لوائح الهجرة الأميركية حدت من استقدام أفضل المهندسين

50% من العاملين في شركات التقنية ولدوا خارج أميركا

أعلام دول العاملين في مقر غوغل في ماونتين فيو بولاية كاليفورنيا يماثل أمما متحدة مصغرة (نيويورك تايمز)
TT

* «أين سانجاي؟»

* جاء هذا التساؤل على لسان مهندس من ضمن عشرات المهندسين اجتمعوا حول طاولة اجتماعات داخل «غوغل». تجمع المهندسون لمناقشة كيفية إعداد خرائط سهلة الاستخدام يمكن أن تحول مئات الملايين من هواتف الجوال إلى وسائل رقمية تعرّف المسافرين بأماكن الشركات والمطاعم والمزارات البارزة. رد مدير المجموعة: «ستصل طائرته في التاسعة والنصف».

يوجد مقر غوغل في سيليكون فالي بولاية كاليفورنيا الأميركية، ولكن سانجاي مافينكورفاي، أحد المهندسين البارزين في هذا المشروع، لا يعيش هنا. ومافينكورفاي هو مهاجر هندي يبلغ من العمر 28 عاما ساعد على وضع أساس موقع فيس بوك عندما كان طالبا في هارفارد، ويعمل في مكتب مبيعات تابع لغوغل في تورنتو، كمهندس وحيد بين مجموعة من البائعين. لديه تأشيرة للعمل في الولايات المتحدة، ولكن لا توجد تأشيرة مماثلة لزوجته سامفيتا بادوكون، التي ولدت أيضا في الهند. وعليه فقد انتقل إلى كندا. ويقول مافينكورف: «يقول لي كل أميركي أتحدث معه: «صديقي، شيء يدعو للسخرية ألا نقوم بكل ما يمكن القيام به للحفاظ عليك داخل الولايات المتحدة. نحتاج إلى أشخاص مثلك».

ويمثل المهاجرون، من أمثال مافينكورف، شريان الحياة في «غوغل» وسيليكون فالي ـ مقار شركات الإلكترونيات ـ حيث ولد أكثر من نصف المهندسين في الخارج، مقارنة بنسبة 10 في المائة في عام 1970. وتقول «غوغل» وغيرها من الشركات الكبرى إن متخصصي التقنية الصينيين والهنود والروس وغيرهم ساعدوا على إحداث تغيرات كبرى في هذا القطاع، وساعدوا على بناء الثروات وتوفير فرص عمل. ويقول فيفيك وادوا، وهو أكاديمي مختص في شؤون الهجرة يعمل في ديوك وهارفارد إن مؤسسي أكثر من نصف الشركات الموجودة في سيليكون فالي في الفترة من التسعينات إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ولدوا في الخارج. وتضم النخبة التي ولدت في الخارج المؤسس المشارك لشركة إنتل المجري المولد أندرو غروف؛ والمؤسس المشارك لـ«ياهو» الصيني المولد جيري يانغ ؛ وفينود كوسلا، من الهند وأندريا فون بتشتولشيم، من ألمانيا وهما المؤسسان المشاركان لـ«صن مايكروسيستمز»؛ والمؤسس المشارك لـ«غوغل» الروسي المولد سيرجي برين. ويقول تنفيذيو قطاع التقنية إن النظام وقواعد الهجرة والقيود المتزايدة على التأشيرات قوضت من قدراتهم على استقدام المزيد من أفضل المهندسين في العالم. ويقول كرايغ بارت، رئيس «إنتل»: «نرقب تراجعا في وضعية الولايات المتحدة كقوة اقتصادية، وهذا ليس افتراضا على سبيل الجدل، ولكنه واقع يحدث».

ويلقي بارت باللائمة على النظام التعليمي المتردي، الذي يصعب إصلاحه، ولكنه يقول إنه يمكن اتخاذ إجراء مؤقت بالسماح للشركات بتوظيف المهندسين الأجانب. «بحركة أصبع يمكن أن تقول: (أنا سوف أفعل ذلك حتى يتمكن هؤلاء الصبية الأذكياء من الإقامة في الولايات المتحدة؛ علما بأن عددا كبيرا منهم يبغي ذلك بالفعل). إنهم هنا حاليا ويتخرجون اليوم، وسيعودون إلى أوطانهم اليوم». ولكن، ثمة معارضة من المناوئين لتحرير قواعد الهجرة والجماعات المؤيدة للمهندسين الأميركيين المولد. وقد اشتد النقاش في هذه القضية في الوقت التي تفاقم فيه التباطؤ الاقتصادي في البلاد. وينتقد مناصرو العمال المولودين في أميركا الشركات التي تسرح الموظفين في الوقت الذي تبقي فيه على المهندسين الذين يعيشون هنا ومعهم تأشيرات. ولكن يرد قطاع التقنية بالقول بأن الأشياء المبتكرة التي يقوم بها العمال ذوو القدر الكبير من المهارة تمثل عنصرا محوريا في النمو الأميركي على المدى الطويل. ويشيع هذا النقاش داخل «غوغل»، كما أنه يرتبط شخصيا بمافينكورفاي.

ولد سانجاي مافينكورفاي في مومباي لأبوين من الطبقة العاملة سرعان ما انتقلا إلى السعودية. قدر الولد أن كل شيء مهم في الحياة يكون أميركيا. وعندما بلغ الرابعة عشر من عمره، التحق مع أخيه بأكاديمية ويسترن ريزرف، وهي مدرسة خاصة في كليفلاند بالولايات المتحدة، وحصلا على منح دراسية. وخلال عامه الرابع في المدرسة كان مافينكورفاي على قمة فصله الدراسي. وكانت المحطة التي تلت هي هارفارد. وخلال عامه الأول فيها، حصل على جائزة أفضل مقال يكتب بالفرنسية، وكان عبارة عن مقارنة لكتب آني ارنو. ولكنه علم أنه يمكن أن يفقد هوية الهجرة بعد أن يتخرج وتنتهي تأشيرته كطالب. ولذا قرر أن يتخصص في علوم الكومبيوتر، وهو مجال رأى أنه سيكون عليه طلب وشارك في برنامج من أربعة أعوام للحصول على درجة الماجستير. وبدأ العمل في غوغل في أغسطس (آب) 2003 كمدير للخدمة، وكان مسؤولا عن الفرق التي طورت خدمة غوغل نيوز وخدمة غوغل تول بار، وبعد ذلك عمل في خدمة بحث الفيديو على الموقع وفي الإصدارات الأولى من خدمة خرائط غوغل لأجهزة التليفون الجوال. وحقق شهرة في مجال المساعدة على تصميم شكل الخدمات، وكيفية جعلها سهلة الاستخدام. بيد أنه، كان لديه سبب بسيط جعله يشعر بالقلق على تأشيرته، على ضوء القيود على عدد التأشيرات التي تصدر للعمالة المهاجرة الماهرة. وتم تقنين التشديد على العمالة الماهرة في قانون الهجرة والجنسية لعام 1965، الذي نص على أنه بنسبة 20 في المائة من إعلانات المهاجرين، سوف يحصل المرشحون الذين لديهم مهارات معينة على الإقامة إلى أجل غير مسمى، على الرغم من أن العشرين في المائة تضمنت أفراد أسرة هؤلاء المهاجرين المهرة. وفي عام 1990 خصص الكونغرس 65.000 تأشيرة عمل مؤقتة للعمال المهرة، مما عكس الاهتمام المتزايد للتقنية واستجابة لضغوط القطاع. ورفع القيد مرتين في الوقت الذي ازدهر فيه قطاع التقنية ليصل إلى 115.000 في عام 1999 وإلى 195.000 في عام 2001. يذكر أنه من بين عدد العمال في غوغل الذي يبلغ عددهم 20.000 ولد 2000 في الخارج ويعملون وفق تأشيرات مؤقتة. وكما هو الحال مع سوق الشركة، فإن القوة العاملة داخلها دولية. وباستخدام أجهزة التليفون الجوال، تعتقد غوغل أنه يمكنها التوسع في مناطق يصعب فيها استخدام خدمة الانترنت عن طريق أجهزة الكومبيوتر، وتعتقد أيضا أنه يمكنها بناء إصدارات بها إعلانات من خرائط وغيرها من الخدمات حتى يمكن للعملاء استخدام الخدمات بفاعليه ومجانا. ولكن، في أواخر عام 2006، كانت الخرائط التي تنتجها الخدمة تأخذ وقتا طويلا للغاية كي يتم تحميلها ولتظهر على أجهزة التليفون الجوال. وفي الوقت الذي ينتظر فيه العملاء للخرائط كي تظهر، كانت فواتير كبيرة تتراكم عليهم للشركات التي تقدم خدمة التليفون الجوال، التي كانت تأخذ رسوما على كل دقيقة وكل بايت ينقل من المعلومات. ودخل مافينكورفاي في الصورة، حيث طرح بديلا، وهو تقليل عدد الألوان في كل قطاع خرائط إلى 20 أو 40 بدلا من 256. لن يلاحظ المستخدم الاختلاف، ولكن سوف يقل وقت التحميل بنسبة 20 في المائة. ويأتي الكثير من المبدعين في سيليكون فالي من خارج الولايات المتحدة: 42 في المائة من المهندسين الحاملين لدرجة الماجستير و60 في المائة من الذين يحملون درجة الدكتوراه في الهندسة في الولايات المتحدة ولدوا خارج البلاد. ويساعد الأجانب أيضا على الوصول إلى مقدار أكبر من استيعاب حاجات العملاء الموجودين في الخارج. وعندما لا تستطيع غوغل الحصول على تأشيرات عمل للأشخاص الذين تريد توظيفهم، فإنها تسعى إلى استيعابهم في مكاتبها في الخارج، كما هو الحال مع مكاتبها في بريطانيا والبرازيل ويشارك أعضاء فريق الخرائط في الاجتماعات عن طريق الفيديو كونفرانس. وعادة ما يتحدث مافينكورفاي، في تورنتو، مع زملائه عن طريق الفيديو كونفرانس أو البريد الإلكتروني أو الرسائل الفورية. ولكنه يسافر مرتين شهريا لمقر الشركة ومرة شهريا إلى بريطانيا. وبالنسبة لغوغل ومافينكورفاي، فإن العمل داخل الولايات المتحدة سوف يكون أفضل، ولكن المشكلة هي أنه سقط في شرك الحب. وفي الوقت الذي يزداد فيه الركود داخل البلاد، ينتقد الكثير من المواطنين، ومعهم أعضاء في الكونغرس، الشركات أمثال مايكروسوفت وإنتل لتسريحها الأميركيين في الوقت الذي تبقي فيه على حملة تأشيرات العمل. وتقول غوغل إنها سوف تسرح 350 عاملا خلال العام الجاري. وحسب تقديرات غوغل فإنها تنفق حوالي 20 مليون دولار سنويا في إجراءات الخاصة بالمهاجرين، ويتضمن ذلك محاولات الضغط والإدارة ورسوم للشركات القانونية. وربما تكون مايكروسوفت، التي لن تعلن عن النفقات، تنفق بمقدار أكبر. ويبلغ عدد الفريق المسؤول عن شؤون الهجرة داخلها 20 محاميا وموظفا. وعلى الصعيد السياسي، يضغط قطاع التقنية داخل الكونغرس عن طريق منظمة يطلق عليها «كومبيت أميركا»، وهي تضم كيانات كبرى مثل إنتل ومايكروسوفت وغوغل وأوراكل. ويقول بابلو تشافيز، مستشار السياسة البارز في غوغل: «الجيل المقبل من مهندسي غوغل يقابل بالرفض، إذا لم يحضر مهندس أجنبي المولد إلى غوغل، فأمامه فرصة جيدة جدا للعودة إلى الهند ومنافستنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»