الصناعة تعلق آمالا على الهواتف الذكية

3.6 مليار دولار خسائر موتورولا في الربع الأخير من العام الماضي

تعلق الصناعة آمالا كبرى على جيل جديد من الهواتف الذكية الأكثر قوة («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد مبيعات الهواتف الجوالة تراجعا ملحوظا، في الوقت الذي تعلن فيه جهات التصنيع عن تسريح الآلاف من العاملين لديها، وتواجه شركات خدمات هذه الهواتف صعوبة أكبر في الحصول على عملاء لها والاحتفاظ بهم.

ويبدو الأمر كما لو أن صورة أخرى من صور الركود الاقتصادي قد ضربت هذه الصناعة، بيد أنه في الوقت ذاته تظهر مؤشرات توحي أن هذا التراجع يخفي وراءه سببا أعمق، وهو أن فترة ازدهار صناعة الهاتف الجوال قد ولت إلى غير رجعة.

وبالفعل، بدأ المحللون والمستثمرون في إثارة التساؤلات حول ما إذا كان بإمكان الصناعة الاستمرار في النمو. ويتسم التحدي القائم أمام الصناعة على هذا الصعيد بالبساطة والضخامة في آن واحد، فكيف يمكن التوسع بينما الذي يزيد على نصف ستة مليارات نسمة، الذي يسكنون الأرض، يملكون بالفعل هواتف جوالة؟ وحتى داخل الدول النامية حيث توجد أسواق لا تزال تعاني من نقص الاهتمام بها فيما يخص الهاتف الجوال، ينفق المشتركون أموالا أقل على الهواتف والخدمات المرتبطة بها.

ويعد كريغ موفيت، المحلل المعني بشؤون صناعة الهاتف الجوال بشركة سانفورد سي. برنستين آند كمباني، أحد المتشككيين في إمكانية استمرار نمو الصناعة، حيث يقول: «لا أعتقد أن بمقدور أي شخص الجدال في مسألة أن أيام ازدهار الصناعة اللاسلكية قد ولت»، منوها بأنه فيما يتعلق بنمو أعداد المشتركين في أميركا الشمالية «شارفنا على الوصول إلى نقطة التشبع».

ويضيف: «ليس من الصحيح وصف هذا الأمر بأنه مشكلة دورية. إن ذلك يوحي بأنه بعد الركود ستقفز معدلات النمو مجددا إلى ما كانت عليه، لكن ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن ذلك سيحدث».

من ناحية أخرى استمر تواتر الأنباء السيئة المتعلقة بالصناعة يوم الثلاثاء بإعلان شركة موتورولا عن عائداتها خلال الربع الرابع من عام 2008، وكشفت الشركة المعنية بمعدات الاتصال عن بُعد، إصابتها بخسائر بلغت 3.6 مليار دولار في الربع الرابع من العام، مقارنة بتحقيقها عائدات تقدر بـ100 مليون دولار خلال الفترة ذاتها منذ عام مضى. وأوضحت الشركة أن مبيعاتها بلغت 7.14 مليار دولار، بانخفاض بنسبة 26 في المائة، عن الـ9.65 مليار دولار التي حققتها الشركة خلال الربع الرابع من 2007.

وتكشف الأرقام أن موتورولا باعت 19.2 مليون جهاز هاتف جوال خلال هذا الربع من العام، بانخفاض بنسبة 53 في المائة عن الفترة المناظرة منذ عام سبق، وعليه تراجع ترتيب الشركة بين أكبر شركات إنتاج الهواتف الجوالة عالميا، من المركز الأول عام 2007 إلى الخامس.

من ناحيته أعرب سانجاي جها، الرئيس التنفيذي لشركة موتورولا، عن اعتقاده بأن الصناعة ستستمر في النمو بعد انتهاء فترة الركود، لكنه عجز عن التكهن بحجم هذا الركود وإلى أي مدى سيستمر. وقال: «بينما قد لا يكون ممكنا العودة إلى النمو الهائل الذي شهدناه في مجال الاتصالات اللاسلكية، فإننا سنشهد نموا جيدا مستمرا مع تحول التطبيقات المرتبطة بالبيانات إلى عنصر أساسي».

وأشار جها إلى اعتقاده بأن البيانات - والمقصود بها شبكة الإنترنت والرسائل النصية عبر الهواتف الجوالة - من الممكن أن تحقق الجزء الأكبر من النمو بدلا من الاتصالات الصوتية. وقال: «من الممكن أن تضطلع البيانات بقدرة مماثلة على تغيير حياة الناس».

والواضح أنه ليس هناك من ينظر إلى صناعة الهواتف الجوالة ويعقد مقارنة بينها وبين ديترويت. والمؤكد أنه لا يزال من الممكن جني عشرات المليارات من الدولارات من خلال بيع الهواتف الجوالة وتوفير الخدمات المتعلقة بها، خاصة تلك المعنية بالبيانات.

من جانبها تعلق الصناعة آمالا كبرى على جيل جديد من الهواتف الذكية الأكثر قوة (وأعلى تكلفة)، وجدير بالذكر أن شركة إيه تي آند تي قامت بتفعيل 1.9 مليون آي فون خلال الربع الرابع من العام الماضي، بينما أضافت فيريزون ما يزيد على مليون جهاز بلاكبيري ستورم.

بصورة مجملة، تشكل هذه الأجهزة نحو 10 في المائة من السوق المحلية للهواتف الجوالة، ويسود اعتقاد بإمكانية أن تنمو شعبيتها، مما يدفع الأفراد لتحديث أجهزتهم ودفع المزيد من الأموال للقيام بأمور مثل تحميل أغان وإرسال رسائل نصية. وجدير بالذكر أنه خلال الربع الرابع من 2008، على سبيل المثال، ارتفعت عائدات إيه تي آند تي المتعلقة بالبيانات عن كل مشترك بنسبة 27 في المائة، لتصل إلى 16.30 دولار، من نحو 12 دولار في العام السابق.

على المدى الطويل ترفض الصناعة بشدة فكرة أن النمو بها اقترب من نقطة البطء، وفي هذا الصدد أكد ديني ستريغل، رئيس فيريزون التي تملك 55 في المائة من أسهم فيريزون ويرليس (بينما تملك مجموعة فودافون 45 في المائة)، على أنه: «لو أن هناك أمرا أثق به تمام الثقة فهو أن قاعدة عملائنا ترغب في الحصول على هواتف جديدة».

يذكر أن كلا من فيريزون ومنافستها الرئيسية إيه تي آند تي كشفتا الأسبوع الماضي عن عائداتهما المالية، التي حملت مؤشرات على مجابهة الشركتين لتحديات على صعيد الإبقاء على معدلات نمو مرتفعة. وتشير الأرقام المعلنة إلى حصول فيريزون ويرليس على 1.4 مليون مشترك، لكن هذا الرقم يشكل انخفاضا عن عام مضى، عندما حصلت على مليوني مشترك. أما إيه تي آند تي فقد اجتذبت مليوني مشترك، مقارنة بـ2.7 مليون مشترك خلال الربع الرابع من عام 2007.

على الجانب الآخر أعلنت سبرينت نكستل خططها للتخلص من 8000 وظيفة. ومن ناحيتهم أعرب بعض المحللين المعنيين بالصناعة عن اعتقادهم أن الإغراءات التي تنطوي عليها البيانات، والمولعين بالهواتف الجوالة الذين يدعمون الصناعة، لن يحولوا دون تراجع معدلات النمو بمرور الوقت.

ويرى إد سنيدر، المحلل لدى شركة تشارتر إكويتي رسرتش، أنه بوجه عام داخل الصناعة اللاسلكية «هناك الكثير من الأموال يجري جنيها، لكن الصناعة لن تنمو بنفس السرعة التي شهدها الناس من قبل، أو بذات السرعة التي يتوقعون حدوثها في المستقبل». وشدد على أن: «كل الحديث الدائر حول البيانات والخدمات الأخرى وأنها ستحقق إحياء للنمو المرتفع هو حديث خاطئ».

من بين التحديات القائمة أمام النمو طويل الأمد للهواتف الذكية ارتفاع سعرها، حيث يبلغ متوسط سعر أبل آي فون، على سبيل المثال، 600 دولار، وبلاكبيري من رسرتش إن موشن 370 دولارا، طبقا لما ورد عن شركة برودبوينت أمتك للأبحاث.

في المقابل يبلغ متوسط سعر الهواتف التي تنتجها موتورولا وسامسونغ (وهي شركات يتوافر بمخزوناتها قدر أقل من الهواتف الذكية) نحو 120 دولارا. ويشعر غالبية المحللين بالثقة في أن هذا التباين في الأسعار سيتراجع بمرور الوقت، لكن هذا يعني أن صناعة الهواتف الجوالة تعتمد على المستهلكين خلال السنوات القادمة في تحديث منتج أكثر تكلفة.

وعلاوة على ذلك فإن الهواتف الذكية تتميز أيضا بالذكاء في قدرتها على الحيلولة دون زوال الاهتمام بها، ونظرا إلى اعتمادها بدرجة أكبر على البرمجيات عنها على المكونات الصلبة لمسايرة تطورات العصر، فإن تحميل تحديث أو إحدى تطبيقات الاستعمال الجديدة يمكن أن يحقق لهذه الهواتف الجديدة الإضافات التي عادة ما تتطلب من المرء شراء جهاز جديد تماما.

من جهته تناول ستيفن جوبز، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، هذه القضية عام 2007 عندما طرح آي فون، حيث أثنى على قدرته على التواؤم والتكيف، مقارنة بالأجهزة الأخرى المنافسة آنذاك، المعتمدة بدرجة أكبر على المكونات الصلبة.

وتساءل فيما يخص الأجهزة الأخرى: «ماذا يحدث إذا طرأت بذهنك فكرة عظيمة في غضون ستة شهور من الآن؟ لا يمكنك الالتفات وإضافة زر جديد إلى هذه الأشياء».

ورغم ذلك تراجعت أعداد الهواتف التي بيعت بمختلف أنحاء العالم داخل المناطق المهمة، حتى قبل حدوث الركود الاقتصادي. فمثلا في غرب أوروبا تم بيع نحو 191 مليون هاتف جوال خلال عام 2007، لكن هذا الرقم تضاءل إلى 171 مليون جهاز عام 2008، ومن المتوقع أن يصل إلى 165 مليون عام 2009، طبقا لما ورد عن شركة كارولينا ميلانيسي المعنية بالتحليلات، بالتعاون مع شركة غارتنر للأبحاث.

وداخل الولايات المتحدة تحديدا اشترى الأفراد 176 مليون هاتف عام 2007، و184 مليون عام 2008، ومن المحتمل أن يظل هذا الرقم ثابتا خلال العام الجاري، حسبما أشار أحد المحللين بشركة غارتنر. وأضاف المحلل أن أوروبا قد توفر بعض المؤشرات عن المسار الذي تتحرك نحوه الولايات المتحدة، والتي رغم ارتفاع عدد سكانها وأعداد الهواتف بها فإنها لا تزال في مرتبة متأخرة قليلا عن القارة الأوروبية.

ومن الواضح أن المصاعب الاقتصادية ضربت شركات إنتاج الهواتف خلال الربع الأخير، حيث اعترفت موتورولا الشهر الماضي بأنها باعت خلال الربع الرابع ما يعادل نصف الهواتف التي باعتها في العام السابق، وأعلنت عن تقليصها الوظائف في وحدة الهواتف الجوالة لديها بمقدار 3.000 وظيفة.

وتشير الأرقام إلى أنه خلال الربع الرابع باعت نوكيا 113 مليون هاتف، بانخفاض بنسبة 15 في المائة تقريبا عن الفترة ذاتها في العام السابق، وأوضحت سامسونغ إليكترونيكس أن إجمالي الطلب العالمي على الهواتف الجوالة قد ينخفض بنسبة 10 في المائة خلال 2009.

في تلك الأثناء شرع منافسون جدد وأكثر تنوعا في القتال للاستحواذ على هذا الطلب، وعلى سبيل المثال لم تكن أبل من العناصر المنافسة داخل الصناعة حتى عامين ماضيين، وعلاوة على ذلك فإن هذا العام قد يشهد عودة صعود بالم وهاتفها الذكي بري، وكذلك ديل التي تشير تقارير إلى أنها تعكف على صنع هاتف جوال جديد.

في هذا السياق أوضح أولي بيكا كالاسفو، الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا، خلال مؤتمر عقده منذ وقت قريب مع المستثمرين لمناقشة العائدات التي حصدتها الشركة: «تنطوي البيئة العالمية على تحديات، وأعتقد أنها ستبقى كذلك خلال عام 2009»، معربا عن اعتقاده بأن الهواتف المعتمدة في عملها على الإنترنت وخدمات الهاتف الجوال ستشكل الدافع وراء حقبة جديدة من النمو.

وقال: «من الواضح أن هناك فرصة كبرى لتعزيز قيمة سوق الهواتف من خلال دمج المكونات الصلبة للأجهزة مع خدمات الإنترنت، وسيمثل هذا الدافع للموجة القادمة من النمو في الصناعة، ولن تتوقف حركة الابتكار».

* خدمة «نيويورك تايمز»