بيت التمويل الخليجي يعلن عن تعزيز شراكته مع تركيا في الاستثمار الزراعي

عصام جناحي في حوار مع«الشرق الأوسط» : البنوك الإسلامية تضررت بنسبة أقل من الأزمة العالمية

عصام جناحي
TT

أعلن عصام جناحي، رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الخليجي أن شركته التي وقعت أخيراً اتفاقاً مع الحكومة التركية للاستثمار في المجال الزراعي، تتجه حالياً لتعزيز استثماراتها في قطاع الطاقة، معتبراً أن الحكومات التي تمتلك دولها مخزوناً من الطاقة تسعى في ظل الأسعار الراهنة وزيادة الطلب على النفط والغاز للبحث عن مستثمرين من القطاع الخاص يسهمون في نمو أعمال التنقيب والاستثمار في قطاع الطاقة.

وقال جناحي الذي كان يتحدث في حوار مع «الشرق الأوسط» من البحرين، إن بيت التمويل الخليجي إحدى أذرع الأنشطة المصرفية الإسلامية، حافظ على أداء جيد بالرغم من الآثار السلبية التي ضربت الاقتصاديات العالمية، مرجعاً ذلك لتماسك النظام المصرفي الإسلامي وحمايته من المخاطر.

جناحي أبلغ «الشرق الأوسط» أن بيت التمويل الخليجي سيعلن خلال العام الجاري عن فرص استثمارية في قطاعات الزراعة والطاقة، وسوف يتجه لتنويع استثماراته داخل البلدان التي يمتلك فيها أنشطة استثمارية مثل شمال أفريقيا وآسيا والدول الخليجية.

كما تحدث جناحي عن الميزات التنافسية التي جرى بسببها اختيار تركيا كباكورة أنشطة الاستثمار الزراعي وفي مجال الغذاء عبر تحالف (فيجين ـ 3) الذي يضم، بالإضافة لبيت التمويل الخليجي، بيت أبوظبي للاستثمار، وبنك الإثمار، وهو التحالف الذي كان وراء إطلاق مصرف أغريكاب المتخصص في الاستثمار في القطاع الزراعي في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

* في البدء كيف تقيم الآثار الناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية؟

* بالنسبة للأزمة المالية، الجميع كان يعي أن بوادر هذه الأزمة بدت للعيان نهاية عام 2007، سواء عبر التأثر الذي أصاب شركات الرهن العقاري في الولايات المتحدة، أو نزول بعض المصارف العالمية في الربع الأول من عام 2008، واختفاء بعضها من السوق، وكذلك التأثيرات العميقة التي أصابت الشركات الكبرى التي تعمل في مجال المشتقات مثل (ليمان براذرز)، التي ظهرت الآثار في الربع الثالث من السنة.

وفي حين كانت هناك توقعات بحدوث عمليات تصحيح للسوق، إلا أن أحداً لم يكن يتوقع أن يتدهور السوق المالي بحدوث أزمة بهذا الحجم، وحين نتحدث عن تصحيح السوق فإننا نتحدث عن نسبة ما بين 20*25 في المائة، والتي عادة ما تكون في أحد الأصول المالية، وليس في كل الأصول الثابتة وغير الثابتة، والمعاملات التجارية والاستثمارية. لكن هذه الأزمة ساهمت في إعادة النظر في معظم الصناديق الاستثمارية العالمية، في ظل انعدام التصحيح والمحافظة على القيمة الاسمية للمحافظ المالية، وبالتالي مراجعة عمليات إدارة المخاطر.

* كيف يمكن تقييم هذه المخاطر خاصة باختلاف أحجام اقتصاديات الدول بين دول كبرى وأخرى نامية؟

* عادة المؤسسات والبنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة تكون نسبة المخاطر مقبولة إذا كان الدين على رأسمال المال وحقوق المساهمين يعادل نحو 10*15 مرة، أي بالنسبة لدين الشركات مقابل رأسمال المال المدفوع، لكن في دول الخليج فإن النسبة تكون محافظة إذا عادلت 5*6 مرات. ومعظم المؤسسات المالية الاستثمارية في الخليج، خلال الربع الأخير من العام الماضي، إذا كانت تتحمل نسبة من الاقتراض فإن هذا الاقتراض حدث للرغبة في الاستثمار في أوعية استثمارية إسلامية أو غير إسلامية، ومعظمها لأن السوق مثل عاملا مساعداً للاستثمار. لكن ما جرى، أن معظم المؤسسات المدرجة التي تحمل دينا عاما كبيرا أمام رأسمال المدفوع أو حقوق المساهمين تأثر أداؤها لأن معظم الاستثمارات كانت في استثمارات في أسواق محلية مدرجة، ولاحظنا أن مؤشرات الأسواق الخليجية، وخاصة الأسواق النشطة مثل السوق الكويتي، تأثرت بعض المؤسسات الكبيرة المدرجة ونزلت قيمة أسهمها الاسمية بنسبة تصل إلى 80 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، على مدى شهرين وثلاثة أشهر.

* ما دور المحافظ الخارجية في نزول قيمة الأسهم؟

* نعم المحافظ الخارجية لها تأثير في الأوضاع، حيث إن هذه المحافظ تتحمل ديونا من أجل الاستثمار ومع نزول السوق تتجه لتسييل محافظها من أجل التسديد، كذلك فإن المحافظ الخارجية لا تمتلك نظرة بعيدة المدى. فالمستثمر الخارجي يراجع عادة أداءه كل ثلاثة أشهر، وبالتالي فإنه كل ربع سنة يجري تقييم أداء الأسهم وبيع الرابحة منها ومحاولة تعويض الخسائر. لكن لا يمكن لوم الاستثمارات الخارجية لأننا في أسواق مفتوحة وهي بحاجة إلى محافظ استثمارية عالمية.

* أمام هذه الأزمة، كيف صمدت أنظمة الصيرفة الإسلامية؟

* علينا ملاحظة أن الصكوك الإسلامية مدعومة بأصول، حتى إذا انخفضت قيمة الصك، فإن الأصول تبقى موجودة، والمعلوم أن السندات التقليدية غير مدعومة بأصول.

المنحى الثاني، أن عملية الدخول في المشتقات صعبة، لأن المشتقات التقليدية معظمها تعمل بنظام (التورق) وهي من المجالات التي لا تدخل فيها الصيرفة الإسلامية، وهذا أيضا مثّل عاملا مساعداً في التقليل من نسبة المخاطر. كذلك ففي معظم شركات المصرفية الإسلامية يكون الدين بالنسبة لرأس المال المدفوع وحقوق المساهمين متحفظا للغاية وهو الآخر مثل عاملا مشجعاً في الحدّ من التوسع الذي ينجم عنه تحمل ديون كبيرة مقابل حقوق المساهمين، فهذه جميعها كانت عوامل مشجعة لدفع المستثمرين للنظر للصيرفة الإسلامية باعتبارها تقدم البديل المناسب لتنويع الاستثمارات.

* بالنسبة لكم في بيت التمويل الخليجي، ما هي الإجراءات التي اتخذتموها للحد من المخاطر؟

* بالنسبة لنا في بيت التمويل الخليجي، نمتلك ميزات تنافسية، منها أننا نتمتع بأدنى نسبة دين بالنسبة لحقوق المساهمين، حتى بالقياس مع المؤسسات المصرفية الإسلامية الأخرى، بالإضافة فنحن نعتمد على أن تكون العوائد مجزية من حيث الأرباح، ولكن يقابلها الدخول في أقل المخاطر من حيث الاستثمار. كذلك نحن لم نخاطر في الدخول في عمليات الاستثمار المباشر اعتماداً على تحمل ديون، وهو ما ساعد على الحد من المجازفة، بالرغم من أنه مثّل عاملا سلبياً في إعطاء المردود الكافي، في حين كان هناك التزام برفع العائد الداخلي.

كذلك فإن من العوامل الأخرى التي ساعدتنا، هي أننا في العادة نعقد شراكات اقتصادية مع الحكومات، وهذا النوع من الشراكة وفّر لنا الدعم المباشر وتنويع وتوزيع المخاطر بالنسبة للدول، فمثلا استفدنا كثيراً من دخولنا في استثمارات في جنوب شرق آسيا وخاصة في السوق الهندي الذي نقيم فيه استثمارات في منطقة (مرهشترا) وهي المنطقة التي تسهم بنسبة 60 في المائة من الدخل القومي الهندي، حيث نعمل هناك وبشراكة مع الحكومة الهندية لإقامة مشاريع إستراتيجية، ومما يساعد هناك أننا نتواجد في سوق لا تمثل الأزمة المالية علاقة طردية مع الاقتصاد الهندي. كذلك يمكنني أن أشير إلى فريق العمل والخبراء الذي يتمتع به بيت التمويل الخليجي، هذا الفريق يمتلك قدرات عالية في التعامل مع مختلف الأسواق سواء الخليج أو جنوب شرق آسيا أو شمال أفريقيا أو غيرها.

* إلى أين يتجه تحالف «فيجن3»، الذي يضم بيت التمويل الخليجي، وبنك الإثمار، وبيت أبوظبي للاستثمار، بعد توقيع اتفاقية التفاهم مع الشريك التركي؟

* «فيجن3» هو تحالف ثلاث مؤسسات استثمارية جرى اختيارها بحيث تمتلك الكفاءة في مشاريع البنية التحتية، فمثلا بيت التمويل الخليجي لديه الخبرة في استقطاب الأموال لمشاريع البنية التحتية، وبنك إثمار يمتلك خبرة على مدى 30 سنة، سواء عبر بنك فيصل الإسلامي أو (شامل) أو البنك العربي الإسلامي، في عمليات إقامة هيكلة مصرفية إسلامية في قطاعات البنية التحتية، وبيت أبوظبي للاستثمار يمتلك سجلا من الخبرة في مجال مشاريع البنية التحية أيضا.

نتجه في هذا التحالف للتخصص في ثلاثة قطاعات رئيسية من بينها إطلاق مبادرة أغريكاب (AgriCap)، وإنشاء مصرف متخصص في الاستثمار في القطاع الزراعي في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويستهدف المصرف الوصول برأسماله إلى 3 مليارات دولار، في حين أنه سيبدأ بنحو مليار دولار، ويتولى المصرف إدارة عمليات الاستحواذ. والمجال الآخر، عملية استصلاح الأراضي الزراعية، فقد بدأنا بالتوقيع مع تركيا يعمل بموجبه التحالف الثلاثي مع هيئة تطوير الاستثمار في تركيا على إنشاء وتطوير الفرص الاستثمارية الابتكارية في القطاع الزراعي في تركيا، وتوج بالتوقيع أخيراً على اتفاق أثناء زيارة الرئيس التركي للبحرين منتصف الشهر الجاري مع إحدى الهيئات الحكومية التابعة لوزارة الزراعة التركية، التي تعنى بشؤون الأراضي الزراعية في تركيا ـ تيجم (TIGEM)، يتم بموجبها قيام تيجم بتحديد الأراضي الزراعية التي تتناسب مع توجهات وأنشطة مبادرة «أغريكاب»(AgriCap) أحد مكونات مبادرات (فيجن 3)، التي تهتم بالقطاع الزراعي، وعلى ضوء الاتفاقية المبرمة بينه وبين هيئة الاستثمار التركية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

* هل لكم شركاء في هذا المشروع، أعني مشرع الاستثمار في القطاع الزراعي؟

* نعم لدينا شركاء في دول مجلس التعاون الخليجي، سيجري الإعلان عنهم تباعاً، وهناك محادثات متفرقة مع حكومات مختلفة سواء في شمال أفريقيا أو جنوب شرق آسيا. فالشركاء الذين نتحدث عنهم من مستثمرين من القطاع الخاص، بينما البحث عن الفرص يجري عادة بالحوار مع القطاع الحكومي.

* لماذا اتجهتم لتركيا في المشاريع الزراعية عوضاً عن دول مثل جنوب شرق آسيا على سبيل المثال؟

* لدينا مباحثات مع دول في آسيا، ولم يتم الإعلان عنها حتى الآن، بالنسبة لتركيا لديها التكنولوجيا المتخصصة في مجال استصلاح الأراضي الزراعية، وبالنسبة للمسح الجغرافي الذي قمنا به بواسطة خبراء، أوضح أن تركيا تمتلك رقعة كبيرة صالحة للزراعة بتكلفة شبه ضئيلة مقارنة بدول أخرى لديها المساحة ولكن بتكلفة أعلى، كذلك الحاجة إلى نظام يوفر الحماية للمستثمرين. والحكومة التركية قامت بإجراء ثلاث من الإصلاحات التي كانت مقدمة لدخولها في المجموعة الأوروبية، وواحدة من هذه الإصلاحات كان النظام المالي. وبالنسبة لنا، فإننا كأي مستثمرين قبل الدخول في أي نشاط داخل البلاد نبحث عن الحماية المالية لعمليات الدخول والخروج، ونظام الإعفاءات الضريبية، ومقدار ما يوفره النظام المالي من سعة لاستيعاب الأموال المتدفقة إلى هناك، بالإضافة إلى أن الحكومة التركية لديها مختصين في مجال خصخصة القطاع الزراعي، ولديها قائمة بالمشاريع المطلوب استقطاب استثمارات من أجلها.

* في العام الماضي أعلنتم عن تأسيس بنك الطاقة الأول في البحرين، بعد أن قمتم بتأسيس مدن طاقة في كل من قطر والهند وليبيا، كيف تقيمون أداء البنك بعد نحو عام من تأسيسه؟

* تم الإعلان رسميا عن بنك الطاقة في سبتمبر (أيلول) 2008، وتم استقطاب مليار دولار كرأسمال مدفوع للبنك، ودخل معنا شركاء إستراتيجيون بينهم هيئة الاستثمار الليبية التي ساهمت بنسبة 10 في المائة من أسهم البنك، وهيئة أبوظبي للكهرباء والمياه بنسبة 10 في المائة، وشركة تصاميم من دبي بنسبة 10 في المائة، ومصرف الإمارات الإسلامي بنسبة 10 في المائة، ودبي للاستثمار بنسبة 5 في المائة، ومجموعة العمودي والجبر السعوديتين بنسبة 5 في المائة لكل منهما، بالإضافة لشركاء إستراتيجيين آخرين سواء كانوا شركات أو أفراد.

* كيف تعاملتم مع انخفاض أسعار النفط؟ هل ساهم ذلك في تغير وجهة الاستثمار في قطاع الطاقة؟

* حين إعلان البنك في وبداية نشاطه في سبتمبر 2008 كانت هناك عوامل مساعدة في نجاح أعماله، خاصة أن أسعار النفط في ذلك الوقت في وضع ما زال مرتفعاً وصل لنحو 70*80 دولاراً للبرميل؛ لأن في ظل ارتفاع أسعار النفط التي وصلت قبل ذلك لنحو 140 دولاراً يجعل من الاستحواذ على مشاريع في قطاع الطاقة أمرا مكلفا، ومع نزول الأسعار أصبحت الفرص الاستثمارية أكثر جاذبية. في ذلك الوقت أيضا أعلنا مبادرة (مينا دريل) التي يقوم عليها مصرف الطاقة الأول كمستثمر استراتيجي ووقعت اتفاقية لتشييد منصتين للحفر والتنقيب البحري عن البترول (قيمة الصفقة نحو400 مليون دولار أميركي) وفي نهاية العام الحالي وبداية العام المقبل سوف تسلم الأعمال.

* هل ترون فرصاً استثمارية لهذا البنك ولشركات الطاقة الأخرى في مجال الاستثمار في قطاع الطاقة؟.

* في قطاع الطاقة نعتقد أن الحصول على فرص استثمارية باتت أقرب مما كانت في السابق، والسبب أن الحكومات أصبحت أكثر استعداداً للحديث مع الشركات الخاصة للدخول في شراكات إستراتيجية في قطاع الطاقة والبحث والتنقيب عنها، وخصوصاً في ظل الأسعار الحالية للبترول الخام، أيضاً فإن شركات النفط العالمية والوطنية قللت من خططها للتوسعة.

فالفرص مواتية في هذا القطاع لأن الأسعار الموجودة تمثل عاملا مساعداً، كما أن هناك أسواق تشجع الدخول فيها سواء في شمال أفريقيا، أو دول الخليج، أو الصين، أو روسيا، أو كازاخستان، فهذه أسواق يمكن الاعتماد عليها لوجود الاحتياط من جانب ولوجود استثمارات مباشرة من شركات النفط العالمية.

* هل ثمة فرص يمكن الحديث عنها حاليا؟

* خلال العام الجاري 2009 ستكون هناك مشاريع سيجري الإعلان عنها في قطاع الطاقة، وسيكون هناك مشاريع في الربع الثاني من هذا العام. وستمثل جزءاً من تحالفاتنا الإستراتيجية التي شيدناها خلال الثمانية أشهر الماضية.

* كذلك بالنسبة لشركة (سيمينا) للأسمنت التي أعلنت برأسمال 2 مليار دولار وطاقة إنتاجية تقدر بـ21 مليون طن من الأسمنت، أين وصل هذا المشروع؟

* دخلنا في أسواق سيتم الإعلان قريباً عن أحد هذه الأسواق، وللعلم أيضاً فإن أحد العوامل التي ساعدت قيام هذه الشركة هي أن الأسعار الحالية في مجال الأسمنت أصبحت، وخاصة في قطاع الاستحواذ، شبه ممكنة ورخيصة خلافاً للسابق.

* اتجهتم لتنويع الاستثمار، هل ستكون هذه الإستراتيجية مستمرة في العام الجاري والعام المقبل؟

* نعم اتجهنا سابقاً لتنويع الأسواق، واتجهنا لآسيا وجنوب أفريقيا، لكننا أيضاً نسعى لتنويع الاستثمار داخل هذه الدول، وسوف نتوسع في مجالات أخرى ليست هي المجالات الرئيسية التي سبق أن دخلنا فيها، وهناك أسواق جديدة في جنوب شرق آسيا نخطط في بيت التمويل الخليجي لدخولها.

ومعظم الأنشطة هي مجال الاستحواذ، حيث يجد بيت التمويل الخليجي فرصاً مؤاتية في هذه الدول.

أما الفرص الخليجية في دول مجلس التعاون الخليجي، نجد هناك عمليات دمج واستحواذ نريد في بيت التمويل الخليجي استقطابها في محافظه الاستثمارية.