مستثمرون عراقيون يعودون إلى السوق العراقية

معظمهم يعتمد على التجارة.. والمصارف المحلية لاتساعد في تمويلهم

بعد أحداث 2003 وسقوط نظام صدام حسين عادت رؤوس الأموال إلى الداخل فتوقع الجميع بداية جديدة لبلدهم ونهاية للسياسات المتسلطة (أ.ف.ب)
TT

العراق في عام 2009 وما رافقه من تحولات على الصعيد الأمني والاقتصادي دفع أصحاب رؤوس الأموال العراقيين بشكل خاص وغير العراقيين بشكل عام، إلى مراجعة حساباتهم بشكل أكثر دقة، بعد أن وجدوا أنفسهم أمام تحدٍّ واضح يكمن في انعكاسات الأزمة المالية العالمية في الدول التي استثمروا فيها أموالهم وتحملهم خسارة كبيرة. في المقابل وجدوا السوق العراقية أصبحت الآن محط أنظار الكثير من الدول التي تسعى جاهدة للحصول على موطئ قدم في هذا البلد الذي يتمتع باقتصاد واعد ويحتاج إلى كل شيء من صناعة وزراعة وبناء وإسكان وتجارة وغيرها.

أحمد الشمري أحد رجال الأعمال العراقيين الذي كان يمتلك شركة للطيران، عملت الظروف الأمنية في الأعوام السابقة على إجباره على نقل أمواله إلى الإمارات، ومن ثم الصين حيث استقر ليدير أعماله كوسيط تجاري بين تجار بغداد ومصانع دول شرق آسيا. فكل ما تحتاجه السوق العراقية يقوم بتأمينه ونقلة بطائرات شحن استأجرها لهذا الغرض، ومن ثم توزيعها في بغداد بواسطة فرع يديره أحد أشقائه.

وذكر الشمري في ما يتعلق بالمستثمرين العراقيين في الخارج أن «هذه الشريحة يمكن تصنيفها بحسب نوع الاستثمار الذي لجأ إليه، فقسم منه استغل قوانين التملك للأجانب مثلا في الأردن والإمارات ومصر، وقام بتشغيل أمواله في قطاع العقار، وتمكنوا من تحقيق أرباح جيدة خصوصا مع بداية نزوح العوائل العراقية لدول الجوار حيث شهدت العقارات ارتفاعا مستمرا. أما الفئة الثانية التي كانت تميل إلى الاستثمار الصناعي فقد أسسوا بعد استقرارهم في سورية وعمان ودبي وأوروبا شراكات في ما بينهم أو تبنوا مشاريع منفردة. والهدف واضح، شراء مصانع كانوا يتعاملون معها في السابق، مثلا شراء مصنع الألبسة أو التعليب. وهكذا حتى قام البعض بشراء سفن بحرية صناعية، أي تحمل مصانع للتبوغ والألبسة والأغذية. وهذه الفئة لم تجد أمامها سوى الإبقاء على تعاملاتها التجارية مع بغداد، فهم بحاجة إلى سوق تصريف، ولا يوجد أفضل من السوق العراقية. والفئة الثالثة هم فئة التجار، وهؤلاء استقروا في دول الجوار لكنهم يعدون المصدر الأكبر للبضائع الداخلة للبلد. وأغلبهم يمتلكون مكاتب في بغداد والبصرة والموصل ومدن الفرات الأوسط، أموالهم في الخارج لضمان استمرارية أعمالهم.

عودة رؤوس الأموال إلى العراق مرة ثانية قال عنها أحمد الشمري إنها «تحتاج إلى وقت طويل، والسبب في ذلك هو أن أغلب الأموال التي خرجت من العراق ليست جامدة في بنوك بل هي أموال مستثمرة في شتى القطاعات في تلك الدول التي تقدم تسهيلات وامتيازات مغرية جدا للعراقيين، حتى بات واضحا حجم تأثير رأس المال العراقي على اقتصاد تلك البلدان. وأنا أؤكد للجميع أن هذه الأموال لا يستهان بها لأنها نمت وتضاعفت خلال الأعوام الخمسة الماضية. أما السبب الآخر الذي يؤخر عودتها فهو طبيعة النظام الاقتصادي العراقي. نعم يجب القول إن جميع المستثمرين يعتمدون حاليا على السوق العراقية لتحقيق أرباحهم من خلال التجارة، لكن قوانين كثيرة يجب أن تتغير لتكون أكثر إغراء لهم من الخارج، فهذه هي المعادلة ( ماذا تعطيني؟ لا عطيك)».

وقال الشمري إن «الأزمة العالمية كانت ذات تأثيرات إيجابية على التجارة في العراق، فهناك كساد تجاري عالمي وبضائع متكدسة وسوق عراقية متعطشة لكل شيء، كل ما على التاجر هو شراء البضائع بأسعار متدنية، ونقلها، ومن ثم بيعها في الداخل بأسعار عالية».

رجل الأعمال العراقي مهدي الجبوري، مدير إدارة اتحاد رجال الأعمال، أوضح في لقاء مع «الشرق الأوسط»: «إن حركة رؤوس الأموال بين الداخل والخارج حدثت على شكل موجات، فخلال فترة حكم النظام السابق لم يكن لرجل الأعمال مفهوم واضح، نعم كان هناك رجل تاجر وصناعي وزراعي ومالي وغيرها، لكن رجل أعمال يتأثر ويؤثر في المحيط، لا يوجد سبب للخوف من السياسات حينها، فأي توسع في النشاط الاقتصادي يمكن أن ينتهي بالإعدام ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة. وهنا أصبح النشاط الاقتصادي يدار من قِبل الحكومة ومن قِبل المقربين من النظام، والبقية عليهم الحذر أو المخاطرة لتهريب أموالهم إلى الخارج والإبقاء على الشيء القليل».

مؤكّدا: «بعد أحداث 2003 عادت رؤوس الأموال إلى الداخل فتوقع الجميع بداية جديدة لبلدهم ونهاية للسياسات المتسلطة. وفعلا بدأت تجارة واسعة وحركة إعمار واستثمار انتهت خلال الأحداث الدموية عام 2006، وهنا عادت الأموال للخروج. لكن هذه المرة عادت لتستقر في دول الجوار واستثمارها في قطاعات محددة، من أهمها العقارات، كونه قطاعا سريعا ومضمون الربحية، وأيضا قطاعات تجارية وصناعية».

وبين أن «اتحاد رجال الأعمال الذي تأسس في عام 2001 عانى ضغوطا كبيرة في زمن النظام، حيث لم يكن عدد أعضائه سوى 350 عضوا، والآن عددهم 12 ألفا، وله فروع في محافظات العراق كافة ومراكز إقليمية في شمال العراق ومراكز إقليمية دولية في كل من سورية وطهران وهولندا وعمان هدفها جلب الاستثمار. هناك أمور تشجع على ذلك حاليا، من بينها قوانين البنك المركزي وقانون الاستثمار، لكن هي لا تمثل أو تلبي طموح رجل الأعمال بل يحتاج البلد إلى قوانين أخرى أكثر انفتاحا وأكثر حرية».

رئيس اتحاد رجال الأعمال رضا بليبل أوضح من جانبه في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إن هجرة أصحاب رؤوس الأموال وتوطنهم في دول الجوار، هذا الحشد الكبير من المستثمرين أثر على اقتصاد تلك الدول، ولا سيما أنه من المعروف عن رجل الأعمال العراقي النشاط والبحث عن الاستثمار وتشغيل أمواله. ولهذا استفادت الأردن من أموال العراقيين في مجال العقار وكذلك الصناعة في سورية، وفي مصر العقار والبناء، وفي الإمارات التجارة الخارجية والنقل بين الدول، كون دبي نقطة قريبه على العراق من جانب شرق آسيا، أي أنهم أصبحوا جزءا من اقتصاد تلك البلدان».

وقال: «الآن الصورة أوضح، فهناك قوانين تحت التشريع، لكن بشكل بطيء. والعراقي عمل في أقسى الظروف، وأنا أؤكد للجميع أن كثيرا من أصحاب رؤوس الأموال بقوا يمارسون عملهم في الداخل وآخرون يديرون أعمالهم من دولة ثانية، وهكذا، ويمكن القول إن ما نسبته 30 في المائة من رجال الأعمال بقوا في الداخل، وبين من في الداخل ومن هم في الخارج تواصل مستمر، فليس هناك انقطاع».

وبيّن أن «الأمور السلبية التي يمكن توضيحها تكمن في أن العراقي يستثمر في الخارج ويرسل منتجاته إلى العراق، وهذا أمر كارثي، فلا يوجد تشغيل للعمالة العراقية أو تأسيس مشاريع وتوسع، كل ما يحدث الآن هو أن الصناعي يستفيد من العراق كسوق فقط لتصريف منتجاته، والأرباح تخرج إلى بلد آخر يستفيد منها، ولإعادة أموالهم يجب توفير البيئة القانونية المناسبة وتناسب المرحلة الجديدة، نحن أبلغناهم، نعم، أخرجوا أموالكم لكن دعوها في قطاعات وقتية، وإن تكونوا مستعدين للعودة، لكنهم رفضوا ذلك».

موضحا: «الأمر الآخر هو شلل القطاع المصرفي العراقي الذي يخشى تمويل المستثمرين العراقيين ويفضل الإيداع في البنك المركزي، وهناك موضوع قانون الملكية وروتين الوزارات والوضع الأمني وغيرها الكثير، هناك رغبة في عودة أصحاب رؤوس الأموال، لكن هذه المشكلات أدت إلى هروبهم مرة ثانية».

وحذر بليبل من نوعية البضائع التي قد تأتي إلى العراق بهدف تبييض الأموال لصالح مافيات عالمية تعتبر العراق سوقا آمنة لهم لتبييض أموالهم. وقال أيضا: «أصبحت السوق العراقية موطنا للبضائع الكاسدة، كما أن هناك الطارئين الذين حصلوا على أموال بطرق غير مشروعه وخرجوا من العراق وبدأوا يسيطرون على السوق العراقية بإدخال بضائع مغشوشة لأنهم لا يتمتعون بأخلاقية التجارة، كل همهم تحقيق الربح على حساب صحة أبناء بلدهم وأموالهم. وللأسف الآن هم يسيطرون على الاقتصاد العراقي بدفع من قبل بعض الدول التي استغلت وضع العراق وجعلته مكانا لتصريف بضائعها الفاسدة. والحل الوحيد الآن هو أن يعمل المسؤول العراقي على إعادة الصناعة والزراعة العراقية».

وأخيرا أنه رغم الاستقرار الأمني فإن الاستثمار العربي والأجنبي قليل جدا، هناك دخول أموال لبناء مشاريع في مجال الإسكان والسياحة في المناطق الدينية، لكن كاتفاقيات استثمار كبيرة لم تحدث حتى الآن، فهي تصطدم دوما بالقوانين، وبخاصة التملك والإيجار والمشاركة.