الحكومة الأميركية تعلن تفاصيل اختبار «قوة تحمل المصارف»

تفترض السيناريوهات انكماش الاقتصاد 2% العام الحالي ومعدلات البطالة إلى الذروة

TT

أصدرت إدارة أوباما أوامرها أمس إلى أكبر 19 مصرفا على مستوى البلاد بخوض اختبارات ضغط للتعرف على ما إذا كان بمقدورها الاستمرار إذا ما ازدادت الأوضاع الاقتصادية ترديا. إلا أن المحللين يقولون إن أسوأ السيناريوهات التي توقعتها الإدارة، والتي وصفتها بغير المحتملة، ليست أصعب بكثير عما توقعته بالفعل الكثير من الجهات الخاصة. وطبقاً للإرشادات الجديدة الصادرة عن وزارة الخزانة، سيتعين على المصارف افتراض انكماش الاقتصاد بمقدار 3.3 في المائة خلال هذا العام وأن يبقى ثابتاً تقريباً خلال عام 2010. كما سيتعين على المصارف افتراض تراجع أسعار العقارات بنسبة 22 في المائة إضافية هذا العام، وتفاقم معدلات البطالة لتبلغ 8.9 في المائة، لتلامس 10.3 في المائة عام 2010. ومن جهته، علق دايفيد هندلر، المحلل لدى مؤسسة كريديت سيتس: «لا أعتقد أنها قاسية بالقدر الكاف»، مشيراً إلى أن السيناريوهات السلبية الصادرة عن الحكومة تتسم بقدر مفرط من التفاؤل حيال النمو الناشئ عن برنامج التحفيز الاقتصادي الذي اقترحه الرئيس أوباما، قائلا «تلك ستكون نتيجة طيبة، لكن عليك التحسب للأسوأ». وبصورة عامة تفترض السيناريوهات المستقبلية التي وضعتها المؤسسات الخاصة انكماش الاقتصاد بنسبة 2 في المائة هذا العام ووصول معدلات البطالة إلى الذروة عند مستوى أقل قليلا من 9 في المائة عام 2010. أما غالبية التوقعات المتعلقة بأسعار العقارات فتدور حول تراجع الأسعار بنسبة 14 في المائة هذا العام، و4 في المائة إضافية العام المقبل. يذكر أن التوقعات الصادرة في الفترة الأخيرة عن مصرف الاحتياطي الفيدرالي وغالبية المؤسسات الخاصة، قللت من تقديرها لحدة الانكماش الاقتصادي. وسيتعين على المصارف الكبرى ـ وهي تلك التي تملك أصولاً تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار ـ إجراء تحليلات، تخضع للإشراف الحكومي، بحلول نهاية ابريل (نيسان) حول حجم رأس المال الذي سيستنزف في ظل السيناريوهات التي وضعتها وزارة الخزانة. وإذا ما توصل المسؤولون الفيدراليون المعنيون بتنظيم القطاع المصرفي إلى مصرف ما لن يتوافر لديه رأس مال كاف في ظل هذه الظروف، سيتحتم على هذا المصرف جمع أموال إضافية في غضون ستة أشهر أو الحصول عليها من الحكومة مقابل التنازل عن حصة كبيرة في ملكيته. إضافة إلى ذلك، حددت وزارة الخزانة، الشروط التي على أساسها سيتم منح المصارف رأس المال الإضافي، والصيغة التي يمكن أن تجعل من الحكومة مساهما كبيرا في مصارف مثل سيتي غروب عبر ضخ قدر متواضع من رأس المال فقط. وأعلنت وزارة الخزانة أنها ستوفر رؤوس أموال جديدة مقابل حصص في الأسهم المميزة يمكن تحويلها إلى حصص من الأسهم العادية بأسعار تقل قليلاً عن مستوى تداول الأسهم في 9 فبراير (شباط). وبالنسبة للكثير من المصارف الكبرى، سيكون هذا السعر أعلى قليلاً من الأسعار المدرجة حالياً، لكنها مع ذلك تبقى في مستوى بالغ الانخفاض مقارنة بما كان عليه الحال منذ عام واحد مضى. ويرى المحللون أن عرض الإدارة توفير رؤوس أموال إضافية من شأنه فعلياً إقرار حد أدنى لأسعار أسهم المصارف الكبرى، التي ستتمكن الآن من جمع المزيد من الأموال بتكلفة أقل حال انخفاض القيمة السوقية لأسهمها عن المستوى الذي كانت عليه في 9 فبراير (شباط). والملاحظ أن مسؤولي الإدارة، الذين يصرون على رغبتهم بتجنب التأميم الكامل للمصارف، تركوا لأنفسهم مساحة كبيرة تسمح بحرية التصرف حول كيفية تفسير نتائج اختبارات الضغط. وفي إطار مؤتمر مع المراسلين الصحافيين عبر الهاتف، أوضح مسؤولون من مصرف الاحتياطي الفيدرالي ومكتب مراقبة العملة، أنه لن يكون هناك مقياس بسيط «لنجاح» أو «رسوب» المصارف في الاختبار، وكشفوا عن وصف مبهم لكيفية تفسيرهم للنتائج. من ناحيته، قال بول جيه. ميلر، المحلل بشركة فريدمان للسمسرة المتخصصة بمجال الأسهم المصرفية: «بالتأكيد يبدو لي أنهم يخططون لجعل الأمر يبدو وكأن النظام المصرفي في وضع عظيم». وقال مسؤولون في الإدارة إنهم يسعون للتأكد من أن المصارف الكبرى على مستوى البلاد ستظل متمتعة بمستويات ملائمة من رؤوس الأموال حال تردي حالة الركود الاقتصادي بدرجة بالغة عما كان متوقعاً. وأضافوا أن هدفهم يتمثل في رفع مستوى ثقة المستثمرين والمودعين في المصارف الكبيرة، من خلال توفير أدلة ملموسة على تمتع هذه المؤسسات بأموال كافية، سواء كان عليها جمعها من مستثمرين من القطاع الخاص أو الحصول عليها من أموال دافعي الضرائب. وأكد مسؤولو الإدارة على عدم وجود حد أقصى على حجم الأموال التي يمكن لمؤسسة ما الحصول عليها، ورفضوا تقدير حجم الموال التي ستضخها الحكومة في نهاية الأمر قبل انفراج الأزمة الاقتصادية الراهنة. وأشار المسؤولون إلى أن المصارف و«المؤسسات المالية المؤهلة» الأخرى، التي تتضمن حالياً مصارف استثمارية وشركات تأمين تعد جزءا من شركات تملكها مصارف، يمكنها الشروع على الفور في التقدم بطلبات للحصول على أموال.

يذكر أن وزارة الخزانة استغلت بالفعل أو خصصت أول 350 مليار دولار من إجمالي مبلغ الـ700 مليار دولار المخصصة لبرنامج الإنقاذ المالي الذي وافق عليه الكونغرس الخريف الماضي. ويعتقد الكثير من المحللين أن الإدارة سيتعين عليها التقدم بطلب للكونغرس للموافقة على المزيد من الإنفاق في هذا الاتجاه، رغم رفض مسؤولي الإدارة إعلان أي توقعات بهذا الشأن حتى الآن. ومن جانبه، قال كريستوفر والن، المدير الإداري بمؤسسة انستيتيوشنال ريسك أنالتكس، إن «سيتي غروب» والمصارف الكبرى الأخرى ستمنى بالإفلاس بالتأكيد بمجرد تحملها كافة الخسائر المترتبة على الانكماش الاقتصادي. واستطرد والن موضحاً أن: «اختبار الضغط يتعلق بالجانب السياسي. إن مكتب مراقبة العملة ومصرف الاحتياطي الفيدرالي يعلمان النتيجة بالفعل. والنتيجة هي أنه سيتعين علينا اتخاذ قرار بشأن ما إذا كنا سنقدم المزيد من الأسهم أم أننا سنسوي مشكلات المصارف عبر إعلان إفلاسها؟» وفي الوقت الذي يصيغ مسؤولو وزارة الخزانة القواعد الرئيسة لدفع المصارف للمرور بسلام عبر الأزمة الراهنة، التقى الرئيس أوباما بمشرعين داخل الكونغرس للبدء بمناقشات حول إجراء إصلاح أوسع لكيفية إشراف الهيكل التنظيمي المالي على المخاطر في المستقبل. وبعد الاجتماع، قال أوباما إن المبدأ الأول للنظام الجديد ينبغي أن يتمثل في أن المؤسسات المالية «التي تشكل خطورة كبيرة على الأسواق ينبغي إخضاعها لإشراف جاد من قبل الحكومة». وأضاف أن الهيكل التنظيمي ينبغي تعزيزه لتحمل الضغوط الكبرى وأنه ينبغي على الحكومة اتخاذ خطوات نحو إعادة بناء الثقة في الأسواق عبر تعزيز الشفافية.

* خدمة نيويورك تايمز