دراسة تتوقع تحولا جذريا في استقطاب العمالة الأجنبية نتيجة ضغوط الاقتصاد العالمي

«كي بي إم جي» الدولية: دول العالم بحاجة ماسة لاستقطاب العمالة الماهرة من بلدان أخرى

أظهرت دراسة «كي بي إم جي» أن الشركات العاملة في المملكة المتحدة وإسبانيا والولايات المتحدة لا تولي اهتماما كبيرا بمصادر عمالتها (أ.ف.ب)
TT

كشفت دراسة دولية أن استقطاب العمالة الأجنبية التقليدية تشهد تحولا جذريا، وذلك نتيجة لضغوط الاقتصاد العالمي وتحسن وسائل الاتصال وانخفاض تكاليف السفر الدولي ما بين بعض الدول.

وخلصت الدراسة التي أجرتها شركة «كي.بي.إم.جي» العالمية مؤخرا أن الحاجة ما زالت ماسة لاستقدام العمالة الماهرة من دول أخرى، على الرغم من التباطؤ الاقتصادي وتأثير تكاليف التوظيف والرواتب المتزايدة نتيجة الاستقدام من الدول الأجنبية.

وقالت «كي.بي.إم.جي» العالمية إن 82 في المائة من الشركات التي شملتها دراسة حول رغبات التوظيف المستقبلية لمجموعة من الشركات العاملة في أحد عشر مجالا اقتصاديا، سهولة حركة العمالة تتيح لهم فرصة الوصول إلى أعداد كبيرة من العمالة المؤهلة في مواطنها، وتفتح لهم مجالا أوسع للاختيار. وأكد 73 في المائة منهم أن ذلك يتيح توظيف نوعيات أفضل من العمالة، فيما أكدت 69 في المائة من الشركات أن استقدام العمالة من الدول الأخرى يعمل على رفع مستوى تفهم الأسواق العالمية بشكل أفضل، في الوقت الذي أشارت فيه 76 في المائة من تلك الشركات أن العمالة الأجنبية تساعد على تكوين مفهوم عالمي أوسع.

وبينت الدراسة أن كل دولة تتسم بأساليب مختلفة فيما يتعلق بتوظيف العمالة الأجنبية بالنظر إلى تاريخها وقوة اقتصادها وخططها المستقبلية، حيث تميل دول منطقة الدول الآسيوية «الباسيفيكية» إلى اعتماد تأمين عمالتها من عدد محدود من الدول الأخرى، فالشركات العاملة في اليابان مثلا تستقطب أعدادا كبيرة من العمالة من كوريا بنسبة 14 في المائة، وتايوان بنسبة 14 في المائة، وأستراليا بنسبة 16 في المائة.

وذكرت الدراسة أنه في المقابل تعتمد الصين بدرجة كبيرة على العمالة القادمة من سنغافورة وهونغ كونغ، على الرغم من تشعب وتعقيد العلاقات بين هذه الدول الثلاث، كما أن حركة العمالة في جزء كبير منها تنشط في الاتجاهين. وأوضحت أن نحو 19 في المائة من الشركات العاملة في الصين تجلب عمالتها من سنغافورة، بينما 21 في المائة من الشركات العاملة في سنغافورة تجلب عمالتها من الصين، ونحو ربع شركات هونغ كونغ توظف عمالة صينية، بينما تستوعب 19 في المائة من الشركات الصينية عمالة من هونغ كونغ. وأظهرت الدراسة أن الشركات العاملة في المملكة المتحدة وإسبانيا والولايات المتحدة لا تولي اهتماما كبيرا بمصادر عمالتها، مشيرة إلى أن الدول الأوروبية الأخرى تميل بدرجة أقل إلى استيعاب عمالة من دول أوروبية أخرى، علما بأن أعلى نسبة من العمال في الشركات العاملة في المملكة المتحدة هي من أستراليا 12 في المائة، تليها الهند وفرنسا 11 في المائة لكل منهما.

وفي الولايات المتحدة الأميركية أوضحت الدراسة أن العمالة القادمة من المملكة المتحدة للعمل بالشركات الأميركية سجلت أعلى نسبة، إذ وصلت 14 في المائة، تليها الهند بنسبة 9 في المائة، ثم الصين وألمانيا بنسبة 7 في المائة لكل منهما.

وقالت «كي.بي.إم.جي» في دراستها إنه يتوقع حدوث تحول جذري وجوهري في سوق القوى العاملة العالمية في غضون السنوات الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى التوقع إلى تقليل أثر العمالة البريطانية في أستراليا كثيرا لصالح العمالة الصينية والهندية، ومن هونغ كونغ.

كما أوضحت أنه من المتوقع أن تستقطب الشركات الهندية أعدادا أقل من الجنسيات البريطانية والأميركية، ولكنها ستلجأ إلى التوظيف من العمالة الصينية بأعداد أكبر، كما لوحظ أن عددا كبيرا من الشركات التي شملتها الدراسة لا يعلم من أين سيوفر عمالته أو لا يرغب في التصريح بخياراته المستقبلية، أي من أين سيأتي بعمالته.

وتوقعت الدراسة أن تبقى نسبة العمالة الأسترالية في اليابان هي الأعلى، في الوقت الذي تتراجع فيه العمالة الكورية من المركز الثاني إلى المركز الثالث على أثر الازدياد الكبير في أعداد العمال الوافدين من الصين. وأشارت الدراسة إلى أن 4 في المائة من الشركات العاملة في اليابان توظف صينيين حاليا، ولكن هذا الرقم سيرتفع إلى 12 في المائة في غضون 3 سنوات.

ومن المتوقع أن تغزو العمالة الصينية سوق العمل العالمية بكثافة في وقت وجيز، في ضوء ما أعلنته الشركات العاملة في أستراليا، الهند، اليابان، بريطانيا، إسبانيا، والولايات المتحدة، من خطط تعتزم بموجبها زيادة أعداد موظفيها من الصينيين.

من جهته بيّن عبد الله الفوزان الشريك الرئيسي لـ«كي.بي.إم.جي» العالمية في السعودية، أن تكون العمالة الصينية هي الطابع المميز للعمالة الدولية مستقبلا، تبعا لتوجه الشركات الدولية لزيادة أعداد العمالة الصينية لديها، مشيرا في الوقت نفسه إلى إمكانية تناقص هذه الأعداد مع «سياسة الطفل الواحد» التي تنتهجها الصين منذ سبعينات القرن الماضي.

وقال الفوزان إنه من الممكن أن تنخفض العمالة الصينية خلال الفترة الحالية نتيجة للانخفاض في أعداد المواليد، وفي هذا الحالة يتوقع أن تكون الهند هي البديل الأبرز نتيجة للزيادة الثابتة في أعداد عمالتها، والتي تعد جاهزة لأربعين سنة مقبلة، منوها إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد تؤثر في توجه بعض الشركات من حيث استخدامها للعمالة من دول أقل أجرا. وإبان الشريك الرئيسي لـ«كي.بي.إم.جي» في السعودية أن المنظور العملي العالمي بهذا الجانب مرهون بكبريات الشركات العالمية التي كانت وما زالت تضع استقطاب العمالة الماهرة من أولى أولوياتها للمحافظة على مستوى المنافسة في الأسواق العالمية، متوقعا توقفا قصيرا في هذه الخطط نتيجة للأزمة المالية العالمية.

من جهته بيّن محمد سلوجي رئيس قسم الزكاة والضرائب لشركة «كي.بي.إم.جي» في السعودية، تهافت الشركات على العمالة الأجنبية لسببين: الأول ناتج عن الضغوطات الكبيرة التي تعاني منها بعض الدول في حماية قوة العمل لديها، والسبب الثاني هو البطالة والأزمات الداخلية التي تشكل قلقا كبيرا للكثير من الدول.

وأكد أن العمالة الماهرة والمؤهلة في الدول الأقل تطورا بدأت بالبحث عن فرص عمل في دول أخرى لتأمين حياة أفضل، رابطا تنقل العمالة على المدى المتوسط والطويل بحرّية التحرك من دولة إلى أخرى، ومدى صعوبة القيود المفروضة على هذا التحرك. واعتبر مطالبة الكثيرين بتخفيض القيود المفروضة على الهجرة، بجانب تقديم الحوافز الضريبية لجذب الاستثمارات لتسهيل هذه الحركة، أمرا بديهيا حيث يصب في مصلحتهم وتوجيه اختيارهم بشكل أسهل للدول التي يستطيعون فيها بناء حياة أفضل.