مساعد الرئيس الأميركي أورزاج.. خبير اقتصادي محنك من تيار الوسط

شكل عنصرا جوهريا في مفاوضات تمرير خطة التحفيز الاقتصادي التي طرحها أوباما

بيتر أورزاج مدير مكتب الإدارة والميزانية (إ. ب. أ)
TT

بالأمس، حدد مسؤول نحيل، يرتدي نظارة طبية المعالم المالية للحقبة الرئاسية الجديدة، وهو شخص يتحلى بالتواضع، عادة ما يشيرإلى نفسه بفخر باعتباره«الأحمق الأكبر» في الإدارة الجديدة. وأمام حشد من المراسلين تابعوا إعلانه عن أول ميزانية يقرها الرئيس أوباما، قال بيتر أورزاج، مدير مكتب الإدارة والميزانية: «آمل ألا أصيب جميع الحضور في الغرفة بالسأم».

يعتبر أورزاج، 40 عاماً، أصغر أعضاء كبار مسؤولي الإدارة الجديدة. وقد حصل على نفوذ هائل في إطار الدائرة الضيقة التي أطلق أوباما على أعضائها «العقول الدافعة»، في إشارة إلى فريق من الخبراء الاقتصاديين والمفكرين البارزين. وقد أثار أورزاج بالفعل دهشة المشرعين داخل الكونغرس بتحوله بين عشية وضحاها من أكاديمي عمل بعيداً عن دائرة الضوء خلال خدمته في مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس إلى مسؤول سياسي معني بإبرام الاتفاقات شكل عنصرا جوهريا في المفاوضات التي جرت حول تمرير خطة التحفيز الاقتصادي التي طرحها أوباما. على امتداد الأسبوع الماضي، كشف أورزاج النقاب عن ميزانية بقيمة 3.6 تريليون دولار وعقد اجتماع قمة حول «المسؤولية المالية» بهدف التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية التي تجابهها البلاد وتعزيزالأجندة الداخلية للرئيس. ومن المتوقع أيضاً أن يضطلع بدور رائد في الجهود الرامية لإصلاح نظام الرعاية الصحية على مستوى البلاد. يصف أورزاج نفسه بأنه خبير اقتصادي ينتمي لتيار الوسط ناضل ضد مقترح الرئيس جورج دبليو. بوش بخصخصة الأمن الاجتماعي. ويؤمن أن التكاليف المتفاقمة للرعاية الصحية تشكل التهديد الأكبر للصحة المالية للبلاد. ويخشى من أنه حال عدم كبح جماحها، فإن تكاليف الرعاية الصحية ستصبح «المحرك الرئيس» للأزمة الاقتصادية. وأكد أورزاج في لقاءأُُجري معه هذا الأسبوع، قائلاً: «إننا نواجه أزمة اقتصادية قصيرة الأمد بالغة الخطورة، وقد منينا بهذه العجوزات في الميزانية منذ فترة وأصبحت أكبر بكثيرعما سبق توقعه منذ عام أو عامين ماضيين. وإذا لم نتحرك، سينتهي بنا الحال في مواجهة أزمة مالية». يعد أورزاج واحداً من أقل الشخصيات من حيث تركز الأضواء عليها، وفي الوقت ذاته الأكثر نفوذاً من بين مساعدي أوباما. إلى جانب وزير الخزانة، تيموثي إف. غيتنر، ومدير المجلس الاقتصادي الوطني، لورانس إتش. سمرز، يقدم أورزاج تقريراً موجزاً إلى أوباما في المكتب البيضاوي في تماما التاسعة والنصف صباح كل يوم. من ناحيته، علق رام إيمانويل، رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض، على شخصية أورزاج بقوله:«لا يأتي ويقول «لدينا مشكلة»، وإنما يقول «أواجه مشكلة، وهذا اقتراحي بالنسبة للحل»... أعجز عن تخيل أننا كنا سنتمكن من بلوغ هذه النقطة من حيث تمرير قانون التحفيز الاقتصادي وبعد 10 أيام تتوافر لدينا هذه الميزانية لولا تولي بيتر أورزاج إدارة الأمرين.

داخل مكتب الإدارة والميزانية، يقود أورزاج 500 موظف يعملون لدى المكتب المعني بتحليل التكاليف واتخاذ القرارات التي توجه غالبية الإنفاقات الحكومية. من جهته، أكد آلان إس. بليندر، الخبير الاقتصادي بجامعة برنستون، الذي تولى إرشاد أورزاج وتقلد مناصب عليا في إدارة كلينتون، أنه:«لا يتم اتخاذ أي إجراء له صلة بالمال من دون مشاركة مكتب الإدارة والميزانية ... عندما يدخل البنتاغون في محادثات حول الأهداف، لا يشركون مكتب الإدارة والميزانية. لكن عندما يتحدثون عن عدد السفن الحربية التي يريدونها، يشركون حينئذ مدير مكتب الإدارة والميزانية». ربما يعارض الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس أولويات الإنفاق التي وضعها أوباما، لكن الكثيرين منهم يولون تقديراً كبيراً لأورزاج، عضو تيار الوسط داخل الحزب الديمقراطي. على سبيل المثال، خلال جلسة الاستماع التي حضرها أورزاج الشهر الماضي، قالت السيناتور جود جريج، أبرز الجمهوريين داخل لجنة شؤون الميزانية: «لا أدري لماذا نعقد جلسة الاستماع هذه، مشيرة إلى أن كل من بالغرفة» يدعمون أورزاج ونائبه، روبرت نابروس. والواضح أن منصب أورزاج الجديد يحمل معه نمطاً من الشهرة. وقد أصبح أورزاج، المطلق وأب لطفلين، فجأة أحد أشهرعزاب واشنطن. إلا أنه لا يحرم نفسه من بعض متع الحياة، فعندما أتم نجله، جوشوا، عامه السابع، اصطحبه أورزاج لتناول الإفطار داخل البيت الأبيض. وبطبيعة الحال، توقعت ابنته ليلا معاملة مشابهة عندما أتمت عامها التاسع بالأمس ـ متزامن مع يوم الإعلان عن الميزانية. وقد طلب منها أورزاج إرجاء موعد الإفطار ليوم آخر، لكنها أصرت على أن يكون في يوم ميلادها. وعلق أورزاج على هذا بقوله: «أصطحب ابنتي إلى البيت الأبيض في خضم كل هذه الفوضى». يعتبر أورزاج أحد عدائي الماراثون، وعادة ما يستيقظ في الرابعة والنصف صباحاً لممارسة العدو داخل روك كريك بارك. ومن وقت لآخر، يقطع المسافة بين مكتبه في وسط المدينة إلى منزله في فريندشيب هايتس عدواً. والواضح أن الاقتصاد كان بمثابة عمل أسري بالنسبة لأورزاج، الابن الثاني من بين ثلاثة أبناء لبروفسير رياضيات بجامعة ييل، في صباه، كان أورزاج يجري العمليات الحسابية على جهاز الحاسب الآلي الخاص بوالده. ورافق والده إلى الاجتماعات الأكاديمية بمختلف أنحاء العالم، منها معهد فيزياء في فرنسا ومعمل وطني في لوس ألاموس وجامعة كامبريدج في إنجلترا. وتقول والدته، ريبا أورزاج:«لقد تعرض للكثير من التجارب». وعندما كان طالباً، كان يقبل على قراءة السير الذاتية بنهم، وأبدى طموحاً ورغبة في المنافسة ودقة بالغة، حسبما ذكرت والدته، التي أضافت أنه كان ينجز واجباته المدرسية قبل أيام من موعد تسليمها. عام 1993، ومع حصوله على درجة علمية من برنستون ودكتوراه من مدرسة لندن للاقتصاد، انضم أورزاج إلى فريق العمل في البيت الأبيض في ظل رئاسة كلينتون، وسرعان ما نال إعجاب كبار الخبراء الاقتصاديين. من جهته، أكد آلان غرينسبان، الرئيس السابق لمصرف الاحتياطي الفيدرالي، أنه «منبهر» بعمق معرفة أورزاج. وأضاف: «بيتر أورزاج فني جيد حسب علمي». بعد توليه عدد من المناصب الأخرى، منها إدارة مشروع هاميلتون بمعهد بروكنغز، انتقل أورزاج للعمل لدى مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس عام 2007. وهناك، تمكن من إقامة علاقات مع مشرعين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وتجلت فائدة هذه العلاقات الشهر الماضي عندما أرسله أوباما إلى مكتب زعيم الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، هاري إم. ريد، لضمان الاتفاق حول الحوافزالاقتصادية مع العناصر المعتدلة المترددة. وقال جيم مانلي، المتحدث الرسمي باسم ريد، عن أورزاج:«لم يكن مجرد شخص مثقف فحسب، وإنما كان مدركاً للاعتبارات السياسية أيضاًَ». وقد ساعد أورزاج في الفوز بتأييد ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين، اتسمت أصواتهم بأهمية جوهرية. وفي وقت لاحق، تحدث ريد إلى أعضاء المجلس، واصفاً أورزاج بأنه «رجل متقد الذكاء». لكن حتى الأذكياء يقترفون أخطاء، فخلال أول يوم أحد يمرعلى أورزاج في منصبه الجديد، قرر تشغيل المدفأة بمكتبه داخل مبنى أيزنهاور المكتبي التنفيذي. كانت قطع الخشب متوافرة بالفعل في المدفأة، وظناً منه أن المدفأة تعمل، أوقد أورزاج النار.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»