سعيد الفهيم: تعافي أسواق المال بيد الولايات المتحدة وأوروبا

رئيس مجموعة الفهيم الإماراتية لـ «الشرق الأوسط»: نرفض تفصيل الأزمة المالية على دبي وأبوظبي بعد أن نالت من كل دول العالم

سعيد عبد الجليل الفهيم، رئيس مجلس إدارة مجموعة الفهيم الإماراتية («الشرق الأوسط»)
TT

تعد عائلة الفهيم من أكبر العائلات التجارية في الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، فبالإضافة إلى توسع المجموعة التجارية التي تتبع العائلة في كثير من القطاعات الاقتصادية، فإنها لا تزال تحافظ على مسيرتها بنفس الإيقاع منذ أكثر من نصف قرن، عندما وضع الراحل عبد الجليل الفهيم حجر أساس هذه المجموعة العملاقة بمتجر صغير في مدينة العين الصحراوية.

«الشرق الأوسط» التقت برئيس مجلس إدارة مجموعة الفهيم الإماراتية، سعيد عبد الجليل الفهيم، في مقر المجموعة الرئيسي في أبوظبي، حيث توقع أن لا تتخطى خسائر الشركات العائلية جراء الأزمة المالية العالمية 20 في المائة، مقارنة بمؤسسات اقتصادية أخرى، مؤكدا أن تنوع الأنشطة الاقتصادية لمجموعة الفهيم قلل من التداعيات السلبية للازمة. ورفض الفهيم تفصيل الأزمة المالية على دبي وأبوظبي، معتبرا أن الأزمة المالية العالمية تنال من دولة الإمارات كما من بقية دول العالم. ولفت الفهيم إلى انخفاض في مبيعات السيارات بنسبة 80 في المائة لصعوبة التمويل، وتأجيل مؤقت لمشاريع عقارية تفاعلا مع الأزمة، مؤكدا أن انهيار العملات سيجعل من الإمارات مقصدا سياحيا للتعرف على كنوز الشرق. مطالبا بسرعة التداول بالعملة الخليجية الموحدة.

> الأزمة المالية العالمية تعصف بالجميع.. بعد خمسين عاما من تأسيس والدكم لهذه المجموعة التي بدأت بمتجر صغير في مدينة العين، كيف يمكن لكم المرور بسلام من هذه العاصفة الهوجاء؟ - مجموعة الفهيم جزء من منظومة اقتصادية إماراتية، وعنصر اقتصادي فاعل في المنطقة، ولنشاطاتها المتعددة في مجالات الاستيراد والتصدير والتصنيع والعقارات والسياحة لا بد أن تتأثر محافظها الاستثمارية وتعاملاتها مع البنوك والمؤسسات المالية. وأرى أن الشركات العائلية ونحن منهم، مخاطرها محسوبة، لأن المردود الايجابي أو السلبي لأي أنشطة اقتصادية تمارسها يعود على أفراد العائلة مباشرة، وهم أصحاب القرار الفوري في التغيير أو الاستمرار. واجزم أن التأثيرات المتوقعة على الشركات العائلية في ظل الأزمة المالية العالمية مقارنة بالمؤسسات الاقتصادية الأخرى لا يتجاوز 20 في المائة من حجم الخسائر المتوقعة. واعتقد أن المرور بسلام من تداعيات الأزمة المالية العالمية يكون بإعادة ترتيب الأوراق، وتخفيض حجم الإنفاق في الاستثمارات طويلة الأجل، وتجميد بعض المشاريع بصفة مؤقتة، وتخفيض حجم العمالة بالاستغناء عن جزء منها لعدم وجود مردود من عملها كما هو الحال في مجال العقارات. أما في قطاع السيارات فقد انخفض العمل به فعليا بنسبة 80 في المائة لعدم توافر السيولة وانعدام التمويل، لذا نسعى إلى تخفيف المخزون، والبحث عن بدائل تمويلية، والتعاون مع الشركة المصنعة لتوفير تمويل ذاتي مشترك لخدمة المشترين .

> من المعروف أن المجموعة تدير قطاعات متعددة في السياحة والعقار ووكالات السيارات والتجزئة والضيافة والغاز والتطوير الصناعي، هل استفدتم من هذا التنوع من خلال هذه الأزمة؟ - نعاني من نقص في الغرف الفندقية، ولا توجد مشكلة في التوسع السياحي لحاجة إمارة أبوظبي لتطوير هذا القطاع، وأظن أن الأزمة المالية العالمية ستنعكس على تصحيح قيم تكلفة المشاريع السياحية وأسعار السفر والإقامة بصورة أقل مما كانت عليه سابقا، والفت الانتباه إلى أن انهيار قيمة العملات سينشط حركة السفر وسيجعل من الإمارات مقصدا سياحيا لخدماتها الفندقية والسياحية المتميزة أمام الراغبين باكتشاف منطقة الشرق الأوسط. وكما يعلم الجميع أن التنوع في النشاط الاقتصادي ميزة، لا يمكن وضع البيض في سلة واحدة، ونحرص دائما على التنوع في الأنشطة، لكن بحسابات مدروسة محددة الأهداف والنتائج. ونحن الآن نجني ثمار هذا التنوع بتأثر قطاعات بالأزمة المالية وعدم تأثر قطاعات أخرى. وقد تتأثر جميع القطاعات مستقبلا وفقا لتداعيات مجهولة لا نعلمها، لكن بنسب متفاوتة، وأظن أن المجموعة لو اقتصر نشاطها الاقتصادي على السيارات والعقارات لكانت الأمور أكثر تضررا، وهنا تكمن أهمية التنوع. يجب أن نواجه الأمور بواقعية، فالمشكلة الاقتصادية عالمية ولا يمكن تجنبها أو تجاهلها، فآثارها ستنال من الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. > صناعة السيارات العالمية تقترب من الانهيار، فيما وكلاء السيارات في الخليج يؤكدون على أن الأزمة لم تقترب منهم. انتم كوكلاء لسيارات مرسيدس في أبوظبي، ما تأثير الأزمة على مبيعات السيارات لديكم وأسعارها أيضا؟ - حقيقة صناعة السيارات عالميا متأثرة بالأزمة. في الإمارات، ولان التمويل البنكي عصب عملية البيع والشراء تأثرت حركة المبيعات لتوقف التمويل، لنقص في السيولة كما تدعي البنوك، نسعى إلى إيجاد حلول مع البنوك لإعادة التمويل مرة أخرى باعتباره الرافد الوحيد لراغبي شراء السيارات. وأؤكد أن التمويل انخفض بنسبة 99 في المائة مما اثر على انخفاض مبيعات السيارات بنسبة 80 في المائة، والمباحثات الحالية مع البنوك تركز على أن التمويل يكون وفقا للقيم الزمنية لعقود الموظفين.

وأرى أن البنوك يجب عليها أن تخصص جزءا كبيرا من سيولتها لدعم التمويل بصفة عامة، ومنها المشاريع الصغيرة والكبيرة، لان ما تفرضه من فوائد على القروض، التي تصل نسبتها إلى 18 في المائة، شروط تعجيزية. نفكر وبجدية في تأسيس شركة تمويل مع شركة مرسيدس الأم لتمويل الراغبين بشراء السيارات. > على الرغم من عراقة مجموعتكم التجارية، إلا أنكم ما زلتم بعيدين عن تحويلها لشركة مساهمة عامة، شأنها شأن المجموعات التجارية الأخرى، ما سبب ذلك؟ - في حالة الرغبة لتحويل شركات المجموعة إلى مساهمة عامة لا بد من إعادة هيكلتها حسب الأنظمة والقوانين العاملة بالدولة. وهذه الخطوات تتطلب مزيدا من الوقت، وأسبابا مقنعة تبرر الحاجة لاتخاذ تلك الخطوة. نحن لسنا في حاجة لتحويل المجموعة إلى شركة مساهمة عامة، والواقع الحالي يجعلها مساهمة مغلقة قاصرة على أفراد العائلة. وفي حالة استكمال الإعداد والوفاء بالمتطلبات الحكومية مع توافر الرغبة، قد نفكر مستقبلا في تحويلها إلى مساهمة عامة .

> وهل ترون أن الوقت الحالي مناسب لمثل هذه الخطوة لو حدثت؟ - لا أعتقد أن مثل هذا الوقت مناسب بالمرة لمجرد التفكير في اتخاذ تلك الخطوة، لأن الواقع الحالي وتداعيات الأزمة المالية العالمية يفرضان على أصحاب الأنشطة الاقتصادية التفكير بصورة تتناغم مع الواقع وتتكيف معه، وأظن أن طرح شركة للمساهمة العامة يلجأ إليه من يعاني من شح في السيولة أو الرغبة بتغطية نفقات أو التزامات، وكلها ورغم تداعيات الأزمة لا تتأثر بها مجموعة الفهيم. > في هذا السياق، هل أنت من مؤيدي تحويل الشركات العائلية إلى مساهمة عامة، أو بقائها كشركة ذات مسؤولية محدودة؟ - يوجد خياران للشركات العائلية، إما أن توزع على الورثة وكل شخص يذهب في طريقه، أو يتفق الشركاء على إكمال المسيرة مع تطوير العمل وزيادة التميز والتنوع في الاستثمارات. يمكن أن تبدأ الشركة العائلية بشركة ذات مسؤولية محدودة، على أن يتم تحويلها إلى مساهمة عامة بعد فترة من الزمن، لان غالبية الأجيال ليس لديهم اهتمام وعزيمة وصبر الآباء. > في ظل الأزمة المالية العالمية، هل غيرتم من خططكم في المشاريع المستقبلية، وما هي أبرز مشاريعكم المقبلة؟ - نحن مثل جميع الشركات التي تمول مشاريعها. وقد أجلنا مشاريعنا العقارية بصفة عامة، كانت لدينا مشاريع عقارية في كل من أبوظبي ودبي، ذات طابع استثماري تم تأجيلها حاليا، وأعني أنها جمدت مؤقتا، لكن لم تلغ لحين بلورة الأزمة الاقتصادية. وهذه المشاريع التطويرية كانت تركز على بناء الأبراج السكنية والمكاتب. لدينا مشاريع قائمة نسبة إنجازاتها تخطت 70 في المائة، مثل مشروع فندق بين الجسرين الذي سيتم الانتهاء من جميع أعماله في شهر يونيو (حزيران) المقبل بتكلفة قاربت المليار درهم، وهو عبارة عن 340 غرفة وجناحا فندقيا فئة الخمس نجوم. المشروع العقاري الثاني، مجمع المكاتب الرئيسية للمجموعة، ومعرض للسيارات ومركز للصيانة بالمصفح، وسيتم الانتهاء منه في شهر أبريل (نيسان) المقبل بتكلفة 300 مليون درهم.

> هل تشمل خططكم عمليات استحواذ خارجية أو داخلية؟ - هناك فرص في السوق الحالية مميزة جارية دراستها في الداخل والخارج. وحسب طبيعتها سيتخذ القرار المناسب في حينه، ونعمل عن طريق بنك ساهمنا في إنشائه «بنك الاستثمار الدولي بالبحرين»، وهو بنك استثماري إسلامي يعد حاليا يد المجموعة الاستثمارية في الدراسة والاستحواذ على الفرص المتاحة. كل استثمار أو نشاط اقتصادي يدرس على حدة من جميع جوانبه للتعرف على فوائده المستقبلية. > لكن بعض الاقتصاديين ينصحون بالاحتفاظ بالسيولة باعتبارها الأحوط في هذه الفترة الحرجة؟ - لا شك أن السيولة لها دور، والاحتفاظ بها شيء ايجابي، لكن لن يكون إلى ما لا نهاية، لأن الاستثمار يحتاج إلى تدويرها، واعتقد أن المال لم يخلق للكنز، لكن لإعادة تدويره بالطريقة السليمة، بشرط دراسة جدواه الربحية. > في ما يتعلق باقتصاد الإمارات عموما كيف ترون السبيل للخروج بأقل الإضرار من التأثيرات السلبية للازمة المالية؟ - الأزمة عالمية وليست قاصرة على الإمارات وحدها، ويجب أن تبدأ الحلول من أوروبا والولايات المتحدة، وأؤكد انه في ظل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وأخيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، ستكون الإمارات من أوائل الخارجين من تلك الأزمة. لا اتفق مع تحميل الحكومة جميع الأعباء والتداعيات، لا بد من مبادرات للقطاع الخاص والبنوك في إعادة تقييم وتمويل المشاريع ورعاية صغار المستثمرين وعدم الخوف من تداعيات السوق. واثق في عمل الحكومة ودرايتها بتداعيات الأزمة وتفاعلها معها، كما أثق في امتلاك الحكومة لرؤية شاملة ستترجم إلى حلول في القريب العاجل. > وفي ما يتعلق بأبوظبي تحديدا، هل ترى أن الأزمة كان تأثيرها أقل وطأة من جارتها دبي؟ - ارفض تفصيل الأزمة المالية، أبوظبي ودبي كلتاهما دولة واحدة والتأثير سينال من المنطقة كلها، أما الحل الإماراتي سيكون شاملا لجميع إمارات الدولة، ربما تكون دبي أكثر تأثرا عن أبوظبي، لكن في النهاية لكل إمارة ظروفها. هناك إمارات تقدمت في مشاريع، وأخرى تأخرت، وهذا وضع اقتصادي عام، التأثير سيكون على الجميع، لكن بنسب متفاوتة، والحلول المطروحة من قبل الحكومة ستشمل الجميع. > قطاع العقارات الأكثر تأثرا بالأزمة، كيف ترون مستقبل العقارات في الفترة المقبلة؟ - لنشرح أولا واقع الطفرة العقارية الإماراتية، كنا نحتاج لمزيد من الوحدات السكنية والمكاتب، فتم ضخ العديد من المشاريع العقارية التي تلبي احتياجات مختلف شرائح المجتمع. ولقلة المعروض حتى الآن لا تزال الإيجارات مرتفعة. الإمارات بها مصانع ومدارس وجامعات ومؤسسات اقتصادية، وجميعهم محتاجون إلى مكاتب ووحدات سكنية، والمعادلة حتى هذه اللحظة ترجح الطلب على العرض. ربما يسير القطاع العقاري في المستقبل القريب بخطوات بطيئة، لكنه سيسير. اعتقد أن السوق مشبعة بجميع أنواع الطلب، من سكن عالي الرفاهية أو متوسط أو شعبي، وكذلك حال المكاتب، ولا يمكن حصر الطلب على شريحة دون غيرها. القطاع العقاري واعني تحديدا المطور العقاري، يطرح مشاريعه حسب الموقع والشريحة المستهدفة بموجب دراسات جدوى مستفيضة. > المصارف تعاني من أزمة سيولة، وأسعار النفط متدهورة، كيف يمكن مواجهة الأزمة على الوضع الاقتصادي في منطقة الخليج؟ - دخل الدول النفطية معروف، وتصرف مواردها البترولية عن طريق الحكومات التي تدير الأمور بدقة، ولا يمكن لدولة في المنطقة من رسم سياستها المستقبلية إلا بما فيه الصالح العام. يتوقع الاقتصاديون أن يصل السعر العادل لبرميل النفط من 60 إلى 70 دولارا، لان الأسعار السابقة مبالغ فيها على الرغم من استفادتنا منها، وقد انعكس ذلك على زيادة نسب التضخم. المصدر الوحيد لتوفير السيولة هو الحكومة، لأنها الممول، والبنوك تقوم حاليا بدراسة أوضاعها وجدولة ديونها واسترداد قروضها. ويعد 80 في المائة من البنوك المحلية الإماراتية أصحابها مساهمون في السوق، ومطلعون على الأوضاع المالية جيدا. لا بد من تعاون المؤسسات المالية مع الغرف التجارية لتقييم الوضع وإعادة ترتيب الأمور بما يضمن عدم الإضرار وتمرير الأزمة بأقل قدر من الخسائر. > ارتباط العملات الخليجية بالدولار والعملة الخليجية الموحدة، موضوعات لا تتوقف أهميتها في كل وقت وحين، في رأيك هل أنت مع بقاء ارتباط الدرهم الإماراتي بالدولار؟ - لا بد أن يتم العمل بالعملة الخليجية الموحدة فورا، مع عدم المماطلة، واعتقد أن من يماطل لا يمتلك نظرة مستقبلية. لا بد ان تزال الحدود بين الدول الخليجية، وإزالة كافة المعوقات أمام إقرار العملة الخليجية الموحدة، لان عرقلتها جهود مبعثرة. لا نقارن أنفسنا بأوروبا، فدول الخليج تمتلك كل مقومات التوحد، وظروفها الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية واحدة. اضرب مثلا بطيران الخليج الذي كان يمثل منظومة خليجية موحدة، بعض الأصوات أسقطته وكونت شركات تابعة لها، وجميعها لم تحقق نجاحات مثل طيران الخليج. وقامت حكومة الإمارات بدراسة ربط الدرهم بالدولار، وأخرجت بيانا بأنه ليس من الصالح العام فك ارتباط الدرهم بالدولار. وأرى أن المصلحة العليا مظلة اقتصادية يسترشد بها الجميع. لا يمكن لرؤية قصيرة المدى أو مصالح آنية تجعلنا نفكر بقصر نظر ونحن نعلم أن الدولار لا يمكن تجاهله، لأنه يمثل 70 في المائة من التسويات المالية العالمية للمعاملات التجارية على مستوى العالم. > وماذا عن العملة الخليجية المرتقبة، وهل تعتقد أنها بالفعل ستظهر في عام 2010؟ - أتمنى ذلك، وأتمنى رؤية كل شيء يوحد المنظومة الخليجية قبل هذا التاريخ.

> أخيرا، متى تتوقعون تعافي أسواق المال الخليجية من كبوتها التي طال مداها؟ - كما قلت، الحل بيد الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ومتى تحسن الاقتصاد الأميركي سنشعر به مباشرة في منطقة الخليج، قد يكون خلال عام أو عامين، لكن نتمنى أن يكون في أقرب وقت.