«فيات» تذهل الإيطاليين بسعيها للتحول لثالث أكبر شركة سيارات في العالم

مندهشون من تحول الشركة الخاسرة قبل أربع سنوات فقط من «فريسة إلى صياد»

شعار «فيات» على الواجهة الخارجية لأحد مصانع الشركة الإيطالية في مدينة تورينو (رويترز)
TT

في يوم وليلة تقريبا، تحولت مجموعة فيات من لاعب ثانوي إلى عملاق عالمي في مجال صناعة السيارات، حيث تستحوذ بنجاح على كرايسلر وربما أيضا على جنرال موتورز. ولا يوجد من يشعر بدهشة أكبر من الإيطاليين.

يقول سيرغيو تشيامبارينو، عمدة مدينة تورينو الواقعة في شمال إيطاليا التي تعتبر موطن سيارات الفيات منذ أكثر من قرن: «إذا سألتني منذ أربعة أعوام عما إذا كنت أتخيل أن شركة فيات ستستطيع أن تستعيد ذاتها وتصبح صيادا بدلا من أن تكون فريسة، لقلت إنك مجنون. من الناحية العملية، كانت الشركة تحت إدارة سيئة».

وفي عام 2005، كانت شركة فيات تكافح من أجل التغلب على الخسائر المزمنة والتعافي من وفاة رئيس مجلس إدارتها الأسطورة غياني أغنيلي، الذي كان يسيطر على الشركة لمدة عقود بلمسات السيد الإقطاعي. وكان مستقبل الشركة مظلما لدرجة أنها لا تستطيع الخروج من أزمتها. وخوفا من التورط مع حالة إيطالية ميئوس منها، دفعت جنرال موتورز لفيات ملياري دولار للخروج من شراكة بينهما.

واليوم، انقلبت الطاولة. تحت قيادة رئيس تنفيذي ليست لديه خبرة سابقة في مشروعات السيارات، حققت شركة فيات الاستقرار في أحوالها المالية وتسعى إلى تحقيق طموح كان معظم الإيطاليين يسخرون منه منذ عدة أشهر فقط: أن تصبح ثالث أكبر شركة صناعة سيارات في العالم، بعد تويوتا وفولكس فاغن، وقبل جنرال موتورز التي بدأ نجمها في الأفول.

ودون أن تنفق أقل قدر من مالها الخاص، أبرمت فيات صفقة الاستحواذ على إدارة كرايسلر، شركة السيارات الأميركية المفلسة. ومن المتوقع أن تحصل على 20 في المائة من حصة الأسهم مما قد يؤدي بها إلى الحصول على أغلبية الملكية في غضون أعوام قليلة. وتتفاوض فيات أيضا مع شركة جنرال موتورز المتعثرة لاستيعاب عمليات جنرال موتورز في أوروبا وأميركا اللاتينية. وإذا نجحت الصفقة، فستشرف فيات على شركة جديدة لديها القدرة على إنتاج نحو 6 ملايين سيارة في العام، وهو ضعف ما أنتجته العام الماضي.

وقد أدى ذلك الاحتمال إلى زيادة في الفخر القومي في إيطاليا، حيث ما زال العديد من الأشخاص مذهولين من أن البيت الأبيض يعلق آماله على شركة فيات الصغيرة لإنقاذ شركة كرايسلر. ويشعر الإيطاليون أيضا بالدهشة لفكرة أن مدينة تورينو التي يسكنها مليون نسمة وتقع جبال الألب في خلفيتها، يمكن أن تعكس من وضع الانهيار الاقتصادي المستمر في إيطاليا وأن تكون محل قوة صناعية عالمية.

وفي الوقت ذاته، تتزايد المخاوف من أن الجوانب السلبية المحتملة. إذا استحوذت فيات على عمليات جنرال موتورز في أوروبا، من الممكن أن تسرح ما يصل إلى 18.000 عامل في خط التجميع في محاولة لاستعادة الإنتاجية. والأسوأ أنه من الممكن أن تفشل إستراتيجية فيات الأساسية، نظرا للصعوبة المتأصلة في الجمع بين ثلاث شركات خاسرة في صناعة سيئة الحظ.

يقول غيورغيو آيرادو، الأمين العام الإقليمي لاتحاد عمال المعادن الإيطالي، الذي يمثل الآلاف من عمال فيات في تورينو: «نشعر بالقلق من أن تحول فيات ذاتها إلى شركة عالمية وأن تترك إيطاليا خلفها. الأسئلة الكبرى التي نطرحها هي: ما هو الدور الذي ستلعبه إيطاليا؟ وما هو الدور الذي ستلعبه مصانعنا؟ وماذا سننتج؟» وتحوم الشكوك أيضا حول أحد الافتراضات الأساسية في فيات: أن بعد ربع قرن من ترك السوق الأميركية الشمالية، ستنجح في بيع سياراتها الصغيرة الموفرة للوقود للمستهلكين الأميركيين.

وقال آيرادو مشيرا إلى سيارت فيات الأنيقة الصغيرة: «أرجو أن يرغب الأميركيون في قيادة سيارات ألفا وشينكوشينتو. ولكني لست متأكدا تماما».

ويعقد عمال وحاملو أسهم شركة فيات، بالإضافة إلى مسؤولي الحكومة الإيطالية، الآمال على سيرغيو مارشيوني (56 عاما)، وهو محاسب تم اختياره رئيسا تنفيذيا لفيات منذ خمسة أعوام.

وينسب إلى مارشيوني الفضل في عودة فيات من جديد بتحديث صفوفها الإدارية وإحياء خط إنتاجها وتخفيض النفقات، وفي الوقت ذاته الحفاظ على السلام مع الاتحادات العمالية. وعاد بالشركة إلى تحقيق الأرباح في عام 2006، على الرغم من أنها عادت إلى الهبوط أثناء الربع الأول من العام الحالي، لتتكبد خسائر قدرها 550 مليون دولار.

ومنذ بداية الركود في العام الماضي، توقع مارشيوني أن صناعة السيارات مستعدة لعمليات اندماج وأن عددا قليلا من الشركات العالمية ستسود السوق. وقد أصبح المدير التنفيذي الذي ولد في إيطاليا ونشأ في كندا ويعيش في سويسرا مفضلا لدى إدارة أوباما، التي وافقت على السماح له بإدارة فيات وكرايسلر في الوقت ذاته.

وتقول مارينا ويتمان، المحللة الاقتصادية السابقة في جنرال موتورز والأستاذة في جامعة ميشيغان: «أخمن أن المسألة تتعلق بمدى قدرة مارشيوني على تحقيق المعجزات. ففي طموحه لأن يصبح واحدا من أكبر اللاعبين في السوق التي تتزايد فيها عمليات الدمج.. يحاول أن يستحوذ على حصة كبيرة للغاية».

ويعطي الماضي بعض الدروس المؤلمة. لقد دفعت شركة ديملر ايه جي الألمانية للسيارات 37 مليار دولار لكرايسلر عام 1998، ولكن بعد تسعة أعوام تركتها فعليا لشركة أسهم خاصة، وهي سيربيروس كابيتال مانجمنت. وكانت شراكة فيات وجنرال موتورز التي عقدت ما بين عامي 2000 و2005 أيضا كارثة، حيث وصلت إلى ذروتها عندما قررت جنرال موتورز أن تدفع ملياري دولار فقط لتخرج من الصفقة.

ويقول مارتن ليتش، الذي عمل طويلا مديرا تنفيذيا في شركات السيارات والذي عمل رئيسا لعمليات فورد في أوروبا وكان مديرا إداريا لمازدا في اليابان، إن خطة مارشيوني لإنجاح عملية دمج ثلاثية «طموحة للغاية».

وقال إنه بالإضافة إلى تسوية الاختلافات في ثقافات الشركات، سيكون على مارشيوني أن يتغلب على التحديات اللوجيستية وأن يوحد حرفيا بين أشكال المسامير والصواميل.

ويقول ليتش، الذي يعمل حاليا رئيسا لمجلس إدارة مجموعة ماغما، وهي شركة تكنولوجيا واستشارات السيارات ومقرها لندن: «إنها مهمة هائلة. ويضعها معظم الناس في قائمة الأفعال التي من الصعب القيام بها».

ولكنه قال إن اعتقاد فيات الأساسي، بأن الشركة تحتاج للنمو من أجل البقاء، سليم. وقال ليتش: «ربما يشك معظم الناس فيما إذا كان مارشيوني سيتمكن من النجاح، ولكن إذا استطاع أي شخص فعل ذلك، سيستطيع هو».

وصرح ماتيو كولانينو، عضو البرلمان الإيطالي، بأن فيات لديها خيارات قليلة في قبول شراكة كرايسلر وأعمال جنرال موتورز في أوروبا.

ويقول كولانينو، عضو الحزب الديمقراطي المعارض: «إنه أمر خطير للغاية، ولكنه الطريق الوحيد أمامهم ليسلكوه. من الأفضل كثيرا أن نضمن أن فيات تحتل موقعا إستراتيجيا لتحديد مصيرها. وربما لا يكون ذلك هو الوضع المثالي، ولكن لا يوجد وضع مثالي في صناعة السيارات اليوم».

وتعتمد فيات على مساعدة جوهرية من الحكومتين الأميركية والألمانية لتمويل توسعها. وقد وافقت إدارة أوباما بالفعل على منحها 12 مليار دولار كتمويل عام لكرايسلر. وقد أجبرت الدائنين المستقلين على شطب ما يزيد على 4.5 مليار دولار من الديون، في الوقت الذي بدأت فيه شركة السيارات في دترويت في السير في إجراءات إشهار الإفلاس.

ولن تدفع فيات شيئا مقابل حصولها على نسبة 20 في المائة من أسهم كرايسلر، ولكن سيكون عليها أن تضمن سداد بعض قروض الحكومة الأميركية والوفاء بمعايير أخرى قبل أن يمكنها الحصول على حصة الأغلبية.

وكذلك، تسعى فيات إلى الحصول على 9 مليارات دولار كضمانات قروض من الحكومات الأوروبية، وأولها ألمانيا، لمساعدتها على إدارة عمليات جنرال موتورز في ألمانيا. ويقع مقر جوهرة تاج عمليات جنرال موتورز في أوروبا، أوبل، في روسلسهايم في ألمانيا، ويعمل بها 25.000 موظف. وتحاول جنرال موتورز التخلص من أوبل وفروعها الأوروبية الخاسرة كجزء من إعادة الهيكلة. وعلى الرغم من استمرار المفاوضات، فإن المحللين يقولون إنه من غير المرجح أن تقدم الشركة الإيطالية على استثمار أموالها من البداية.

ويقول فرانسيسكو زيربولي، أستاذ الإدارة في جامعة ساليرنو: «تكمن الفكرة في أنه من الممكن أن تستمر فيات في الاعتماد على التمويل الحكومي لمدة عامين أو ثلاثة. وإذا كنت مكان حاملي أسهم شركة فيات، ستجد ذلك مشجعا للغاية. إنها تخطط بالفعل أن تبني إمبراطورية دون أن تدفع مالا».

ولكن تواجه فيات صعوبات في ألمانيا. وقد أصبح الاتفاق المقترح قضية ساخنة في الانتخابات، في الوقت الذي يستعد فيه الألمان للانتخابات التي ستعقد في شهر سبتمبر (أيلول). وتسعى منظمات العمال، التي تمثل أصواتا انتخابية سياسية قوية، للحصول على ضمانات بأن فيات لن تغلق أيا من مصانع تجميع السيارات أو مصانع المحركات المملوكة لجنرال موتورز في ألمانيا.

وقد تساءل بعض السياسيين الألمان صراحة حول ما إذا كانت فيات هي الخيار الصحيح الذي يستحوذ على أوبل، مشيرين إلى أن الشركة الإيطالية تدين بـ9 مليارات دولار.

وصرح غونتر فيرهوغن، الألماني الذي يحتل حاليا منصب المفوض الصناعي في الاتحاد الأوروبي، الشهر الماضي قائلا: «فيات ليست شركة السيارات الوحيدة التي تحقق أفضل أداء حاليا. وأسأل نفسي أين تجد هذه الشركة المدينة الموارد الكافية لدعم مثل هاتين العمليتين في وقت واحد».

وقد مست تعليقات فيرهوغن وترا حساسا في إيطاليا؛ واتهمه مديرو فيات وسياسيون في روما بأنه يحاول إفشال الصفقة. وقال وزير الصناعة الإيطالي كلوديو سكاجولا: «أتفهم أنه بالنسبة لسياسي ألماني قد يكون من المزعج أن يكون عليه قبول مساعدة شركة إيطالية مثل فيات لإنقاذ شركة ألمانية أميركية مثل أوبل».

ولكن يوجد القليل من الخيارات أمام الحكومة الألمانية، التي تتوق إلى الحفاظ على الوظائف في أوبل. والشركة الأخرى المزايدة على فروع جنرال موتورز الأوروبية بصورة مؤكدة هي ماغنا إنترناشونال، وهي شركة توريد قطع غيار سيارات كندية. ويقول المحللون إن شركة ماغنا تفتقد إلى الموارد التي تمكنها من الاستثمار في أوبل وستحتاج أيضا إلى دعم حكومي من أجل إنجاح الصفقة.

ومن المتوقع اتخاذ قرار بشأن مصير أوبل بحلول نهاية الشهر الحالي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»