بارك سونغ تنبأ بالأزمة المالية في بلاده فاتهم بالتخريب

مدون هاو قرأ طالع اقتصاد كوريا الجنوبية على الإنترنت.. ونبذ على أرض الواقع

بارك سينغ اثناء الافراج عنه (رويترز)
TT

تحول بارك داي سونغ، أشهر مدوّن في كوريا الجنوبية منذ 4 أشهر إلى أسوئهم سمعة عندما ألقي القبض عليه لاتهامه بنشر معلومات كاذبة على الإنترنت مدفوعا بنوايا سيئة. ووجه المدعي العام إلى بارك، الذي لقي ما ينشره عن القطاع المالي على الإنترنت تحت اسم مينرفا استحسانا كبيرا، اتهامات بتخريب اقتصاد الدولة «بتنبؤاته المتشائمة إلى حد بعيد».

وعلى الرغم من أن المحكمة أخلت سبيل بارك في 20 أبريل (نيسان)، فإن متاعبه لا تزال مستمرة أمام محكمة الرأي العام. فقد تعرض لانتقادات حادة من قبل مجتمع لا يزال يصارع للتغلب على الفارق بين ثقافته الموروثة التقليدية وعالم الإنترنت الحر، لأنه ليس صاحب الشخصية الهامة التي توقعها الكثير من الأشخاص.

وقال بارك أثناء المقابلة التي أجريت معه من مخبئه في سيول، حيث تم إخفاؤه بعيدا عن أعين غالبية الصحافيين إضافة إلى التهديدات بالقتل التي تلقاها على الإنترنت: «لقد خاب أملي وأصبحت محل احتقار. لقد شهدت جنون المجتمع الكوري، ولا أستطيع العيش هنا بعد الآن، أنا أرغب في الهجرة».

دأب مينرفا، على مدار شهور عدة خلال العام الماضي، على جذب انتباه كوريا الجنوبية بتحليلاته الدقيقة والغريبة للاقتصاد، فقد كان دائم الانتقاد بقسوة لسياسة الحكومة وكذلك توقعاته بسقوط ليمان براذرز وانهيار العملة الكورية الوون.

وعندما كانت تتحقق بعض تنبؤات بارك كان القراء ينقبون عما نشره من قبل وينتظرون المزيد بشغف كبير. وقد منحت إحدى المنظمات المدنية جائزة «للصحافي المواطن» الذي لم يكشف عن اسمه. ودعا مذيع تلفزيوني قومي الحكومة إلى الاعتماد على استشارات مينرفا، كما قدمت متاجر الكتب عروضا للكتب الاقتصادية التي أوصى بها مينرفا. لم يتم الكشف عن لغز مينرفا إلا عندما ألقي القبض على بارك، الذي يبلغ من العمر 31 عاما ولا يعمل، في يناير (كانون ثاني). ووجهت لبارك، الذي درس لمدة عامين في كلية مهنية، ولم يمارس على الإطلاق أي نشاط استثماري في سوق الأسهم، اتهامات بترويج معلومات خاطئة على شبكة الإنترنت «بهدف تخريب المصلحة العامة» وهي تهمة يعاقب عليها القانون بالسجن خمسة أعوام.

ويقول المدعون إن من بين الجرائم الأخرى التي ارتكبها بارك تصريحه بأن الحكومة الكورية منعت البنوك والشركات الكبرى من شراء الدولارات الأميركية في محاولة يائسة للحد من هبوط الوون.

لكن بارك أخلي سبيله في 20 أبريل (نيسان) على أساس انه بالرغم من أن كل ما كتبه ليس صحيحا فإنه لا توجد أدلة على انه يعرف أنها كانت خاطئة أو توفرت لدية نوايا سيئة.

لكن لم تكن مشكلاته قد انتهت على الرغم من لحظة انتصار التي بدا أنه عاشها. ويمثل تطور بارك، من موظف بشركة اتصالات لاسلكية إلى محط أنظار الرأي العام إلى منبوذ شاعر بالمرارة، حالة جديرة بالدراسة لما يمكن أن يحدث لمدون غير مستعد في هذا المجتمع المنقسم سياسيا والغريب إلى حد بعيد.

وقال بارك، منذ نحو عام مضى، كان يستعد للتقدم للكلية عندما بدأ في الحديث عن أوجه الشبه المثيرة للقلق بين ما رآه حوله والموقف الذي سبق الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 و1998: التي تمثلت في عدم استقرار الأسواق المالية الذي صاحبه نفي رسمي لاحتمالية حدوث مشكلات.

بيد أن أكثر ما أصار قلقه أن بعض المسؤولين السابقين الذين أشرفوا على اقتصاد كوريا الجنوبية خلال الأزمة السابقة عادوا للظهور مجددا كصناع للسياسة تحت قيادة الرئيس لي ميونغ باك، ثم بدأ في نشر أفكاره على موقع مناقشات شهير على الإنترنت يدعى أغورا تحت اسم مينرفا، والباقي معروف للجميع.

وبالنسبة لمنتقديه، كان مينرفا دجالا فاقمت توقعاته من القلق الشعبي بشأن الاقتصاد. وكان ينظر إلى شهرته الواسعة ولقبه ـ رئيس اقتصاد كوريا الجنوبية ـ على أنه رفض للرئيس لي الذي تعهد عند ترشحه للرئاسة بأن يصبح «رئيس الاقتصاد»، لكنه يتهم الآن بسوء إدارة الاقتصاد لأن الأزمة التي بدأت في الولايات المتحدة طالت دولته هي الأخرى.

وقال بارك خلال المقابلة: «على عكس المحللين من خارج شبكة الإنترنت الذين يعرضون كتاباتهم بلغة مبهمة، كنت أمينا عندما انتقدت الحكومة والأمراض التي تواجه مجتمعنا. كما أن عدم ذكر الاسم يعد الأساس لاتصالات الإنترنت».

وقال إنه كان مدفوعا بالرغبة في تحذير الكوريين للاحتراس مما قاله الخبراء والحكومة خشية التعرض لمعاناة مرة أخرى كما حدث منذ عقد مضى.

وأضاف بارك: «خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 1998، انتحر والد أحد أصدقائي يأسا، وقد رأيت أن على أن أحمي نفسي عبر التثقيف الذاتي، وأردت أن أحذر الأفراد الذين يدرس أبناؤهم بالخارج والشركات الصغيرة من مخاطر ارتفاع معدلات الصرف، لكن الحكومة عاملتني كإرهابي».

وقد زاد ما نشره بارك من التوتر بين ثقافات الإنترنت وخارج نطاق الإنترنت. فيظل المجتمع الكوري الجنوبي، خارج نطاق الإنترنت، مجتمعا كونفوشيوسيا تقليديا، تحكمه الإرث والأقدمية. أما المجتمع الكوري الجنوبي على الإنترنت فيأتي على النقيض من ذلك تماما، فقد شجع فضاء الإنترنت الحر من سخرية الكوريين الجنوبيين من اللياقة وحولوا الإنترنت إلى منتدى للجميع للتشجيع والسباب لدرجة أن العديد من المسؤولين ينظرون إلى الإنترنت على أنه مكان للنشاط المعادي للحكومة والافتراءات. وكان الكثير من الأشخاص الذين انضموا إلى الاحتجاجات المعادية للحوم البقر الأميركية التي أصابت الحكومة بالشلل العام الماضي نتيجة للشائعات التي أثيرت على الإنترنت بشأن المخاطر الصحية للحوم البقر الأميركية.

وقد تصادمت تلك الثقافتان عندما شكل المدعون العامون بصورة غير مسبوقة «قوة عمل لمحاربة المعلومات الزائفة» وألقوا القبض على بارك.

وقد سانده منتقدو الحكومة في بداية الأمر وعاملوه كشهيد لحرية التعبير على الإنترنت الذي يتحدى مؤسسة السلطة القديمة. لكن مؤيدي الحكومة أثنوا على تلك الهجمة التي جاءت متأخرة على مروجي الشائعات على الشبكة.

بيد أنه ما إن تم الكشف عن هوية مينرفا تبدلت النقاشات العامة. كان ينظر إلى بارك قبل الكشف عنه على أنه خبير مالي، وصاحب آيديولوجية ومثقف.

عندما اتضح بعد ذلك أنه هاو لا يعمل، زعم بأنه لا ينتمي إلى فكر سياسي معين ويتحدث بقليل من الحيوية عما ينشره على الإنترنت، تحول بعض معجبيه إلى صفوف منتقديه. ففي دولة يتم فيها تحديد المكانة الاجتماعية بصورة كبيرة عن طريق السن والشهادات الأكاديمية، لم يعرف الناس ماذا يقولون.

ومن بين الأشخاص الذين شنوا انتقادات واسعة على بارك بعض من مؤيديه السابقين كالناشطين المعارضين للحكومة الذين أصروا على انه خدعة وان مينرفا الحقيقي لا يزال طليقا.

وقال بارك: «أعتقد أنني ما كنت لأتعرض للاعتقال، أو أن يتساءل الناس بشأن هويتي لو أنني كنت خريج إحدى الجامعات العريقة».

وكان بارك شخصية شهيرة على الإنترنت، لكن ما إن خرج إلى العلن حتى أضحى أمرا لا يذكر. وقد كذب بارك في مقالاته التي بلغت 280 بشأن عمره وخلفيته (أشارت إحداها إلى انه عمل في وول ستريت) وساهم في خلق أسطورة حوله. وقد أبدى أسفه في استخدام الألفاظ البذيئة ضد الرئيس لي، لكنه احتج بأن الحريات التي استغلها في بناء هوية له على الإنترنت كانت «جزءا من ثقافة الإنترنت الناشئة، وأكد على ضرورة عدم الحكم عليه بمعايير خارج فضاء الإنترنت».

وأشار كيم سونغ هاي، الخبير الإعلامي بمؤسسة «كوريا برس فونداشن»، إلى أن «ظاهرة مينرفا تعكس فقد الرأي العام الثقة في المؤسسة الحكومية وخبراء المال التقليديين». وقال: «الناس في حاجة إلى شخصية ملهمة، ومينرفا كان وهما. كان ملهما زائفا حصل على معلومات سطحية يسهل الحصول عليها من على شبكة الإنترنت ورتبها في صورة روايات غوغائية». أما يون سيونغ، وزيرة المالية والإستراتيجية في كوريا الجنوبية فقالت في تصريح للصحافيين الشهر الماضي مشيرة إلى إطلاق سراح بارك إنه: «حالة باثولوجيا اجتماعية لديمقراطية غير لائقة، وأنا أشعر بالغضب لأن مينرفا مطلق السراح».

لم تنته متاعب بارك القانونية، فقد قام المدعون العامون بالتقدم بطلب لاستئناف إطلاق سراحه.

وأشار بارك، إلى شعوره بأنه أصبح آلة في النزاع بين مؤيدي ومعارضي الحكومة.

*خدمة «نيويورك تايمز»