صندوق النقد الدولي يستعيد أهميته بعد قمة العشرين

خمس العاملين كانوا يفكرون في الرحيل لأنه لا توجد أزمات يعالجونها

استعاد صندوق النقد الدولي مكانته كمؤسسة دولية بعد دعمه في قمة العشرين بلندن
TT

كان صندوق النقد الدولي في حالة من القلق والاضطراب، حيث كان لا يحظى بشعبية على نطاق واسع بسبب طريقته في التعامل مع الأزمات المالية السابقة، بينما اهتزت موارده النقدية، وفكّر نحو خُمس عدد العاملين به في الرحيل. ومع غياب أزمات كي يعالجها، نمت الشكوك بين العاملين في جدوى وجود الصندوق. وكما يقول أحد العاملين البارزين في الصندوق: «كانت فترة لإعادة التفكير في الذات».

وانقضى ذلك الوضع في سبتمبر (أيلول)، في الوقت الذي أخذت فيه الأزمة الاقتصادية العالمية توطد أركانها، وأخذت الدول تحول نظرها إلى الصندوق طلباً للنصح وللدعم المالي. واستعاد الصندوق مكانته رسمياً هذا الأسبوع عندما تعهد قادة العالم المجتمعين في لندن بمضاعفة موارد الصندوق بمقدار أربعة أمثال وتعزيز سلطاته. ويقول سيمون جونسون، وهو اقتصادي بارز سابق بصندوق النقد الدولي: «عانى صندوق النقد الدولي من انخفاض بطيء في المعنويات، حيث كانت الأزمة الآسيوية مخيفة ومن الصعب معالجتها... خسروا الكثير من الثقة».

ويضيف أن تقليص العمالة بالصندوق العام الماضي زاد من حالة الارتباك: «ولكن هذا هو وقته».

ويقول مسؤول رفيع المستوى في صندوق النقد الدولي، رفض ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالحديث، إن هناك حالة من الانتعاش في الأروقة، مضيفاً أن «الناس مشغولون وأنهم يشعرون بالسعادة لأنهم يقدمون يد العون. ولذا فإنهم يشعرون أن لهم قيمة».

وقد تغيرت وضعية الصندوق، الذي يعمل به 2370 موظفاً معظمهم في واشنطن، بصورة دورية منذ تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية. كان تركيزه الأساسي المبدئي هو الإشراف على نظام سعر الصرف الذي أُسس في إطار اتفاقيات بريتون وودز. وانتهى هذا الدور في السبعينات. وفي الثمانينات، ظهر الصندوق كمدير لأزمة الديون في أميركا اللاتينية. وفي التسعينات، أخذ الصندوق يتعامل مع الأزمات المالية الشرق آسيوية والمكسيكية. وخلال الأزمة الحالية، استعاد صندوق الدولي مكانته جزئياً، فخلال الأشهر التي سبقت اجتماع الأسبوع الحالي لمجموعة العشرين، التي تضم دولا نامية وصناعية، في لندن، تحدّث رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون عن بناء مؤسسات دولية جديدة. ولكن، في النهاية اختارت مجموعة العشرين عدم الدخول في مشاكل والعمل مع المؤسسات القائمة. ويقول مسؤولون حاليون وسابقون في صندوق النقد الدولي إن قيادة الصندوق تستحق التقدير لأنها سعت بجد وراء دور أكثر محورية وعملت على إجراء التغييرات مما ساعد على تلافي بعض الاعتراضات المحتملة. وخلال الشهر الماضي، قام صندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحات على ممارسات الإقراض الخاصة به وجعلها أسهل بالنسبة للبلاد التي لديها سياسات اقتصادية قوية كي تقترض بدرجة أكبر وبصورة أسرع مع عدد أقل من الشروط. النقطة المحورية هي خط ائتمان جديد أكثر مرونة يستخدم كإجراء واقٍ. ويقول مسؤولو صندوق النقد إن الصندوق كان يحاول الاستجابة إلى انتقادات منذ أمد بعيد بأن المؤسسة تفرض شروطاً شديدة على الدول النامية بصورة مبالغ فيها، بل تلحق الضرر باقتصاداتها. ويحل خط الائتمان المرن محل خط ائتمان آخر أنشئ الصيف الماضي، ولكن لم تستفد منه أي دولة، حيث ترى الدول أنه يعرض مقداراً قليلا جداً من المال مع شروط قاسية بصورة مبالغ فيها. وفي إشارة بسيطة إلى النجاح، أعلنت المكسيك أخيراً أنها سوف تستخدم خط الائتمان الجديد، فيما رفضت كوريا الجنوبية وسنغافورة القيام بذلك. ويقول دومينيكو لومباردي، وهو مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، إن تجاهل هذه المخاوف كان خطأ كبيراً. وأضاف: «في الواقع فإن هذه الأزمة أصولها في الاقتصادات المتقدمة، وستزيد الأعباء الثقيلة على الاقتصادات الناشئة الطين بلة».

وقال أعضاء مجموعة العشرين إنهم سوف يدعمون مخصصاً قيمته 250 مليار دولار في صورة حقوق سحب خاصة، وهي نوع من العملة يستخدمها صندوق النقد الدولي وحده ويمكن أن تبدل بعملة صعبة. ولدى أعضاء صندوق النقد الدولي حقوق سحب خاصة تتناسب مع حجمهم، وستعود زيادة المخصصات بالنفع بصورة مباشرة على الدول النامية التي عانت بشدة بسبب الركود. وتقوم الدول الأغنى مثل دول غرب أوروبا بإقراض حقوق السحب الخاص لديهم إلى دول تحتاج إلى المساعدة مثل دول شرق ووسط أوروبا. وتعكس الزيادة في موارد الإقراض مدى الاحتياجات التي تسبب فيها الركود، كما أنه يشير إلى كمية عمل متزايدة على صندوق النقد الدولي. ولكن، لم يحصل الصندوق على المزيد من الأموال لصالح عمليات، ويتساءل البعض داخل الصندوق هل ستكون هناك أعباء كبيرة على الصندوق بعد تقليل العالمين وزيادة أخيرة في التقاعد. ويقول المسؤول البارز في الصندوق: «نعاني من الإجهاد، لقد ذهبنا إلى أبعد مدى (مع تقليص العمالة العام الماضي). نحتاج الموارد لمساعدة أعضائنا».

وبدأ الصندوق في توظيف المزيد من الموظفين، ورفعت الأزمة المالية من الإقبال، حيث بلغ العدد الإجمالي للمتقدمين لوظائف مهنية خلال الربع الأول من العام 2009 معدلا أكبر مقارنة بما سجل خلال المدة نفسها من 2007 و2008، حسب ما قالته المتحدثة باسم الصندوق كوني لوتز.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»