خسائر«ميريل لينش» غير المعلنة تثير التساؤلات

بعد إهدار المضاربين لـ120 مليون دولار في أسواق العملة ومشتقات مالية ائتمانية

المركز الرئيسي لـ«بنك أوف أميركا» الذي أستحوذ على «ميريل لينش» نهاية العام الماضي (ا.ف.ب)
TT

بات واضحاً أن أحد المضاربين التابعين لمؤسسة ميريل لينش أهدر ما يزيد على 120 مليون دولار في إطار نشاطاته داخل أسواق العملة. ويبدو أن مضاربين آخرين فقدوا مئات الملايين من الدولارات فيما يتصل بمشتقات مالية ائتمانية. إلا أنه بطريقة ما لم تظهر هذه الخسائر المالية إلا بعد تخصيص «ميريل لينش» مليارات الدولارات كعلاوات لموظفيها، وقيام بنك أوف أميركا بشراء المؤسسة. وعكف المسؤولون التنفيذيون في مقر «بنك أوف أميركا» الرئيسي، على التساؤل حول السبب وراء هذا الأمر. ويجري المصرف تحقيقاً بشأن التفسير الذي ساقته «ميريل لينش» للتعاملات التجارية الفاشلة خلال الشهور الأخيرة من عام 2008 التي شهدت توترات بليغة، والسبب وراء بطء ظهور خسارة واحدة كبرى على الأقل في الدفاتر الحسابية للمؤسسة. ومن بين القضايا التي تستحوذ على اهتمام خاص، النشاطات التي اضطلع بها أحد المضاربين في العملة التابعين للمؤسسة في لندن، ويدعى أليكسيس ستنفورس، الذي تتولى السلطات التنظيمية البريطانية تفحص نشاطاته التجارية بدقة، طبقاً لمصادر مطلعة على التحقيق. وقد أثارت الخسائر التي مني بها أليكسيس ستنفورس قلق المشتري الجديد للمؤسسة المصرفية لدرجة دفعت مسؤوليه لتفحص الدفاتر الحسابية للتجار الآخرين الذين كانوا في عطلة. من جانبه، يحاول الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا، كينيث لويس، كبح جماح المضاربين التابعين لـ«ميريل»، الذين أسفر اندفاعهم في مشروعات استثمارية تحمل مخاطرة كبرى عن انهيار شبه كامل للشركة العملاقة العاملة بمجال السمسرة. لكن بمرور الوقت، تتزايد التساؤلات حول خسائر «ميريل لينش»، خاصة فيما يتصل بمن علم بها، ومتى. وكانت قد تكبدت «ميريل لينش» خسائر بلغت 13.8 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2008. والمثير أن حملة أسهم «بنك أوف أميركا» لم يعلموا بأمر هذه الثغرة المالية الكبرى حتى بعد موافقتهم على دمج المؤسستين في 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، علاوة على ذلك، لم يكن الحجم الكامل للخسائر واضحاً عندما دفعت الشركة مكآفات لموظفيها وصلت إلى 3.6 مليار دولار، وهو قرار تم اتخاذه بناءً على تقديرات لمستوى أداء الشركة بحلول 8 ديسمبر (كانون الأول). وعندما تكشفت المشكلات، وجد «بنك أوف أميركا» نفسه مضطراً إلى السعي للحصول من واشنطن على إعانة مالية ثانية لإنقاذه بقيمة تبلغ عدة مليارات من الدولارات. وتكمن المشكلات المالية في العمليات السوقية لـ«ميريل لينش»، التي يترأسها توماس مونتاغ، أحد المضاربين السابقين في غولدمان ساكس. وجاء تعيين مونتاغ بـ«ميريل لينش» على يد رئيسها التنفيذي السابق، جون ثين، وبمرور الوقت تحول مونتاغ إلى واحد من الشخصيات المثيرة للخلافات داخل «بنك أوف أميركا». ويعمل مونتاغ على الاحتفاظ بكبار المعاونين له في خضم موجة الغضب حول العلاوات التي صرفتها «ميريل لينش».

وخلال هذا الأسبوع، توجه مونتاغ إلى مدينة تشارلوت لتنسيق إستراتيجية موحدة مع نائبيه بمختلف مناطق العالم. من جانبه، أعرب براد هنتز، المحلل بسانفورد بيرنستين آند كمباني، عن اعتقاده «أن هناك انفصالا ثقافيا هائلا على الصعيد التجاري»، فبينما يتوخى «بنك أوف أميركا» الحذر البالغ في تعاملاته، لا يزال الإرث الثقافي القائم على خوض المخاطر البالغة قائماً داخل «ميريل لينش». بالنسبة لستنفورس (38 عاما) بدا عام 2008 جيداً للغاية، حيث سجل أرباحاً تجارية بلغت قرابة 120 مليون دولار، وتمثلت مكافآته في علاوة مالية ضخمة، حسبما أشارت مصادر مطلعة. لكن منذ ثلاثة أسابيع، وبينما كان ستنفورس في عطلة، اكتشف مسؤولو «بنك أوف أميركا» المعنيون بالتعامل مع المخاطر انحرافات في حساباته التجارية. ويبدو أن ستنفورس خسر الكثير من المضاربات التي قام بها بمجال العملة، تبعاً لما قاله مسؤول تنفيذي بـ«بنك أوف أميركا» على علم بالقضية، لكنه رفض الكشف عن هويته لحساسية التحقيق. وفي اتصال معه يوم الخميس، وصف ستنفورس الأمر بأنه «سوء تفاهم» ورفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل. وحتى الآن، لا يزال موظفاً بـ«ميريل لينش». وأكد محاميه، إيان ريان، أن ستنفورس يتعاون مع التحقيق الجاري. عندما تكشفت التضاربات في الحسابات منذ أسابيع قليلة ماضية، أرسل «بنك أوف أميركا» مسؤولين تنفيذيين معنيين بإدارة المخاطر لإجراء تحقيق بالأمر. وفي البداية، نفى دايفيد غو، رئيس شؤون معدلات الفائدة والعملات داخل المصرف، الذي لا يتولى الإشراف على سنتفورس على نحو مباشر، النقاط التي أثارت قلق «بنك أوف أميركا»، طبقاً لمصدر مطلع على المحادثات. وأضاف المصدر أن غو أكد أن أموال دافعي الضرائب التي تلقاها المصرف تغطي الثغرة المالية وتزيد.

من ناحية أخرى، أشار متحدث رسمي باسم «بنك أوف أميركا»، إلى أن غو والفريق الإداري المعاون له اكتشفوا المشكلة، ولم ينفوا وجودها. واستطرد المتحدث الرسمي موضحاً، أن غو لم يصدر التعليق سالف الذكر حول أموال دافعي الضرائب، ورفض غو التعليق على الأمر. ورغم ذلك، يخضع غو ومونتاغ لتفحص عميق خلال الأيام الجارية، بينما تم استدعاؤهما الأربعاء الماضي، إلى جانب خمسة مسؤولين تنفيذيين آخرين، إلى مكتب المدعي العام في نيويورك، في إطار تحقيق دائر حول اندماج «بنك أوف أميركا» و«ميريل لينش» والعلاوات التي تم دفعها إلى العاملين خلال الفترات الأخيرة. يذكر أن مونتاغ حصل على علاوات بلغت 39 مليون دولار، بينما اقتربت قيمة العلاوة التي تقاضاها غو من 15 مليون دولار. والملاحظ أنه قبل إتمام صفقة الاندماج بين المؤسستين، ظهرت العديد من المؤشرات التحذيرية داخل «ميريل»، ارتبط معظمها بالقيود والإجراءات المتعلقة بمراقبة وتسجيل نشاطات المضاربة. وقال بعض حاملي الأسهم إنه يتعين على «بنك أوف أميركا» تفحص ما يدور في المصرف بعناية أكثر. وفي الوقت ذاته طالبت مجموعة «سي تي دبليو الاستثمارية»، التي تمثل النقابات، إلى فصل لويس. كما تحيط التساؤلات كذلك بالأسلوب الذي قام المضاربون التابعون لـ«ميريل لينش» من خلاله بتقليل سعر المضاربات في مؤشر مقايضة الاعتماد ـ التوقف عن السداد، الذي اضطلع بدور جوهري في الانهيار المالي الذي منيت به المؤسسة. تضمن المؤشر المراهنات على 30 من سندات الشركات المتقلبة، التي تم تخفيض سعرها بمئات الملايين من الدولارات عند نهاية الربع الرابع من العام، طبقاً لمصدرين مطلعين على إستراتيجية المضاربة الخاصة بـ«ميريل لينش». ويعتقد البعض أن المضاربة أسهمت في الخسائر التي تكبدتها «ميريل لينش» في الربع الرابع.

من ناحية أخرى، أشار مسؤول تنفيذي سابق بـ«ميريل لينش» إلى أن المسؤولين التنفيذيين تناقشوا كيفية تقييم هذه الاستثمارات غير السائلة، لكن المناقشات استمرت لفترة متأخرة من عام 2008. وقال المضاربون التابعون للمؤسسة، إن الاستثمارات كانت تجري المضاربة فيها على نحو غير منتظم بما جعل من الصعب تحديد تقييم دقيق لها. وضغط عليهم مديرو المخاطرة داخل «ميريل لينش» لاستغلال سندات الشركات الممتازة كمعيار أساسي. على أي حال، تم إرجاء الكشف عن الخسائر لما بعد موافقة حاملي الأسهم على الاندماج وصرف العلاوات. حتى الآن، يبدو أن المؤسسة المتضررة تناضل من أجل إدارة المخاطر بكفاءة في عمليات المضاربة التي تضطلع بها، خاصة أن بعض المضاربين ينتهكون القواعد التي تقرها المؤسسة على ما يبدو. على سبيل المثال، في يناير (كانون الثاني) أثار أحد المضاربين بمجال الرهن العقاري تابع لـ«ميريل لينش»، قلقا بالغا عندما خرق قواعد المؤسسة، فيما يخص عمليات الشراء بالجملة للمرة الثانية. وفي فبراير (شباط)، استدعى مونتاغ المضاربين في أوروبا لسؤالهم حول كيفية تحوطهم حيال المضاربات التي يخوضونها.

* خدمة «نيويورك تايمز»