالية العالمية وتداعياتها؟

- اعتقد أن الأثر الكلي لحجم تداعيات الأزمة المالية العالمية لم يتكشف بعد وأن تداعيات جديدة ستأخذ طريقها وستفضي إلى آثار جمة، وأتوقع أن تتحول الأزمة المالية العالمية إلى أزمة قوية في الأسواق المالية وتشكل ركودا اقتصاديا سيكون الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. ولقد بدأ هذا الركود بالفعل في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وأخذ يتمدد إلى الدول الناشئة أو الدول النامية وسيقود ذلك إلى تفشي البطالة ومشاكل اجتماعية كبيرة. > هل سيتأثر الجنيه السوداني ويتراجع في قيمته؟ - البنك المركزي يتبع نظام سعر الصرف الحر المدار، وهو سعر غير ثابت ولكنه مستقر. صحيح أن أي تغييرات في أساسيات الاقتصاد لها تأثيرها على سعر الصرف وبالتالي يتحتم على البنك المركزي الأخذ في الاعتبار هذه التغييرات للحيلولة دون آثار ضارة أو عدم استقرار في سعر الصرف، ولا نتوقع في هذه المرحلة آثارا سالبة على سعر صرف الجنيه السوداني أو الدولار.

> هل تم التحول من التعامل التقليدي بالدولار إلى العملات الأخرى؟ - رغم أن الدولار هو العملة السائدة في العالم فإن الحظر الأميركي على السودان خلق نوعا من المخاطر في التعامل بالدولار. ولتقليل سياسة التحدي التدريجي من الدولار نتعامل مع عملات أخرى كالإسترليني واليورو وعملات شركائنا التجار بين الرئيسين كالصين ودول شرق آسيا ودول الخليج. وقد قطعنا شوطا مقدرا في هذا الجانب ومعظم معاملاتنا المالية والمدفوعات تتم بغير الدولار.

> وكيف يمكن الخروج من الأزمة المالية العالمية وتداعياتها القائمة خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث وبينها السودان؟ - للأسف الشديد فإن الدول التي صنعت الأزمة المالية هي وحدها القادرة على احتواء آثارها. وبالنظر إلى الولايات المتحدة نجدها تضخ الآن مليارات الدولارات لتطويق تداعياتها. الدول البعيدة والأقل نموا ستكون الأكثر تضررا من نتائج الأزمة وستتردى قدراتها وتضعف مواردها ويتراجع نموها.

> وماذا عن السودان بوجه خاص؟ - سيتعين على السودان إعادة النظر في الموازنة العامة واتباع سياسة تقشفية وتخفيض الإنفاق والأخذ بسياسات عملية جادة والاهتمام بالقطاعات الإنتاجية غير البترول، والتخلص تماما من ( المرض الهولندي) أي الاعتماد على النفط بعد انهيار أسعاره وإيجاد موارد إضافية من مصادر غير بترولية كالمنتجات الزراعية والمعادن، وتوسيع القاعدة الضريبية غير توسيع الإنتاج في القطاعات الحيوية الأخرى. ولحسن حظ السودان يمتلك موارد هائلة، تتمثل في الأراضي الخصبة، والمياه والمعادن وبالتالي التركيز على الزراعية بتقنية متقدمة، وكذلك الثروة الحيوانية والثروة المعدنية.

> إذا أدى تراجع عائد النفط إلى تأثير حاد على الموازنة العامة بالنسبة للحكومة الاتحادية، فما هو تأثيره على حكومة الجنوب؟ - الحكومة الاتحادية تعاني من ضعف الإيرادات، وبالتالي تلجأ إلى معالجات عديدة لمواجهة الوضع المالي المتأزم والاستفادة من موارد أخرى. ولكن الوضع بالنسبة لحكومة الجنوب يعتبر الأسوأ لأن إيرادات حكومة الجنوب تعتمد بالكامل على عائدات البترول، وليس لديها إيرادات أخرى.

> ما هو دور البنك المركزي بالنسبة لمعالجة الأزمة في الجنوب؟

- اتفاقية السلام الشامل للجنوب تمنع البنك المركزي من التعامل مع حكومة الجنوب، حيث كفلت لها صلاحيات واسعة لإدارة الجنوب. ولكن مسؤولية البنك المركزي تقتضي العمل على تخفيض آثار الأزمة المالية على الاقتصاد بشكل عام من خلال توفير السيولة وضمان استقرار سعر الصرف وتوفير النقد المطلوب للنشاط الاقتصادي الحيوي والضروري وكذلك التعاون التام مع الجهات المعنية في مواجهة الأزمة المالية وتداعياتها.

> هل نجح النظام المصرفي في الجنوب؟ - اتفاقية السلام تسمح بقيام نظام مصرفي تقليدي في الجنوب إلى جانب استمرار النظام المصرفي الإسلامي في الشمال، وعهدت إلى البنك المركزي للاضطلاع بهذه المهمة. وتم إنشاء بعض المصارف في الجنوب. ولكن القطاع الخاص لم يقبل على إنشاء بنوك في الجنوب لعدم توفير البنيات التحتية ولغياب النشاطات الاقتصادية التي تغري بالتعامل. إن الأمور تسير ببطء في التعامل المصرفي بالجنوب. كما أن النظام المصرفي في الجنوب يواجه مشكلة إدارة السياسة النقدية والفصل الجغرافي وإدارة السيولة.

> هل نجحت سياسة البنك المركزي للدمج ولقيام مصارف كبيرة في السودان؟ - عندما أعلن البنك المركزي سياسة دمج البنوك بدافع تقوية المراكز المالية للمصارف وانتهج معها سياسة العصا والجزرة بغرض التشجيع والتحفيز من جهة أعمال القانون المصرفي ومن جهة أخرى لتحقيق الدمج بين البنوك ولكن السياسة لم تحضر النجاح المتوقع، على المستوى المطلوب. ولذلك لجأ البنك المركزي لتوجهة البنوك للعمل بنظام المجموعات المصرفية، ونظام التحالفات تمهيدا لقيام مجموعات مصرفية تكون قادرة على المعاملات المصرفية الكبيرة وفي دوائر اقتصادية أوسع.

> ولكن لماذا لم تنجح خطة دمج البنوك مع جدواها الاقتصادية والمصرفية ؟ - لوجود مقارنة تستهدف الإبقاء على الملكية المحدودة، وذلك من جانب إدارات البنوك وكذلك الموظفين الذين تخوفوا من الدمج اعتقادا منهم أنه سيؤدي إلى الاستغناء عن بعضهم، وهو أمر غير صحيح.