الإمارات: الأزمة المالية تنعكس إيجابا على الموظفين الحكوميين.. رواتب مرتفعة وأسعار منخفضة

وزير الاقتصاد يتوقع انخفاض التضخم من 11 إلى 5% في 2009

الموظفون الحكوميون في الإمارات هم الأكثر استفادة من الأزمة المالية العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

فيما تضرب الأزمة المالية العالمية بجذورها كافة القطاعات الاقتصادية في العالم، يجد قسم كبير من المواطنين والمقيمين على حد سواء في الإمارات، انعكاسا إيجابيا لتبعات هذه الأزمة على حياتهم المعيشية، فهم يرون أن هذه الأزمة تأتي من باب «رب ضارة نافعة»، خاصة على الموظفين الحكوميين الذين تسجل رواتبهم أرقاما عالية، ولا يخشون التسريح أو تخفيض الرواتب، كما هو حال العاملين في بعض شركات القطاع الخاص.

فالتضخم الذي كان ينهش بقوة في جنبات الاقتصاد الإماراتي خلال السنوات الخمس الماضية، بفعل تدفق السيولة الهائلة، وارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية غير مسبوقة، ألقى بظلاله على الظروف المعيشية للمقيمين في الإمارات الذين يربو عددهم على 5.6 مليون نسمة، تشكل نسبة المواطنين بينهم نحو 15.4 في المائة.

وخلال السنوات القليلة الماضية، سجلت أسعار العقارات في إمارتي أبوظبي ودبي، مستويات هي الأعلى على مستوى العالم، وليس المنطقة. فمثلا بلغ إيجار شقة من غرفة نوم واحدة نحو 140 ألف درهم (38 ألف دولار) في السنة، وهي أسعار لم تصلها حتى العقارات في منطقة مثل نايتس بريدج الفخمة في العاصمة البريطانية لندن.

ويوم أمس قال وزير الاقتصاد الإماراتي الدكتور سلطان المنصوري إن معدل التضخم في الإمارات سينخفض لما بين خمسة وثمانية في المائة هذا العام.

وقال الوزير المنصوري خلال جولة للتأكد من الأسعار في إحدى الجمعيات التعاونية في العاصمة أبوظبي، إن التوقعات تشير إلى أن التضخم سينخفض من 11 في المائة إلى ما بين خمسة وثمانية في المائة في 2009. وكان مكون الإيجارات والمحروقات هو العنصر الأبرز في ارتفاع التضخم سابقا، وفيما هبطت أسعار الإيجارات بنحو 20 إلى 25 في المائة في دبي، واستقرارها في أبوظبي، لا تزال أسعار المحروقات هي الأعلى في المنطقة، على الرغم من أن الإمارات من أكبر مصدري البترول في العالم.

ويعتقد سليمان المزروعي مدير عام الاتصال والتسويق في بنك الإمارات دبي الوطني أنه «كلما قل دخل الفرد في الأمارات، كان أقل تأثرا بالأزمة المالية، واستفاد من تأثيراتها عبر انخفاض الأسعار، يمكن قول ذلك بشكل عام».

ويقول المزروعي، إن انخفاض الأسعار أثر في الفترة الماضية على عدة قطاعات مثل الغرف الفندقية والمواد الغذائية والاستهلاكية ومواد البناء. ووفقا للمزروعي فإن الإمارات استفادت من هذه الأزمة من عدة نواح، مستدركا «لا شك، كان لها (الأزمة المالية العالمية) تأثير سلبي على ثروات المواطنين، وكذلك بالنسبة للمشاريع التي تم تجميدها، غير أنه بالمقابل وبالإضافة إلى انخفاض أسعار المواد الاستهلاكية، فقد انخفضت نسبة التضخم وعادت إلى حجمها الطبيعي». والشهر الماضي خفضت شركات «اينوك» و«ايبكو» و«إمارات» أسعار الديزل بنسبة 7 في المائة في جميع محطاتها بدبي والإمارات الشمالية، وبقيمة 75 فلساً لينخفض سعر الغالون من 10.85 درهم إلى 10.10 درهم، وذلك في ثاني عملية خفض خلال العام الجاري، وللمرة الخامسة عشرة من بداية التخفيضات التي بدأتها الشركات الثلاث في أواخر يوليو (تموز) من العام الماضي. وارتفعت قيمة التخفيضات على سعر غالون الديزل خلال ما يقارب سبعة أشهر إلى حوالي 9.15 درهم، منخفضاً من أعلى سعر سجله في 29 يوليو (تموز) 2008 بقيمة 19.25 درهم إلى السعر الجديد الذي أصبح بـ 10.10 درهم، وبنسبة انخفاض47.5 في المائة.

وعلى الرغم من مراجعة الشركات النفطية الإماراتية لسياستها في أسعار الديزل، إلا أن تحديد أسعار البنزين يظل في يد الحكومة الاتحادية، وهو ما لم يطرأ عليه أي تغيير خلال السنتين الأخيرتين. ويقول وزير الاقتصاد الإماراتي إن الأسعار انخفضت في كل دول العالم ما بين 30 ـ 40 في المائة متوقعا انعكاس ذلك على الأسعار في السوق الإماراتية .

ولمواجهة الارتفاع المبالغ فيه بالأسعار، اتجهت الحكومة إلى إطلاق مبادرة منافذ البيع والتي تهدف لبيع بعض المواد الاستهلاكية بسعر الكلفة وفقا للاتفاق مع وزارة الاقتصاد .وقدرت إجمالي عدد السلع التي يتم بيعها بسعر الكلفة بأكثر من 500 سلعة.  قالت جونز لانج لاسال العقارية أمس إن أكثر من نصف مشاريع العقارات السكنية والتجارية المقرر إنجازها في دبي بين عامي 2009 و2012 قد جرى تعليقه أو إلغاؤه.

ويتلقى قطاع العقارات الذي كان مزدهرا يوما في الإمارة ضربات عنيفة من جراء الأزمة المالية مع اضطرار شركات التنمية العقارية إلى وقف أو إلغاء مشاريع وتراجع أسعار العقارات واستقطاع وظائف. وقالت شركة الخدمات العقارية في تقرير إن التأجيلات والإلغاءات في مشاريع دبي «تجسد نقص التمويل المتاح وتوقعات تراجع عدد السكان إلى جانب استمرار إلغاء وظائف».

ويعاني قطاع العقارات في دبي من انحدار في الأسعار عقب طفرة بناء دامت ست سنوات بفضل تحرك الإمارة للسماح للمستثمرين الأجانب بشراء العقارات مع ازدهار النمو الاقتصادي خلال موجة صعود سعر النفط.

وكان مورجان ستانلي قال في تقرير الشهر الماضي إن الأسعار تراجعت 25 بالمائة في المتوسط منذ بلغت ذروتها في سبتمبر (أيلول) وانه جرى إرجاء أو إلغاء مشاريع بنحو 263 مليار دولار في أنحاء الإمارات. وقالت جونز لانج لاسال إن نسبة الوحدات الشاغرة في سوق المكاتب بالإمارة تضاعفت إلى حوالي 16 في المائة على مدى الأشهر الستة الأخيرة وهو أعلى معدل على الإطلاق، مضيفة أن قطاع الفندقة يعاني من أدنى نسبة إشغال له في خمس سنوات عند متوسط يبلغ 79 في المائة.

وتوقع التقرير تباطؤا أكبر للنشاط في القطاع السكني في النصف الأول من 2009 قائلا إن على الحكومة اتخاذ «المزيد من الإجراءات الجذرية» لدعم السوق بما في ذلك فك الارتباط بين العمل والإقامة وزيادة إيضاح قانون الإقامة لمشتري الوحدات السكنية الأجانب. وقال «قلق المستثمر مع تراجع الإيجارات سيشجع المقيمين على الاستئجار بدلا من الشراء مع استمرار المستثمرين في نهج الانتظار والترقب». ومن المرجح تراجع إيجارات المكاتب في معظم المواقع في دبي على مدى النصف الأول من 2009 في حين من المنتظر لتوقعات قطاع الفنادق هذا العام أن تكون أقل تفاؤلا عن التكهنات السابقة بسبب انخفاض أعداد الزائرين.

من جهته يرى خالد أميري، وهو رجل أعمال إماراتي، أن المواطنين الإماراتيين، خاصة موظفي الحكومة كانوا الأكثر استفادة والأقل تضررا من الأزمة المالية العالمية. ويشرح أميري رأيه بالقول إن «موظفي الحكومة حصلوا على زيادة كبرى في رواتبهم، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية بنسب كبيرة خلال الشهور الأخيرة، وبالتالي الإمكانات زادت والدخل ارتفع بينما الأسعار انخفضت كثيرا». وأقرت الحكومة الإماراتية، بدءا من يناير (كانون الثاني) 2008، زيارة في رواتب العاملين في الحكومة الاتحادية من المدنيين، والعسكريين العاملين في وزارة الداخلية بنسبة 70 في المائة من قيمة الراتب الأساسي للموظف.

وكانت الإمارات قد زادت رواتب موظفيها الاتحاديين قبل أربعة أعوام تقريبا بنسبة تصل إلى 25 في المائة للمواطنين، وحوالي 15 في المائة للوافدين، وهو ما يعني أن الموظفين المواطنين بالحكومة الاتحادية في الإمارات قد تحصلوا على زيادة في رواتبهم بلغت نحو 100 في المائة، خلال أربعة أعوام.

وأظهر مسح حكومي أعلنت نتائجه الشهر الماضي، أن متوسط الإنفاق الشهري العام للأسرة المواطنة يربو على 23 ألف درهم (6300 دولار)، أما للأسرة غير الإماراتية فقد كان متوسط إنفاقها ما يقارب 10 آلاف درهم، ووفقا لما يورده التقرير فقد سجل المتوسط الشهري لإنفاق الأسرة المواطنة على الطعام والشراب والتبغ ما مقداره 3429 درهما شهريا تلي ذلك الأسرة غير المواطنة بمتوسط 1233.3 درهم شهريا . بقى أن نشير إلى أنه في الوقت الذي يسجل لموظفي الحكومة أنهم الأقل تأثرا من الأزمة المالية العالمية، باعتبار أن رواتبهم مرتفعة، والأسعار في انخفاض متزايد، غير أن كثيرا من هؤلاء الموظفين لهم استثمارات في أسواق الأسهم المحلية، وهذه انخفضت بنسب فاقت الستين في المائة خلال العام الماضي، وهذا عامل ربما يعصف بالفوائد التي جناها هؤلاء الموظفون الحكوميون، فمدخراتهم ذهبت مع الريح، لكن على الأقل رواتبهم المرتفعة ستساعدهم على تجاوز الأزمة المالية سريعا.