بنك «بيرستيرنز».. «بيت البطاقات» الذي عصفت به الأزمة المالية

مرت سنة على إعلان إفلاسه المدوي

غلاف الكتاب حول قصة إفلاس بنك «بيرستيرنز»
TT

أول من أمس، وفي مقابلة في تلفزيون «سي إن إن»، تحدث وليام كوهان، الخبير الاقتصادي الأميركي، بمناسبة مرور سنة على إفلاس شركة «بيرستيرنز» الاستثمارية، الذي كان بداية إفلاس بنوك وشركات استثمار أخرى في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك). وقال كوهان: «لم يفلس بيرستيرنز قبل سنة من الآن. أفلس قبل ذلك بمدة طويلة. لكن، غطى كبار المسؤولين فيه على الإفلاس. في الحقيقة، لم يعلنوا الإفلاس، ولكن أعلنوا بيع الشركة». هذه إشارة إلى موافقة «بنك أوف أميركا» على شراء الشركة في مثل هذه الأيام من السنة الماضية.

مؤخرا، أصدر كوهان كتاب «هاوس أوف كاردز» (بيت من بطاقات: قصة الغطرسة والمبالغة المدمرة في وول ستريت). وأثار الكتاب ضجة لأن مؤلفه كان صحافيا (لعشر سنوات) ثم صار مستثمرا في «وول ستريت» (عشرين سنة)، ثم عاد صحافيا، وهذا ثاني كتاب له. تخصص في السير الشخصية لكبار المسؤولين في «وول ستريت». عمالقة الاقتصاد والتجارة والمال في العالم، الذين يسمون أحيانا «ماسترز أوف ذا يونيفيرس» (سادة العالم. إشارة إلى فيلم سينمائي بهذا الاسم). قبل ثلاث سنوات، كتب كتاب «لاست تايكون» (آخر العمالقة)، عن لازارد فيريس، من أشهر المستثمرين، ليس في «وول ستريت» فقط، ولكن، ايضا، في كل العالم. وكانت شخصيته خليطا من نجاح وغرابة.

وفي كتابه الأخير، «هاوس اوف كاردز» كتب كوهان قصصا شخصية عن كبار المسؤولين في شركة «بيرستيرنز»، وخاصة ايس غرينبيرغ، كبير المديرين التنفيذيين فيها. في مقدمة الكتاب، كتب عن بنوك وشركات استثمارية أخرى في «وول ستريت»، وذلك لأن شركة «بيرستيرنز» كانت الخامسة حجما. قبلها: «بنك أوف أميركا» و«سيتي» و«غولدمان ساخس» و«مورغان ستانلي». وقال الكتاب ان شركة «بيرستيرنز» شذت عن غيرها لان كبار المسؤولين فيها لم يكونوا «متحضرين»، أي لم يكونوا من خريجي كليات إدارة الأعمال في جامعات مثل: هارفارد وبرنستون وييل. كان سايروس لويس، مؤسس الشركة قبل سبعين سنة، لاعب كرة قدم، ثم اعتزل الرياضة ودخل سوق المال والاستثمار. وكان خليفته ايس غرينبيرغ رجلا عاديا، بل غريبا في تصرفاته. وكان خليفة هذا وآخرهم، قبل افلاس الشركة، هو جيمي كين الذي قال انه يعين الناس ليس حسب شهاداتهم الجامعية، ولكن حسب رغباتهم ليكونوا اغنياء. وقال قولة صارت مثلا: «أريد فقراء يريدون ان يكونوا أغنياء». اعترف كوهان انه كان يكتب مذكرات خلال عمله في «وول ستريت»، وساعدته هذه على كتابة كتابيه. واعترف ان علاقة قوية ربطته مع كبار المسؤولين في شركة «بيرستيرنز»، خاصة غرينبيرغ. وقال ان اسم الكتاب «هاوس اوف كاردز» سببه غرام الرجل بلعبة «بريدج». وأضاف: «لكنه لعب لعبته المفضلة وأهمل مصير شركته». لم يكن غرينبيرغ خريجا من جامعة هارفارد او ييل او برنستون، مثل أغلبية كبار المسؤولين في «وول ستريت». كان والده تاجر ملابس في ولايات الغرب الوسط، ولهذا، «في وول ستريت»، صار الابن يتعامل مع غيره مثل تاجر ملابس. وطبعا، نجح، لانه رفع مستوى الشركة من المرتبة الخامسة والعشرين الى المرتبة الخامسة. واعتمد الكتاب على كتاب أصدره غرينبيرغ نفسه، بعد ان ترك العمل في «بيرستيرنز». اسم الكتاب: «ميموز فرم ذا بوس» (أوامر من الرئيس). وفيه الأوامر التي كان يصدرها الى العاملين في الشركة.

وفيها أشياء تبدو تافهة، مثل: «يجب استعمال كل ورقة بجانبيها. يجب إطفاء ضوء المكتب بعد خروجكم. يجب إغلاق مكيف الهواء بعد خروجكم. يجب عدم تدفق الماء على ارض الحمامات». وأضاف كوهان في كتابه: «طبعا، يمكن ان ينجح الأسلوب الشعبي في وول ستريت. ولهذا صارت شركة «بيرستيرنز» شعبية، وليست متحضرة مثل بقية شركات وول ستريت، لكنها كانت تربح، حتى أفلست». في سنة 1993، كانت قيمة السهم في الشركة ثلاثين دولارا، وفي سنة 2007، صارت مائة وسبعين دولارا. وقال كوهان: «كان كل شيء يسير عاديا، وكان كل يوم يجلب أرباحا أكثر. ولم يسأل أحد عن أي شيء. حتى ربيع سنة 2007، عندما بدأت المشكلات. ثم بعد سنة، في ربيع سنة 2008، عندما حدث السقوط». لماذا لم ينتبه اي شخص الى المخاطر؟ لماذا لم يملك اي شخص شجاعة ليتكلم؟ قال الكتاب: «أنا سألت كبير المديرين التنفيذيين، وهو قال لى انه لم يكن يعرف تفاصيل عمليات الشركة. لكني لا اصدق ذلك. كيف يقول ذلك وراتبه كان ثلاثين مليون دولار كل سنة. سنة بعد سنة.» وصار واضحا ان هناك ثلاث مشكلات في الشركة، مثل غيرها من شركات الاستثمار في «وول ستريت»: أولا: زيادة الأرباح، وباستمرار، وسنة بعد سنة، أعمت كبار المسؤولين. ثانيا: كان أصحاب الأسهم آخر من يريد ان يعرف لماذا تستمر الأرباح في الزيادة. ثالثا: بسبب لوبي «وول ستريت» في واشنطن، تساهل أعضاء الكونغرس في مراقبة ما يحدث. وأشار الكتاب إلى يوم الإفلاس، في شهر مارس من السنة الماضية. كان رصيد شركة «بيرستيرنز» عشرين مليار دولار (أي أنها لم تكن أفلست حقيقة). لكنها كانت تستدين كل ليلة سبعين مليار دولار (نوع من أنواع الاستثمار يسمى «اوفرنايت»، عندما يضع المستثمر استثماراته بالليل، طامعا في ان تزيد في الصباح).

نجحت خطة «اوفرنايت» حتى صارت الشركة تعتمد عليها اعتمادا كاملا. ونسيت الشركة ان المستثمرين ربما، في إحدى الليالي، يقررون أن هناك فرصا أحسن في مكان أحسن. وقال الكتاب: «يشبه هذا الوضع مثل ان يصوت الأميركيون للرئيس أوباما كل ليلة ليكون رئيسا. وفي الصباح يصحو في البيت الأبيض، ويجد أن الأميركيين صوتوا له بالبقاء في البيت الأبيض. ويستمر هذا التصويت الليلي سنوات وسنوات. ثم، فجأة، في ليلة من الليالي، يصوت الأميركيون أنهم لا يريدونه رئيسا. ويصحو في الصباح ويضطر لأن يستقيل».