قمة العشرين: 7 ساعات لإنقاذ العالم من أسوأ أزمة اقتصادية

تعقد الخميس في لندن في مركز مملوك لشركة عربية

TT

يلتقي زعماء أكبر عشرين اقتصادا في العالم الخميس المقبل في لندن وشبح أسوأ ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية يخaيم على العالم. ويسعى قادة دول مجموعة العشرين التي تشمل دولا غنية وأخرى ناشئة الى الاتفاق على رسم خارطة طريق أو منهج للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في شكل أزمة ائتمان مرتبطة بالقروض عالية المخاطر في سوق العقار الأميركي، لتتحول الى كرة ثلج جارفة هوت معها اسواق المال وتطايرت شظاياها لتضرب الاقتصادات في كل انحاء العالم في الصميم، وضعت العديد من البلدان على حافة الافلاس، كما تسببت الازمة الاقتصادية في انهيار الكثير من البنوك والشركات وفقدان الملايين من الوظائف.

وتثير قمة العشرين نقاشا واسعا، حيث تُعلق عليها آمال في ايجاد الوصفة العلاجية اللازمة للاقتصاد العالمي «المريض» وان تخرج القمة بقرارات يمكن ان تشكل ضوء الأمل في آخر نفق الأزمة الاقتصادية العالمية وستعقد القمة وسط إجراءات أمنية بسبب مخاوف من مظاهرات عنيفة ومن الجماعات المعادية للعولمة، التي استبقت الحدث أمس بمسيرة كبيرة في لندن شارك فيها آلاف الأشخاص. وقد رفعت في المسيرة شعارات من قبيل «ضعوا الناس أولا».

وشبهت قمة مجموعة العشرين في لندن التي سيكون إصلاح النظام المالي العالمي احد العناوين الرئيسة باجتماع بريتون وودز في الولايات المتحدة الأميركية عام 1944، الذي تم الاتفاق فيه على قواعد التبادل الاقتصادي العالمية بعد الحرب العالمية الثانية. ويرى خبراء ان التحديات التي تواجه قمة العشرين في لندن اكبر من تحديات اجتماع بريتون وودز لأن الاقتصاد العالمي في 2009 أكثر تداخلا وتعقيدا بسبب العولمة من أربعينات القران الماضي. واللافت انه اذا كان اجتماع بريتون وودز قد عقد لمدة 22 يوما فان قمة لندن ستعقد خلال يوم واحد أو بالأحرى نحو 7 ساعات فقط، حيث ان القمة ستبدأ على الساعة السابعة صباحا (بتوقيت لندن) وتنتهي في نحو الثالثة مساء. لكن القمة سبقتها لقاءات تنسيقية بين الوزراء والمسؤولين في مجموعة العشرين من بينها اللقاء الأخير لوزراء المالية ورؤساء المصارف المركزية في المجموعة بمدينة هورشام القريبة من لندن. وستعقد القمة في مركز «ايكسيل» للمعارض بمنطقة دوكلندس بلندن، والمركز مملوك لشركة عربية وهي هيئة أبوظبي للمعارض، التي اشترته في مايو (أيار) 2008 مقابل 626 مليون دولار. وبحسب تقارير إعلامية فان هناك نقاط خلافية عديدة ستكون محل نقاش كبير في قمة لندن المقبلة، التي تسعى الدولة المضيفة بريطانيا الى ان تكون قمة تاريخية بكل المقاييس، وفي مقدمتها إبراز صورة التفاهم والإجماع بين الدول المشاركة. ومن ابرز النقاط الخلافية مسألة الحاجة الى خطط تحفيز جديدة وضخ أموال جديدة لإنعاش الاقتصاد، ويدور الخلاف حول هذه النقطة خاصة بين الأوربيين وفي مقدمتهم ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، التي تحظى وجهة نظرها بتفهم وتعاطف بريطاني. وقد أفادت مجلة دير شبيغل الألمانية أن مسودة بيان لمجموعة العشرين تظهر أن بريطانيا تريد تعهدا بتحفيز قيمته تريليونا دولار عندما يجتمع قادة دول كبرى الاقتصادات المتقدمة والصاعدة في لندن الأسبوع القادم. ولم يتضح حجم الإنفاق الجديد ضمن هذا الرقم. وتقترب القيمة الإجمالية لبرامج تنشيط الاقتصاد التي أعلنتها دول المجموعة من هذا المستوى. وفي مسودة البيان التي نقلت عنها قالت المجلة أيضا أن رقم التريليوني دولار كان بين قوسين الأمر الذي يظهر أنه اقتراح من جانب بريطانيا التي تتولى رئاسة المجموعة ولم تتم الموافقة عليه بعد. وأضافت دير شبيغل أن المسودة تقول إن التحفيز سيعزز النمو بمقدار نقطتين مئويتين والعمالة بواقع 19 مليون شخص. وقالت المجلة ان بريطانيا تدعو أيضا مجموعة العشرين الى تحديد هدف ملموس للنمو العالمي في 2010 لكن المسودة خلت من أي رقم محدد في هذا الصدد. ويقول رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون الذي تستضيف بلاده القمة يوم الثاني من أبريل (نيسان) انه يتوقع من زعماء العالم بذل «كل ما في وسعهم» لخلق النمو وفرص العمل عندما يعقدون اجتماعهم. وتتضمن المسودة التي نقلت عنها دير شبيغل التعهد التالي.. «إننا عازمون على استعادة النمو ومقاومة الحماية التجارية وإصلاح أسواقنا ومؤسساتنا من أجل المستقبل». وتقول أيضا «نعتقد أن اقتصادا عالميا مفتوحا يقوم على مبادئ السوق والتنظيم الرقابي الفعال ومؤسسات عالمية قوية يمكن أن يضمن عولمة مستدامة ورخاء متزايدا للجميع». وعلى صعيد متصل وفيما حذر المستثمر الأميركي المعروف جورج سوروس من ان بريطانيا قد تجد نفسها مضطرة لطلب مساعدة «صندوق النقد الدولي» بسبب مصاعبها المالية، فقد قال تقرير لأبحاث الرأي انه يتعين على بريطانيا عرض التخلي عن مقعدها المنفرد في صندوق النقد الدولي لإظهار الزعامة والحاجة للإصلاح خلال اجتماع قمة مجموعة العشرين الذي يعقد في لندن. ودعا التقرير أيضا زعماء العالم الى الاتفاق خلال الاجتماع على اقتسام عبء برامج التحفيز وتقديم أموال إضافية لصندوق النقد الدولي ورفض الإجراءات الحمائية والقيام بإصلاحات بعيدة المدى. وجادلت مؤسسة تشاثام هاوس البريطانية والمجلس الأطلسي للولايات المتحدة بان عرض بريطانيا ترك مقعدها في إطار تعزيز التمثيل الأوروبي وتحولا تجاه الأسواق الناشئة سيرسل إشارة مفيدة. وقال التقرير إن «بريطانيا ستظهر زعامة قوية بشأن الحاجة لإصلاح نظام إدارة النظام المالي الدولي من خلال القيام بهذا العرض الجذري. وسيعمل أيضا كإشارة مهمة لقيام زعماء مجموعة العشرين بعمل فوري لإنعاش الاقتصاد العالمي وجعل هذه القمة تنجح». وأوصى التقرير بضرورة ان يتفق زعماء العالم على الطريقة التي يتعين أن يتقاسموا بها تحفيز الاقتصاد العالمي بدلا من التوصية ببرنامج تحفيز واحد يناسب الجميع. وأعرب بعض الزعماء الأوروبيين عن تشككهم بشأن اتباع الولايات المتحدة وبريطانيا في طرح برامج تحفيز ضخمة لإنفاق القطاع العام ولكن معدي التقرير قالوا انه لا يوجد خيار يذكر حتى اذا كان ذلك يعني طبع أموال بشكل فعلي. وقال جيم رولو وهو أستاذ في جامعة سوسيكس وأحد معدي التقرير «إذا انتهى الأمر أن تتحمل الولايات المتحدة بشكل أساسي عبء تحفيز الاقتصاد فان من المرجح ان يؤدي هذا في حد ذاته الى سياسة الحماية. وستحاول الدول بعد ذلك إعداد برامجها للتحفيز للتأكد من أن الأموال لن تذهب في نهاية الأمر إلى الخارج وهذا لن يكون أمرا طيبا». وقال التقرير انه يتعين على الولايات المتحدة والدول الرئيسية الأخرى أن تحذو حذو اليابان والاتحاد الأوروبي في التعهد بأموال لصندوق النقد الدولي وإعلان تجميد لمدة 12 شهرا على إجراءات الحماية الجمركية بما في ذلك التي تسمح بها منظمة التجارة العالمية. وقال انه على المدى الأبعد فانه يتعين على مجموعة العشرين الاتفاق على تعزيز الإجراءات المالية الدولية بما في ذلك مشتقات الائتمان وأدوات الاستثمار المعقدة الأخرى التي ينحي البعض باللائمة عليها في المساعدة في تفاقم تأثير أزمتي الرهن العقاري وأزمات البنوك الغربيتين. من جهتها قالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في مقابلة أمس إنها تتوقع إحراز «نتائج طيبة» من اجتماع قمة مجموعة العشرين في لندن هذا الأسبوع ولكنها حذرت من ان زعماء العالم لن يتمكنوا من حل كل مشكلات العالم الاقتصادية خلال اجتماع واحد. وقالت ميركل لصحيفة «فاينانشال تايمز» «إننا نتحدث عن بناء سوق مالية عالمية جديدة ولن نتمكن من الانتهاء من هذا في لندن». «لن نحل أيضا بشكل طبيعي الأزمة الاقتصادية ولن نحل قضية التجارة. سيتعين علينا دون شك الاجتماع مرة أخرى». ولكن هناك مخاوف من ان الخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الطريق الذي سيتم انتهاجه مستقبلا قد يعكر اجتماع القمة ويؤدي الى توتر الاسواق بشكل اكبر.

وتقاوم ميركل مطالب أميركية وبريطانية لإنفاق المزيد من اجل كسر الركود العالمي وتقول إن ألمانيا عززت بالفعل اقتصادها بما يكفي من خلال برنامجي تحفيز تبلغ قيمتهما 81 مليون يورو (110 مليارات دولار). وتحث ألمانيا وفرنسا بدلا من ذلك على زيادة التأكيد على تعزيز تنظيم الأسواق المالية للوقاية من عمليات الانهيار مستقبلا. ولكن ميركل التي أنهت للتو مؤتمرا عبر الفيديو مع الرئيس الأميركي باراك أوباما قللت من أهمية إشارات إلى وجود خلافات بين أوروبا وأميركا بشأن الإنفاق والتنظيم. من ناحية أخرى أفادت وكالات أنباء أن روسيا تؤيد مد نطاق حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي بحيث تشمل الروبل واليوان والذهب لكنها لا ترى فرصة لموافقة قمة مجموعة العشرين على عملة احتياط جديدة. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن أركادي دفوركوفيتش المساعد الاقتصادي الكبير بالكرملين قوله «سيكون من المنطقي مد نطاق مجموعة العملات (التي تشكل حقوق السحب الخاصة) ويمكن أن يشمل عملات أخرى منها الروبل واليوان وربما غيرهما». وكانت الصين أثارت ضجة في وقت سابق هذا الأسبوع قبيل اجتماع مجموعة عندما اقترحت أن يتحرك العالم صوب التوسع في استخدام حقوق السحب الخاصة التي ابتكرها صندوق النقد الدولي عام 1969. وبحسب «رويترز» أعلن زعماء بمجموعة العشرين أن وضع الدولار الحالي كعملة الاحتياطي الرئيسية لن يتغير لكن فكرة إيجاد نظام جديد لعملة الاحتياطي يقوم على حقوق السحب الخاصة لم تستبعد بالكامل. وقال دفوركوفيتش انه لا يتوقع أن تقبل مجموعة العشرين بعملة احتياط جديدة الشهر القادم لكن تصريحاته تشير إلى أن القضية ستكون في دائرة الضوء خلال الاجتماع الذي سيناقش فيه قادة العالم سبل محاربة الأزمة الاقتصادية العالمية. وأبلغ دفوركوفيتش الوكالة الروسية «قد نفكر أيضا في زيادة فعالية استخدام الذهب واحتياطيات الذهب والعملات في هذا النظام». ونسبت إليه وكالة «ايتار تاس» أن روسيا تؤيد التوسع في استخدام الروبل واليوان كعملات احتياط.