السعودية تؤكد مواصلة الإنفاق الاستثماري عبر سياسة مالية توسعية

وزير المالية: نهدف لتخفيف آثار الأزمة على الاقتصاد > وزير التجارة: مضاعفة المصانع 300% بحلول 2020 > محافظ «ساما»: نتوقع انضمام المملكة كعضو أصيل في لجنة بازل

وزير المالية السعودي إبراهيم العساف متحدثا أمس خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر اليوروموني بالرياض (تصوير: أحمد يسري)
TT

أكد الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية السعودي أمس أن بلاده ستواصل اتباع سياسة مالية توسعية، من خلال زيادة الإنفاق الاستثماري، وذلك في إطار سعيها لتخفيف آثار الأزمة على اقتصادها.

وبين العساف أن الزيادة في الإنفاق الاستثماري في ميزانية عام 2009 بلغت نحو 36 في المائة، مقارنة بالعام السابق، مشيراً إلى أن العقود المجازة من قبل الوزارة خلال الربع الأول من العام الجاري بلغت 40.6 مليار ريال (11 مليار دولار)، بزيادة بنسبة 103 في المائة عن العام الماضي.

وزاد وزير المالية السعودي الذي كان يتحدث خلال الجلسة الافتتاحية في مؤتمر اليوروموني بالرياض، أن صافي الإقراض الذي التزمت به الصناديق الحكومية العام الماضي، بلغ 20 مليار ريال (5 مليارات دولار) بمعدل نمو بلغ حوالي 110 في المائة مقارنة بالعام السابق 2007.

وبين العساف أن التوسع الجاري في الإنفاق الاستثماري والذي يشمل قطاعات البنية التحتية والخدمات العامة والتعليم والصحة، يفتتح فرصاً تجارية واستثمارية كبيرة للقطاع الخاص في الداخل والخارج، مبدياً تطلعاته إلى حرص شركات المقاولات والموردين للاستفادة المثلى منها.

وأبدى الوزير تفاؤله بمستقبل الاقتصاد السعودي، مشيراً إلى أن جميع المؤشرات تدعم ذلك التفاؤل، ولافتاً إلى وجود اهتمام كبير ملموس من قبل المستثمرين بالمملكة والفرص التي يتيحها اقتصادها، بالإضافة إلى الإقبال الكبير على زيارة المملكة، وما عدد المشاركين في ذلك المؤتمر إلا دليل على ذلك.

وبين أن جزءا كبيرا من الأزمة الحالية هو أزمة «ثقة»، مؤكداً أن السياسات السليمة تسهم في رفع مستوى الثقة، ومشدداً على تأكيدات مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي، على أن مفتاح الحل يكمن في التعامل وبجرأة مع الأصول المتعثرة والمخاوف المتعلقة بالملاءة المصرفية، إضافة إلى توثيق التعاون الدولي والتنسيق في ما يتخذ من سياسات، يعد أمرا ضروريا لإحداث الآثار المطلوبة.

وأكد وزير المالية السعودي على عدم وجود بلد بمنأى عن تداعيات الأزمة، إلا أنه استدرك وأشار إلى أن آثارها محدودة على المملكة بفضل السياسات الاقتصادية الملائمة التي سارت عليها الحكومة خلال السنوات الماضية.

وأضاف أن توقعات صندوق النقد الدولي الأخيرة تشير إلى تباطؤ «انكماش» الاقتصاد العالمي بواقع 1.3 في المائة في عام 2009، ومن المنتظر انخفاض معدل الانكماش اعتبارا من الربع الثاني من هذا العام 2009، واستئناف النمو في عام 2010 بمعدل 1.9 في المائة، موضحاً أن ذلك المعدل حسب الصندوق أبطأ من المعتاد في التعافي بالأزمات السابقة.

وقال العساف «نأمل أن تسهم حزم التحفيز التي أقرها العديد من الدول إلى استعادة الثقة وحفز النمو».

وأبان أن أبرز ما تم إقراره العمل على إصلاح القطاعات المالية في الدول التي لديها خلل في تلك القطاعات المالية والقيام بتقسيم منتظم للإجراءات وسياسات التحفيز التي التزمت دول المجموعة باتخاذها، وكذلك تحسين رقابة الصندوق وبشكل خاص، وشمول الرقابة لكافة الدول بما فيها الدول المتقدمة ولكافة المؤسسات المالية، وصناديق التحوط، والمشتقات المالية ولمؤسسات التقييم، وهو ما كانت تطالب المملكة به منذ فترة ليست بالقصيرة، إضافة للموافقة على دعم موارد الصندوق.

وأكد انه تم إقرار توسعة عضوية منتدى الاستقرار المالي، وتسميته بـ «مجلس الاستقرار المالي»، وليشمل في عضويته دول مجموعة العشرين غير الأعضاء ومنها السعودية، وتعزيز فاعليته كأداة للسلطات المحلية والمؤسسات المعنية بالتنظيم والمعايير الدولية، وتعاونه مع المؤسسات المالية الدولية لمواجهة القصور في التنظيمات والرقابة، ولتطوير سياسات تنظيمية وإشرافية تساعد على الاستقرار المالي.

وبين وزير المالية السعودي أن خادم الحرمين الشريفين أشار في خطابه أمام مجلس الشورى خلال العام الجاري إلى أن المملكة باركت الجهود الدولية الرامية لمواجهة هذه الأزمة، وضمن هذا التوجه شارك خادم الحرمين في قمتي مجموعة العشرين في واشنطن ولندن بغية احتواء الأزمة المالية والتقليل من آثارها على الشعوب. وأكد أن الملك عبد الله بن عبد العزيز ركز في رؤيته للأزمة المالية على أهمية أن تقوم الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بمسؤولياتها تجاه الدول النامية وخاصة الفقيرة منها والتي تعاني أكثر من غيرها من آثار الأزمة، وأيدت المملكة الإجراءات التي أقرتها قمتا المجموعة.

ولفت إلى أن ما يحدث من تقلبات حادة في أسعار البترول وما يتعرض له الاقتصاد العالمي من ركود، يؤكد أهمية وسلامة ا تباع السياسات الاقتصادية المعاكسة للدورة الاقتصادية.

وتطلع العساف في كلمته إلى أن يسهم المؤتمر في إلقاء مزيد من الضوء على تطورات الاقتصاد السعودي في ظل ما يشهده العالم من أزمة مالية وتغيرات غير مسبوقة تؤسس لمرحلة جديدة لنظام مالي دولي جديد، بالإضافة إلى تطلعاته إلى مداولات المؤتمر وما سيخرج به من مرئيات وتوصيات تسهم في تعزيز مسيرة اقتصاد المملكة.

من جهته حذر عبد الله بن أحمد زينل علي رضا وزير التجارة والصناعة السعودي من عودة الإجراءات الحمائية في التجارة، مؤكدا أنه سيكون لها نتائج سلبية فادحة، مشيراً إلى أن سياسة «إفقار الجار» الحمائية التي بدأت تتبعها بعض الدول، سيكون لها عواقب وخيمة جدا على تحسن الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية.

وبين خلال كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر اليوروموني أن امتناع ثلاث دول فقط من دول مجموعة العشرين، وهي السعودية واليابان وجنوب أفريقيا، عن تبني إجراءات حمائية ليس مؤشرا يدعو إلى الطمأنينة، مبيناً أن انخفاض التجارة العالمية يمكن نسبته جزئيا إلى الإجراءات الحمائية المتبعة حاليا.

وأكد أن أي إجراءات حمائية إضافية سيكون لها أثر خطير يهدد الاقتصاد العالمي ويطيل من عمر الأزمة المالية العالمية، وأن المخاطر الناتجة عن الإجراءات الحمائية المتزايدة هي سبب حقيقي للقلق على الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب.

وأشار زينل إلى أن الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي أن يصبح عام 2025 متنوع المصادر ويقوده القطاع الخاص، ويوفر فرص عمل مجزية، ويتسم بتعليم عالي الجودة، وعناية صحية فائقة.

وذكر أن المملكة خطت خطوات عديدة ومتسارعة لتحقيق ذلك الهدف، ومنها صياغة استراتيجية وطنية للصناعة تهدف إلى الوصول إلى نمو صناعي واقتصادي مستدام، وذلك من خلال استهداف بناء اقتصادي مبني على المعرفة، إضافة إلى تطوير بيئة الأعمال من خلال إصدار وتعديل العديد من الأنظمة واللوائح التنفيذية ذات الارتباط بالتجارة والاقتصاد لتكون أكثر صداقة للمستثمر.

وبين ان الإنفاق السخي على تطوير شبكات البنى التحتية القائمة، واستحداث شبكات جديدة، لا سيما في قطاعات النقل الحديدي والبري والبحري والخدمات اللوجستية، والاستمرار في تبني معدلات إنفاق عالية.

وأبان أن من تلك الرؤية أيضا دعم القطاع الخاص الوطني وتسهيل كافة العقبات التي تحول دون اندماجه في الاقتصاد العالمي، والتركيز في الدعم على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، خاصة في قطاعي صناعة الخدمات والصناعة التحويلية، بتوفير الحوافز الضرورية وإزالة العقبات التي قد تواجهها، وذلك بهدف مساعدتها حتى تساعد نفسها.

وشدد وزير التجارة والصناعة السعودي على أن تلك الرؤية تبعث للعالم أجمع رسالة واضحة بأن المملكة لن ترضى بأن تكون أو ينظر إليها كمحطة تزويد للوقود للعالم، بل كمختبر تميز وحاضنة إبداع وابتكار وليس هناك مجال للتراجع عن هذه السياسة.

وأكد زينل أن «الاستراتيجية الوطنية للصناعة» تتبنى الرؤية بأن تكون الصناعة السعودية «صناعة منافسة عالميا، تقوم على الإبداع والابتكار، وأداة أساس في تحويل الموارد الوطنية إلى ثروة مستدامة».

ولفت إلى أن الاستراتيجية وضعت هدفا طموحا يتمثل في مضاعفة مساهمة القطاع المصرفي في إجمالي الناتج المحلي إلى 20 في المائة كحد أدنى في نهاية 2020، مما سيمثل مضاعفة للقاعدة الصناعية في المملكة ثلاث مرات على ما هو قائم في الوقت الحالي.

وذكر أن الاستراتيجية تسعى للوصول لأهداف متعددة بحلول 2020، منها مضاعفة القاعدة الصناعية ثلاث مرات (300 في المائة)، وتحقيق معدل نمو صناعي مركب يعادل 8 في المائة سنويا، زيادة نسبة المصنعات التقنية لتصل إلى 60 في المائة من إجمالي الإنتاج الصناعي.

وأفاد أن من بين الخطة رفع نسبة الصادرات ذات القاعدة التقنية إلى ما لا يقل عن 30 في المائة من إجمالي الصادرات الصناعية، مضاعفة نسبة الصادرات الصناعية بالنسبة لمجمل الصادرات من 18 في المائة في الوقت الحاضر إلى 35 في المائة، وأخيرا مضاعفة نسبة العمالة السعودية في الصناعة.

وأكد أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالاستثمار الزراعي في الخارج تهدف للمساهمة في توفير وتحقيق الأمن الغذائي للعالم أجمع من خلال القطاع الزراعي السعودي الخاص، إضافة إلى تحقيق الأمن الغذائي الوطني، واستثمار التقنية والخبرة التي اكتسبتها الشركات السعودية الزراعية إلى المناطق ذات الحاجة. ودعا زينل جميع دول العالم للمساهمة في تحقيق الأهداف لهذه المبادرة العالمية وضمان كبح شبح المجاعة عن البشرية. وأكد أن السعودية تعيش زمن الأزمة المالية كغيرها من دول العالم، إلا أنها أخذت على عاتقها ألا تكون هذه الأزمة عاملا محبطا لتأخير مشاريعها الصناعية والإنتاجية والاستثمارية. ودلل على ذلك باستمرار الاستثمار في المدن الاقتصادية والتوسع في نشر الجامعات والخدمات الصحية المتطورة في كافة أرجاء المملكة.

إلى ذلك توقع الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي إلى انضمام المملكة كعضو أصيل في لجنة بازل، مشيراً إلى أن تجربة بلاده في السياسة النقدية دفعتها للانضمام لمجموعة العشرين وانضمامها لمجلس الاستقرار المالي، مؤكداً أنه تم بناء إطار عمل قوي أبقى الأوضاع الداخلية الاقتصادية بمنأى عن الكثير من تأثيرات الأزمة المالية الحالية، بالإضافة إلى تعزيز المؤسسة في محاولاتها لتحقيق استقرار عالمي جديد عالمي، يقود إلى نمو متجدد وإلى رخاء اقتصادي، مؤكداً في الوقت ذاته استمرار مؤسسة النقد على الاستقرار في الوضع المالي وفي الأسعار.

من جهته توقع عبد الرحمن العطية أمين عام دول مجلس التعاون الخليجي في كلمته التي ألقاها بالنيابة عنه الدكتور ناصر القعود مدير إدارة المال والدراسات في المجلس أن تنجح دول المجلس التي تأثرت أكثر من غيرها، في احتواء آثار الأزمة، مشيراً إلى أنه يتوقع أن يتجاوز ذلك الاحتواء إلى الاستفادة مما قد ينتج عنها من فرص وآثار إيجابية يساعدها على ذلك ما حققته في السنوات الست الماضية من معدلات نمو مرتفعة ووفورات مالية عالية مكنتها من الإجراءات التحفيزية للمحافظة على نمو اقتصاداتها والمضي قدما في مشاريع التنمية.