شركات البترول الكبرى تتجاهل الاستثمار في الطاقة المتجددة

إدارة أوباما تريد إنفاق 150 مليار دولار على «الطاقة النظيفة»

TT

تريد إدارة أوباما أن تخفض من استهلاك البترول، وتزيد من إمدادات الطاقة المتجددة، وتخفض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في أكثر تحولات سياسة الطاقة طموحا منذ جيل مضى.

ولكن شركات البترول العملاقة غير مقتنعة بأن هذا سينجح. حتى في الوقت الذي تتجه فيه واشنطن إلى نوبة من النشاط بشأن الطاقة، تظل شركات البترول على الهامش، عاجزة عن إتمام الاستثمارات في التقنيات الجديدة، التي يفضلها الرئيس أو حتى الابتعاد عن التعهدات التي تلتزم بها بالفعل.

وأعلنت شركة «رويال داتش شل» الشهر الماضي، أنها ستجمد أبحاثها واستثماراتها في الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين، وتركز جهود الطاقة البديلة على الوقود الحيوي. وقد باعت الشركة بالفعل معظم عملياتها في الطاقة الشمسية، وانسحبت من مشروع في العام الماضي لبناء أكبر حقل لتوليد الطاقة من الرياح بالقرب من لندن.

وتعود شركة «بي بي»، التي أمضت تسعة أعوام وهي تقول: إنها تعمل على «ما وراء البترول»، إلى البترول منذ عام 2007. وقللت من حجم برنامجها في الطاقة المتجددة. وتتجاهل شركات البترول الأميركية، التي كانت متشككة في الطاقة البديلة أكثر من نظيراتها الأوروبية ـ عن عمد ـ الرسائل الجديدة القادمة من واشنطن.

وقال ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي لشركة «إكسون موبيل»، بعد انتخاب الرئيس أوباما: «في رأيي، لم يتغير شيء بالفعل. نحن لا نعارض مصادر الطاقة البديلة وتنميتها. ولكن يتناقض تعليق مستقبل الطاقة في البلاد على هذه البدائل وحدها مع حقيقة حجمها ونطاقها».

وتريد الإدارة إنفاق 150 مليار دولار على مدار العقد المقبل، من أجل صنع ما تسميه «مستقبل الطاقة النظيفة». وستهدف خطتها تنويع مصادر الطاقة في البلاد، بتشجيع المصادر الأكثر تجددا، وستقلل من استهلاك البترول، وتقلص من انبعاثات الكربون من الوقود الأحفوري.

وتذيع شركات البترول إعلانات تعرب عن رغبتها في الوصول إلى مصادر جديدة للطاقة، ولكن لا تتناسب استثماراتها الفعلية مع ادعاءاتها التسويقية. ويذهب القدر الأكبر من استثماراتها إلى موارد البترول التقليدي، ومن بينها مصادر الطاقة ذات الكربون المكثف مثل الرمال الزفتية والغاز الطبيعي من الطفل الصفحي، بينما تعد استثمارات الطاقة البديلة كسرا ضئيلا من إنفاق هذه الشركات. وحتى الآن، تغير هذا الوضع قليلا تحت إدارة أوباما.

ويقول ناتانال غرين، كبير المحللين السياسيين في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية: «إن حجم استثماراتهم البديلة صغيرة للغاية، لدرجة أنه من الصعب العثور عليها. ولا تشعر هذه الشركات بأن عليها أن تكون على الطرف الأساسي من هذه العملية».

وربما لا يكون من المفاجئ أن معظم الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة تأتي من أموال بعيدة عن شركات البترول.

في الأعوام الـ15 الأخيرة، أنفقت أكبر 5 شركات بترول حوالي 5 ملايين دولار من أجل تطوير مصادر للطاقة المتجددة، وفقا لمايكل إيكهارت، رئيس المجلس الأميركي للطاقة المتجددة، وهي مجموعة صناعية تجارية. ويمثل هذا 10 في المائة فقط من 50 مليار دولار تقريبا تم ضخهم إلى قطاع الطاقة النظيفة، من خلال صناديق استثمارية ومستثمرين في شركات أثناء تلك الفترة. ويقول إيكهارت: «لا تعتبر شركات البترول الكبرى أن الطاقة المتجددة مشروع سائد. إنها مشروع ثانوي بالنسبة لهم».

وعلى سبيل المثال، أعلنت «شل» أنها أنفقت 1.7 مليار دولار منذ عام 2004 على مشروعات بديلة. وهذا الرقم يبدو ضئيلا للغاية أمام الـ87 مليار دولار التي أنفقتها في الفترة ذاتها على مشروعاتها في البترول والغاز في جميع أنحاء العالم. وفي العام الحالي يبلغ إجمالي الإنفاق في الشركة 31 مليار دولار، معظمه مخصص لتنمية الوقود الأحفوري. ويؤكد مديرو شركات الصناعة أن مقارنة استثماراتهم في مشروعات البترول والغاز بجهودهم البحثية في مجال الطاقة المتجددة مضلل. وقالوا إنه على الرغم من أن هناك حاجة إلى الوقود المتجدد، إلا أنهم في مرحلة مبكرة من التنمية، وسيظل البترول المصدر السائد للطاقة لعدة عقود.

وفي توقعاتها طويلة المدى، تعلن «إكسون» أنه بحلول عام 2050، ستبلغ نسبة المواد الهيدروكربونية، ومنها البترول والغاز والفحم، 80 في المائة من إمدادات الطاقة في العالم، أي النسبة الحالية تقريبا.

ويقول ديفيد أوريلي، الرئيس التنفيذي لشركة «شيفرون» في خطاب في نيويورك نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي: «إن الطاقة المتجددة حقيقية للغاية. ونحتاج إليها. وستكون جزءا ضروريا من المستقبل الذي أتخيله. ولكن ليس من الواقعي أن نفترض أنه في إمكاننا إحلالها محل الطاقة التقليدية في الإطار الزمني الذي يقترحه البعض».

وقد أنفقت «شيفرون» حوالي 3.2 مليار دولار منذ عام 2002 على «الطاقة المتجددة والبديلة وخدمات توفير الطاقة»، وفقا لألكسندر يلاند، المتحدث الرسمي. وتخطط لأن تنفق 2.7 مليار دولار في ثلاثة أعوام حتى عام 2011، في مجموعة مختلفة من المشروعات، من بينها مشروع يساعد على تحسين توفير الطاقة في الشركات والهيئات الحكومية.

وعلى الرغم من حماس واشنطن حديث العهد بالبيئة، إلا أن رؤساء الشركات يقولون: إن إحلال أي نسبة مهمة من أعمال الوقود الأحفوري ستستغرق عقودا على أفضل تقدير. ومن أجل التماشي مع نمو الطلب على مصادر الطاقة التقليدية، سيحتاج المنتجون إلى استثمار ما يزيد على تريليون دولار سنويا من الآن وحتى عام 2030، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.

ويقول دانيال يرغين، رئيس مجلس إدارة جمعية أبحاث الطاقة في كمبريدج ومؤرخ للصناعة: «يرى العديد من هذه الشركات أن العالم يتغير. ولكن التحدي الذي يمثل أمام الشركات الكبرى هو الحصول على نطاق كبير. ونحتاج إلى نسيان حجم أعمال الطاقة».

ويستهلك العالم حوالي 85 مليون برميل من البترول يوميا. وتحتاج الولايات المتحدة وحدها ستة أضعاف أراضيها الزراعية، و75 في المائة من الأراضي الزراعية في العالم، لتوفير حاجاتها من الإيثانول المصنوع من الذرة، وفقا لإحصائيات فاكلاف سميل، خبير الطاقة في جامعة مانيتوبا.

وقد وضح أن الأهداف الأكثر واقعية والمعتدلة صعبة المنال. ولا يمكن، كما يقول الخبراء، تنفيذ أمر الكونغرس المتعلق بالإيثانول، الذي يتطلب أن تستخدم الشركات 36 مليار غالون من الإيثانول بحلول عام 2020، بدون إحراز إنجازات تقنية كبرى ما زلنا نبعد عن تحقيقها بأعوام.

وتعلن شركة «شل»، وهي تشارك باستثمارات كبيرة في ألبرتا في كندا، أن إمدادات البترول التقليدية لن تكون كافية من أجل الوفاء بزيادة الحاجة العالمية للطاقة، على مدار نصف القرن المقبل. وفي عام 2007، استثمرت شركة «بي بي» في الرمال الزفتية الكندية، مما أثار الانتقادات بأنها تعيد «انبعاثات الكربون» إلى إنتاجها.

وأحد المجالات التي يتزايد تركيز الشركات عليها هي الحصول على وقود سائل من النباتات. وأعلنت شركة «بي بي» أنها ستقيم سريعا مصنعا في فلوريدا لإنتاج نوع من الإيثانول المصنوع من مكونات نباتية؛ وعملت «شل» مع العديد من الشركات منذ عام 2002 من أجل الحصول على الإيثانول من محاصيل غير غذائية. وفي العام الماضي، وقعت اتفاقيات مع ست شركات، من بينها واحدة في البرازيل، وقررت التخلي عن جهودها في الطاقة المتجددة الأخرى للتركيز فقط على الوقود الحيوي.

وتقول دارسي سينكلير، المتحدثة باسم الشركة: «يبدو الوقود الحيوي أقرب لصميم مشروعاتنا».

وتحمل مجالات أخرى وعدا مهما للصناعة، مثل تقنيات الحصول على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتخزينها تحت الأرض، وبرامج توفير الطاقة، وخاصة في قطاع المواصلات. وتعمل شركة «إكسون»، التي كانت أكثر شركات البترول تشككا في استثمارات الطاقة البديلة، على برامج طويلة المدى لتحسين توفير الوقود وتقليل الانبعاثات.

* خدمة «نيويورك تايمز»