4 تريليونات دولار حجم صناديق الثروة السيادية منها 2.5 تريليون دولار للدول النفطية

التدفقات المالية عوضت الخسائر

TT

رغم أن نشأة صناديق الثروة السيادية ترجع إلى عقود ماضية، فقد اجتذبت هذه الكيانات الأضواء بدرجة كبيرة منذ بداية أزمة القروض. وحسبما يكشف هذا التقرير الصادر عن مؤسسة الخدمات المالية الدولية (آي إف إس إل) في لندن، فمن المحتمل أن تزداد أهمية هذه الصناديق كعناصر مشاركة في الأسواق المالية العالمية على امتداد السنوات المقبلة مع استمرار تدفق الأموال من الفوائض التجارية وتصدير السلع. وحسب تقديرات التقرير، ارتفعت قيمة الأصول الخاضعة لإدارة صناديق الثروة السيادية بنسبة 18 في المائة خلال عام 2008، لتصل إلى 3.9 تريليون دولار. أما الخسائر التي منيت بها الصناديق في ما يتصل ببعض استثماراتها خلال العام، فقد تم تعويضها بتدفقات مالية جديدة تجاوزت حجم الخسائر. ويضاف الى ذلك، توجد 5.5 تريليون دولار إضافية ارتبطت بكيانات استثمارية سيادية أخرى، مثل صناديق المعاشات والصناديق التنموية. ومن المتوقع تباطؤ معدل النمو السنوي الذي شهدته صناديق الثروة السيادية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، والبالغ 18 في المائة، جراء انخفاض أسعار السلع في الفترة الأخيرة، خاصة النفط، وانكماش الاقتصاد العالمي، ما قد يسفر عن تباطؤ عمليات تراكم احتياطيات النقد الأجنبي في الدول الآسيوية. ومع ذلك، يتوقع التقرير أن تتضاعف قيمة أصول صناديق الثروة السيادية من مستواها الحالي إلى قرابة 8 تريليون دولار عام 2015. إلا أن تقديرات حجم هذه السوق تتباين تبعاً لاختلاف التعريفات المتعلقة بصناديق الثروة السيادية والكشف المحدود عن المعلومات وغياب الشفافية لدى الكثير من هذه الصناديق. ومن المنتظر أن تثمر مجموعة القواعد والممارسات العامة المقبولة بالنسبة لصناديق الثروة السيادية التي تم نشرها في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، والجهود الإضافية التي يبذلها صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على هذا الصعيد، مزيدا من الشفافية داخل هذه السوق. والجدير بالذكر انه منذ اندلاع أزمة الرهن العقاري، تكبدت صناديق الثروة السيادية، خاصة الآسيوية منها، خسائر ضخمة في ما يتصل بما يزيد على 60 مليار دولار تستثمرها في المصارف التابعة للولايات المتحدة وسويسرا والمملكة المتحدة. ونتيجة لذلك ولحالة الانكماش التي مني بها الاقتصاد العالمي، أولت صناديق الثروة السيادية اهتماماً أكبر خلال الفترة الأخيرة إلى عمليات ضخ السيولة والمساعدة في تنشيط اقتصادياتها المحلية. ووصلت قيمة ما تملكه صناديق الثروة السيادية التي يجري تمويلها من خلال عائدات الصادرات من السلع، خاصة النفط، إلى 2.5 تريليون دولار بنهاية عام 2008. أما الرقم المناظر لدى صناديق الثروة السيادية غير المعتمدة على السلع، والتي يجري تمويلها عبر نقل أصول من هيئات احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية، وفي بعض الحالات من جانب الفوائض في الميزانيات الحكومية والاحتياطيات المرتبطة بالمعاشات وعائدات الخصخصة، فبلغ 1.4 تريليون دولار، ما يعادل ضعف ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات. وبدأت الصناديق غير المرتبطة بالسلع في الاستحواذ على نصيب متنامٍ من الأصول المملوكة لصناديق الثروة السيادية، وربما ترتفع هذه الحصة التي بلغت 35 في المائة بنهاية عام 2008 إلى مستوى يتجاوز النصف بحلول عام 2015. وتعتبر العاصمة البريطانية لندن، على وجه التحديد، مركزاً مهماً بالنسبة لسوق صناديق الثروة السيادية كدار مقاصة وموقع تدار منه بعض هذه الصناديق. من جانبها، ترحب صناعة الخدمات المالية داخل المملكة المتحدة باستثمارات صناديق الثروة السيادية على أساس أن المملكة المتحدة تتمتع بإطار عمل في ما يتصل بالتنظيمات والمنافسة والأمن القومي يضمن توافق كافة الاستثمارات الأجنبية، سواء أكانت من جانب صناديق ثروة سيادية أم لا، مع معايير مناسبة. وتبدي حكومة المملكة المتحدة التزامها بالعمل على ضمان استمرار البلاد كسوق مفتوحة وتنافسية أمام الاستثمارات الدولية. وتشير الأرقام إلى أن أصول صناديق الثروة السيادية أكبر من تلك الخاصة بصناعة صناديق التحوط، لكنها أقل بكثير عن الأصول الخاصة بالصناديق التقليدية لإدارة الأصول (صناديق المعاشات والتأمينات الاستثمارية). إلا أن الأصول المملوكة لصناديق الثروة السيادية تزداد بمعدل كبير عن الحال لدى الفئات الأخرى من المستثمرين. ولا تعتبر صناديق الثروة السيادية ظاهرة جديدة، خاصة داخل الدول الغنية بالموارد الطبيعية، لكن الجديد هو تركز الأضواء عليها خلال الفترة الأخيرة. والملاحظ أن نصف أكبر أربعين صندوقا للثروة السيادية ُأسس منذ عام 2000. لكن الكثير من صناديق الثروة السيادية الكبيرة كان قائماً منذ عقد على الأقل، بل ويرجع تاريخ تأسيس البعض إلى خمسينات القرن الماضي. وقد تزايد الاهتمام بهذه الصناديق بدرجة كبيرة منذ عام 2007. وكان من شأن اندلاع أزمة الاعتماد تسليط الضوء على الدور المتنامي لاستثمارات رأس المال المرتبطة بحكومات أجنبية، خاصة في الأسواق التي تعاني ندرة السيولة. تشكل صناديق الثروة السيادية مجرد واحدة من قنوات كثيرة تنشر الحكومات من خلالها أصولها المالية. وتعتمد صناديق الثروة السيادية في تمويلها على الفوائض في الميزانية الناشئة عن صادرات النفط والسلع الأخرى أو السلع المصنعة، أو الفوائض المالية أو المدخرات العامة أو عائدات الخصخصة أو الاحتياطيات الخاصة بالمعاشات. تنقسم صناديق الثروة السيادية إلى فئتين كبريين: الصناديق السلعية، التي تتلقى تمويلها بصورة رئيسة من عائدات النفط، والصناديق غير السلعية التي يجري تمويلها بصورة رئيسة من جانب مؤسسات احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية، وفي بعض الحالات، الاحتياطيات المتعلقة بالمعاشات. وتشير مؤسسة الخدمات المالية العالمية إلى أن حوالي ثلثي صناديق الثروة السيادية عند نهاية عام 2008 كانت تنتمي للصناديق السلعية. ومع ذلك، شهدت صناديق الثروة السيادية غير السلعية تنامياً بمعدل أسرع على امتداد العقد الماضي. جاء حوالي 45 في المائة من أموال صناديق الثروة السيادية إلى دول غنية بالنفط تقع في الشرق الأوسط عند نهاية عام 2008. وجاءت آسيا في المرتبة التالية بحوالي ثلث الإجمالي، واتت معظم هذه الأموال من فوائض هيئات احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية. أما باقي الأموال فجاءت في معظمها من أوروبا، خاصة النرويج. كما تحتل دول شرق ـ أوسطية مكانة بارزة على صعيد ترتيب الدول. على سبيل المثال، شكلت الإمارات العربية المتحدة مصدر ربع الإجمالي العالمي. أما الصين فشكلت الخمس، تلتها سنغافورة والسعودية بما يزيد على 10 في المائة لكل منهما. تتمثل أكبر صناديق الثروة السيادية في مجلس أبو ظبي الاستثماري (875 مليار دولار)، سما للاستثمارات الأجنبية (433 مليار دولار)، الشركة الاستثمارية التابعة لحكومة سنغافورة (330 مليار دولار)، شركة إس إيه إف إي للاستثمار (312 مليار دولار). كانت سنغافورة أكبر مستثمر نشط في ما يخص صناديق الثروة السيادية بمجال الاستحواذ على الشركات وأسهم الأقلية خلال السنوات الأخيرة، تلتها الإمارات العربية المتحدة والصين. والجدير بالذكر أن هناك كيانات استثمارية سيادية أخرى بخلاف صناديق الثروة السيادية، رغم وجود الكثير من العناصر المشتركة بينهما. ومن هذه الكيانات صناديق احتياطيات المعاش العامة وصناديق الاستثمار الحكومية والصناديق التنموية الحكومية والشركات المرتبطة بالحكومة. وتقدر مؤسسة الخدمات المالية الدولية أن حجم الأصول المملوكة للكيانات الاستثمارية السيادية (باستثناء صناديق الثروة السيادية) تراجع بنسبة 10 في المائة عام 2008 ليصل إلى 5.5 تريليون دولار. ويرجع هذا التراجع بصورة رئيسة إلى انخفاض قيمة أصول المعاشات الموجودة لدى هذه الصناديق جراء تراجع قيمة الاستثمارات مع انحسار أسعار السلع وأسواق الأوراق المالية. وتحتفظ دول مثل الولايات المتحدة واليابان والسويد بصناديق قيمتها الاجمالية تبلغ حوالي 4 تريليون دولار، في بعض الأحيان عبر هيئات الأمن الاجتماعي، من أجل تمويل المدفوعات المستقبلية للمعاشات. وتتضمن الصناديق المتبقية صناديق تنموية حكومية وشركات استثمارية حكومية واستثمارات خارجية لشركات مملوكة للحكومات. صناديق الثروة السيادية للسلع يتم تمويل صناديق الثروة السيادية للسلع أو الموارد الطبيعية بصورة أساسية من عائدات صادرات النفط إلى جانب تمثيل عائدات الغاز والمعادن كموارد هامة. وقد أنشأ غالبية مصدري النفط صناديق ثروات سيادية لاستثمار فوائض عائدات النفط في الأصول المالية العالمية، ويأتي من بين المستثمرين الآخرين البنك المركزي وصناديق الاستثمار الحكومي والشركات الخاصة أو التي تسيطر عليها الحكومة والأفراد ذات القيمة الصافية العالية. وتضم الدول المصدرة للنفط الرئيسة دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط والنرويج وروسيا ونيجيريا وفنزويلا وإندونيسيا.

وتشير تقديرات مؤسسة الخدمات المالية الدولية الى أن 60 في المائة من حجم الاستثمارات الأجنبية للدول المصدرة للنفط البالغ 5.0 تريليون دولار احتفظت بها الحكومات في نهاية عام 2008، أما الباقي فيهيمن عليه الأفراد بالغو الثراء (جدول رقم 9)، أما أربعة أخماس التمويلات التي تتحكم فيها الحكومة، وتركز صناديق الثروات السيادية للسلع على الحفاظ على استقرار الاقتصاد الداخلي ضد مخاطر أسعار تقلب أسعار السلع وتقديم موجة من الدخل للأجيال المقبلة في حال التراجع الشديد في عائدات صادرات النفط والسلع الأخرى.

وتأتي أصول صناديق الثروات السيادية للسلع من صادرات السلع التي تضاعفت خلال العقد الماضي لتصل إلى 2.5 تريليون دولار في نهاية 2008 . وقد تناقصت حصة صناديق السلع من الأصول الإجمالية لصناديق الثروات السيادية للسلع خلال العقد الماضي من 87 في المائة إلى 65 في المائة نتيجة للنمو السريع في صناديق الثروات السيادية من احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية لدول آسيا. وتقدر مؤسسة الخدمات المالية الدولية أن صناديق الثروات السيادية من السلع ستزداد إلى أكثر من 3.5 مليار دولار بحلول عام 2015، غير أن ذلك يعتمد بصورة كبيرة على السعر المستقبلي للنفط والسلع الأخرى. ومن المتوقع ان أكبر مصادر للصناديق في السنوات المقبلة ربما تكون الدول ذات الاحتياطات الأكبر للنفط مثل السعودية وكندا وإيران.

صناديق الثروات السيادية غير السلعية يتم تمويل صناديق الثروات السيادية غير السلعية بصورة كبيرة عبر تحويل الأصول بصورة مباشرة من الاحتياطيات من النقد الأجنبي الرسمي وفي بعض الحالات من فوائض الميزانية الحكومية واحتياطيات المعاشات وعائدات الخصخصة. ونتيجة لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي الرسمي خلصت بعض المؤسسات النقدية إلى أن احتياطياتها تزيد عن احتياجاتها الآنية. وقد بلغ احتياطي النقد الأجنبي الرسمي حوالي 7.4 مليار دولار في صناديق الثروة السيادية، وهو ما يقارب ضعفي إجماليه منذ ثلاثة أعوام. تحتفظ تلك الصناديق بنصيب متزايد من صناديق الثروات السيادية العالمية، ومن المحتمل أن يرتفع نصيبها، الذي بلغ 35 في المائة في نهاية عام 2007 بحوالي النصف بحلول عام 2015.

كانت البنوك المركزية الآسيوية تحتفظ منذ عقد مضى بحوالي ثلث الاحتياطي النقدي الرسمي، غير أنه في نهاية عام 2007 باتت تمتلك 60 في المائة. كما فاقت الاحتياطيات من النقد الأجنبي الآسيوي الضعف بين عامي 2003 و2008، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى فائض الحسابات الجارية الضخمة لبعض الدول في المنطقة وتدفقات رأس المال الخاص، وتعد الصين واليابان من الدول التي تمتلك فائضات ضخمة في ميزان مدفوعاتها. وقد زاد احتياطي النقد الأجنبي الصيني في عام 2008 بنسبة الثلث ليصل إلى ملياري دولار أو ما يقارب 30 في المائة من الإجمالي العالمي، وتبعتها اليابان بـ 14 في المائة ثم روسيا بـ 5 في المائة، كما استفاد عدد من الدول الآسيوية مثل الهند وتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ من ازدياد صادراتها وتعد أيضا من بين الدول العشر التي تمتلك أضخم احتياطيات من النقد الأجنبي على مستوى العالم.

ويبلغ إجمالي صناديق الثروات السيادية من احتياطيات المعاشات في كل من نيوزيلندا وفرنسا وايرلندا حوالي 100 مليار دولار أو 3 في المائة من سوق صناديق الثروات السيادية العالمية، ويعد صندوق معاشات الحكومة النرويجية ثاني أضخم صندوق ثروات سيادية في العالم. بيد أنها تمول بصورة كبيرة من عائدات النفط الحكومية، ثمانون في المائة منها محولة إلى هذا الصندوق. ونظرًا لأهداف هذا التقرير فقد صنفنا هذا التقرير على أنه صندوق ثروات سيادية للسلع.