«النقد الدولي» يعلن تبسيط معاملاته المتعلقة بمنح القروض

بهدف إعطاء المؤسسة الدولية مزيدا من الحيوية في مواجهة الأزمة العالمية

دومينيك ستروس ـ كان، رئيس صندوق النقد الدولي (أ.ب)
TT

أعلن صندوق النقد الدولي أمس تبسيط معاملاته المتعلقة بمنح القروض مع إنشاء قرض غير محدد المبلغ ولا معايير الأداء، سيؤدي تنفيذه إلى إعطاء المؤسسة الدولية مزيدا من النشاط والحيوية في مواجهة الأزمة. وبعد إصلاح نظام حقوق التصويت الذي اعتمد في أبريل (نيسان) 2008 والذي كان يهدف إلى إعطاء المزيد من الثقل للدول الناشئة، فإن هذا الإصلاح هو الثاني الذي ينسب إلى رئيس الصندوق دومينيك ستروس ـ كان بعد مرور 18 شهرا على توليه منصبه.

وتستجيب إعادة تركيب الإجراءات لعدة معايير قديمة ومحدثة بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي كان يعتمدها صندوق النقد الدولي لمنح القروض ببطء شديد وبشروط قاسية جدا. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية قال ستروس ـ كان كما جاء في بيان: «إن هذه الإصلاحات تمثل تغييرا مهما في الطريقة التي يمكن أن يعتمدها الصندوق لمساعدة دوله الأعضاء، وهو أمر ضروري للغاية في هذه الأوقات من الأزمة العالمية». وأضاف «إن مرونة أكبر في تقديم قروضنا، إضافة إلى شروط مبسطة، تساعدنا على الاستجابة بطريقة فعالة للحاجات المتنوعة لأعضائنا. وسيسمح ذلك لهم في المقابل بعبور الأزمة والعودة إلى نمو دائم».

والوجه الرئيسي في هذا الإصلاح هو إيجاد وسيلة قرض جديدة هي «خط الائتمان المرن»، الذي يستهدف الدول التي يعتبر صندوق النقد الدولي أنها تخضع لإدارة جيدة، «مع أسس وسياسات وتاريخ للتطبيق لهذه السياسات قاسية جدا». وهذا الإصلاح الجديد للقروض الذي لا يتضمن تحديد معايير بشأن الأداء، ولا حدود للمبلغ المالي، سيسمح للدول الأعضاء بالحصول على خط ائتمان «على سبيل الاحتياط» يتيح لها أن تسحب بموجبه (أموالا) عندما ترى ضرورة لذلك، ويحل هذا الإصلاح محل وسيلة قروض ولدت ميتة وهي «سهولة الحصول على سيولة على المدى القصير»، والتي كان يفترض بها الاستجابة لحاجات دول مثل البرازيل أو المكسيك، ولكنها لم تستخدم أبدا منذ وضعها في نهاية أكتوبر (تشرين الأول).

وردا على سؤال في مؤتمر صحافي لمعرفة الأسباب التي حالت دون بلوغ هذه الآلية النجاح المنشود، قدم نائب رئيس صندوق النقد الدولي جون ليبسكي ثلاثة أسباب: لأن إجمالي السيولة كان ينبغي دفعه فورا، ولأنه كان يفترض تسديده بسرعة (في غضون ثلاثة إلى تسعة أشهر)، ولأنه كان خاضعا لسقف محدد.

وسيكون خط الائتمان الجديد ساريا لستة أشهر أو 12 شهرا، وسيكون قابلا للتجديد إلى ما لا نهاية، وأن يتم تسديده في مهلة تتراوح من ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر إلى خمسة أعوام. ودعا ستروس ـ كان الدول الأعضاء إلى استخدام هذه الآلية التي يرى أنها «قد تعزز موقعها الاقتصادي بصورة أكبر». والوجه الرئيسي الثاني للإصلاح يكمن في «تحديث الشروط» المرتبطة بالقروض الأخرى التي يمنحها صندوق النقد الدولي. ويقول صندوق النقد الدولي إنه يريد تقديم القروض «عن طريق الاستناد أكثر إلى معايير موضوعة مسبقا حيث يكون مناسبا»، بدلا من الاستناد إلى معايير الأداء التي تشترط حتى الآن تسديد دفعات متتالية من القروض.

وأجرى صندوق النقد الدولي أيضا إصلاحا يتعلق بأداته الخاصة بالقرض المركزي، وهو اتفاق تأكيد «إجراء قيد الطلب»، «لزيادة مرونته وتأكيد أنه في تصرف الأعضاء الذين لا يمكنهم الوصول إلى خط الائتمان المرن». وضاعف الصندوق حدودا للقروض التي سيكون من حق الدول الأعضاء الحصول عليها، والتي تحددت بشكل طبيعي وفقا لحصة مساهمتهما في رأسمال صندوق النقد الدولي، حتى ولو كان بالإمكان تجاوز هذه الحدود تحت بعض الشروط. وأخيرا سيعمد صندوق النقد الدولي «إلى تبسيط أدوات منح القروض» عبر إلغاء وسيلتي تسهيل أخريين أصبحتا مهملتين، وإلى إصلاح وسائل التسديد «لإيجاد الحوافز الضرورية لطلب الإقراض».

من ناحية أخرى قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في تصريحات نشرت أمس إنه ما زالت هناك فرصة أمام الدول لزيادة الإنفاق، ويمكن لدول مثل فرنسا أن تتطلع إلى المزيد من التحفيز المالي في العام المقبل وما بعده. وقال أوليفر بلانشار لصحيفة «ليزيكو» الفرنسية إن الحكومات يجب من الناحية النظرية أن تعد أكبر عدد ممكن من إجراءات التحفيز مع مراعاة المخاوف المتعلقة بالميزانية في الأجل المتوسط حتى لا تثير قلق أسواق المال. وأضاف: «ما زال هناك هامش (للمناورة)». وقال إن فرنسا بإمكانها زيادة إجراءات التحفيز، خصوصا في العام المقبل وعام 2011، ويجب أن تتطلع لاتخاذ مثل هذه الخطوات الآن، إذ إن اتخاذ مثل هذه الإجراءات يحتاج إلى وقت. وقال إن أوروبا بشكل عام لم تدرك مدى الأضرار التي ألحقتها الأزمة المالية بالطلب، وكانت تعتقد أنها ستتمكن من إبعاد الأزمة عن حدودها بدرجة كبيرة حتى أواخر العام الماضي. وأضاف: «إنها الآن تدرك أن الوضع غير ذلك».

وحث مسؤولون أمريكيون أوروبا على بذل المزيد لتحفيز الاقتصاد قبيل اجتماع لزعماء مجموعة العشرين التي تضم الدول الغنية والدول الناشئة في بريطانيا يوم الثاني من أبريل (نيسان) المقبل، لكن مسؤولي الاتحاد الأوروبي حرصوا على أن تتركز المناقشات على الإجراءات الرقابية لمنع أزمة جديدة، وهو ما أكده اليوم جان كلود يونكر رئيس مجلس وزراء مالية دول منطقة اليورو. وقال يونكر لقناة «أوروبا1» الإذاعية الفرنسية إنه لا شك في أن دول المنطقة وعددها 27 دولة ستزيد من إجراءات التحفيز «بناء على طلب الولايات المتحدة».

من جهة أخرى قال وزير الاقتصاد التركي محمد شيمشك في تصريحات نشرت أمس إن تركيا ستسوي قضايا الميزانية مع صندوق النقد الدولي عندما يستأنف الجانبان محادثاتهما بشأن قرض جديد، عقب الانتخابات المحلية في 29 مارس (آذار)، ويجري الصندوق محادثات مع تركيا منذ شهور لاستبدال اتفاق بقيمة عشرة مليارات دولار، انتهى في مايو (أيار) الماضي، لكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق حتى الآن بسبب خلافات حول مسائل مثل إدارة إيرادات الدولة.

وفي مقابلة مع صحيفة «صباح» قال شيمشك إن الصندوق خفض توقعاته للنمو التركي مع كل زيارة خلال المحادثات، وإن هذا يستلزم إعادة تقدير أرقام الميزانية. وقال: «كان هناك اتفاق مفترض في يناير (كانون الثاني) بشأن الفائض الأولي وإجراءات إضافية لحزمة (اقتصادية) مزمعة، لكن هذا ستعاد مناقشته بسبب تغير التوقعات». وتتوقع تركيا نموا بنسبة أربعة في المائة هذا العام، لكن مسؤولين يقولون إن هذا الرقم ستجري مراجعته، في حين يتكهن محللون بركود من جراء الأزمة العالمية. وأظهر استطلاع أجرته «رويترز» أول من أمس أن من المتوقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي 3,5 في المائة هذا العام.

من جانب آخر قال صندوق النقد الدولي أمس إنه اتفق على حزمة مساعدة لرومانيا قيمتها 20 مليار يورو، تشمل 12,9 مليار يورو من أموال الصندوق، وخمسة مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي. وأضاف الصندوق أن رومانيا ستستطيع سحب خمسة مليارات يورو عند الموافقة على قرض مشروط لأجل عامين. وقال دومينيك ستراوس ـ كان رئيس الصندوق في بيان: «من المتوقع أن يجتمع المجلس التنفيذي لمناقشة البرنامج في الأسابيع القادمة. سيكون بمقدور رومانيا سحب خمسة مليارات يورو لدى موافقة المجلس». ويهدف القرض إلى تعزيز السياسة المالية والحد من حاجات التمويل الحكومية. وأنهت اليوم بعثة من الصندوق الذي يتخذ من واشنطن مقرا، زيارة إلى بوخارست بدأت في وقت سابق هذا الشهر لمناقشة حزمة قروض مشتركة مع المفوضية الأوروبية، وعلى صعيد متصل جهة أخرى أكد صندوق النقد الدولي أمس أنه يعتزم فتح مكتب له في بودابست.

وذكرت صحيفة «نيبزا بادساج» المجرية أن المكتب سيؤدي إلى تيسير المفاوضات حول القرض الطارئ بقيمة 15,7 مليار دولار الذي قدمه الصندوق للمجر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويندرج هذا القرض ضمن حزمة إنقاذ مالي بقيمة 25 مليار دولار يساهم فيها أيضا الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. ويتوقع من الدول التي تحصل على قروض من الصندوق تلبية شروط صارمة للغاية فيما يتعلق بإنفاقها العام وسياستها النقدية ككل.