أزمة الائتمان العالمية تعبر الأجواء المصرية.. في هدوء

البنك الدولي: 40% من المصريين يعيشون على دولارين في اليوم

أحد الأحياء الفقيرة في القاهرة (رويترز)
TT

على إحدى جزر النيل الخضراء يتمدد نادي الجزيرة القاهري العريق. في العصور الملكية كان نادي الجزيرة ملتقى لضباط الاحتلال البريطاني وأبناء الطبقة العليا من المصريين، وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 وخرج الإنجليز من مصر عام 1954، ظل النادي ملتقى النخبة وأبناء الشريحة العليا من الطبقة الوسطى في العاصمة المصرية.

وإذا كان هناك أحد في مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، قد أحس بتأثير الأزمة المالية العالمية، فمن المؤكد أنه من بين أعضاء هذا النادي.

فوفقا لبيانات البنك الدولي فإن 40% من المصريين يعيشون على دولارين أو أقل في اليوم الواحد، والأغلبية الساحقة من المصريين لا يمتلكون أسهما في البورصة ولا يستثمرون مكافآت نهاية الخدمة ومدخرات التقاعد في صناديق الاستثمار، ودائما ما يجدون صعوبة في الحصول على قروض من البنوك.

فحتى قبل الأزمة المالية العالمية كانت البنوك ترفض 92% من طلبات الاقتراض التي تقدمها الشركات المصرية التي تقل إيراداتها عن مليون دولار سنويا، وكذلك الطلبات التي يقدمها 99% من المصريين.

بحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية أعدته شيرين الجزار وإليجا زاروان فإنه وفقا لدراسة عام 2008، أكثر من 82% من المشروعات في مصر غير رسمية وتجري تعاملاتها نقدا. وفي ظل العمل على أساس التعامل النقدي فإن المصريين لم يستشعروا بقوة تداعيات الأزمة المالية العالمية، كما لم تتضرر كثيرا الشركات المصرية بهذه الأزمة.

فعلى حمام السباحة في نادي الجزيرة، وفي أحد أيام شهر مارس (آذار) الحالي كان رجل الأعمال حسام رجب الذي يدير عددا من مصانع الأثاث ويعتمد بدرجة كبيرة على التصدير إلى دول الخليج، في حالة مزاجية جيدة.

يقول حسام رجب إن الأزمة المالية لم تؤثر عليه إطلاقا، وإن لديه معارض أثاث في دول الخليج وإيطاليا، ونشاطه الاقتصادي حالته طيبة. بيد أن حالة حسام رجب لم تكن الحالة العامة في هذه الطبقة، فهناك الوسطاء الماليون والمصرفيون الذين يتجمعون في النادي وتسودهم مشاعر الاكتئاب.

يقول سيفين سعيد (24 عاما)، موظف خدمة عملاء بأحد البنوك الأجنبية في القاهرة، إنه يخشى فقدان وظيفته، وقد بدأ البنك بالفعل تقليص الحوافز.

أما محمد عشماوي (33 عاما)، كبير الوسطاء في شركة البنك التجاري الدولي للاستثمار بالقاهرة، فقال إنه لن يتمكن من الآن من تناول العشاء في فندق فور سيزونز الفاخر على نيل القاهرة، ولن يستطيع إنفاق الكثير من الأموال على الرحلات، كما أنه نقل اشتراكه إلى إحدى باقات القنوات الفضائية الأقل سعرا، إلى جانب بيع بعض ممتلكاته من أجل الحفاظ على مستوى معيشته الحالي في ظل انخفاض الدخل.

من ناحيتها، اعتبرت الحكومة المصرية في البداية الأزمة المالية بمثابة فرصة بالنسبة إلى البلاد، وقال وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إن هناك إشارة قوية على أن مصر مثل بعض الاقتصاديات الصاعدة، تستطيع الاستفادة من الأزمة. وأضاف أنه إذا أرادت أي شركة استثمار في أي مكان في العالم، فسوف تتوجه حاليا إلى الأسواق الصاعدة.

ولكن موقف الحكومة تغير بعد ذلك، حيث أصبحت تتحدث عن الألم المنتظر والصعوبات الاقتصادية التي تلوح في الأفق. ففي فبراير (شباط) الماضي قال رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف أمام البرلمان، إنه يتوقع تراجع عائدات قطاع السياحة وتحويلات المصريين في الخارج وإيرادات قناة السويس بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكنه أضاف أن الكل يعرف أن هذه القطاعات تمثل فقط نحو 20% من إجمالي الناتج المحلي، وأن 80% من إجمالي الناتج المحلي تعتمد على المصادر الداخلية.

وفي إشارة إلى أن الحكومة المصرية تتعامل بجدية مع تباطؤ نمو الاقتصاد وتراجع معدل التضخم، قرر البنك المركزي المصري خفض سعر الفائدة لأول مرة منذ 2006. علاوة على ذلك ذكر البنك المركزي أن معدل التضخم انخفض خلال يناير (كانون الثاني) الماضي إلى 14,3%، وهو أدنى مستوى له منذ 11 شهرا. ويتوقع رشيد انخفاض معدل التضخم خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 9%.

كانت مصر قد شهدت في الربيع الماضي بعض أعمال العنف في طوابير شراء الخبز المدعم مع ارتفاع أسعار القمح إلى مستويات قياسية، ولكن أسعار القمح تراجعت خلال الشهور الماضية لتفقد نحو 57% من قيمتها منذ مارس (آذار) 2008.

هذه الأنباء بالنسبة إلى حمدي عبد الفتاح، الذي يمتلك مقهى في حي ميت عقبة بمحافظة الجيزة، أنباء سارة. وعندما سئل عن تداعيات الأزمة المالية استبعد الرجل أن يتأثر بها لأن الناس لن تتوقف عن الأكل والشرب، وأضاف أن الأزمة المالية لن تؤثر إلا على أصحاب الملايين، ولكن الناس العاديين من أمثاله لن يتأثروا.