الإمارات تفاجىء شركاءها الخليجيين بالانسحاب من الوحدة النقدية

أرجعت قرارها إلى عدم اختيارها مقرا للبنك المركزي.. ومصادر تؤكد إمكانية قيام الاتحاد بـ4 أو 3 دول

عدم اختيار الإمارات مقرا للبنك المركزي وراء قرارها بالانسحاب من الاتحاد النقدي الخليجي («الشرق الأوسط»)
TT

فيما أعلنت الإمارات أمس، عن خطوة مفاجئة بانسحابها من اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي، أكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن الإمارات أبلغت دول الخليج بموقفها هذا مسبقا، وأن عدم اختيارها مقرا للبنك المركزي الخليجي، هو سبب خروجها من الاتفاقية التي كانت قد أقرتها مع شقيقاتها الخمس، في القمة الخليجية بمسقط مطلع العام الجاري.

وفتحت الخطوة الإماراتية، غير المتوقعة، الباب على مصراعيه، أمام مستقبل الاتحاد النقدي، الذي ينتظر أن يقوم على اقتصادات 4 دول خليجية فقط، وذلك بعد إعلان عمان رسميا انسحابها من المشروع قبل 3 سنوات.

بيد أن مصادر معنية في الشأن الاقتصادي الخليجي، تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، عبر الهاتف، رأت أنه من الممكن نظريا قيام الاتحاد النقدي بـ4 دول أو حتى 3، في إشارات قد تعكس وجود نية لدى دولة خليجية ثالثة لاتخاذ خطوة مماثلة كتلك التي اتخذتها أبوظبي ومسقط.

غير أن التأكيدات الخليجية التي برزت أمس، بعد الإعلان الإماراتي، أشارت جميعها إلى التزام الرياض والكويت والمنامة والدوحة، بقيام الاتحاد النقدي.

وفي مقابل الإشارة لإمكانية قيام الاتحاد النقدي ببعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي، أكدت مصادر أنه كلما كان عدد الأعضاء أكثر، شكل الاتحاد النقدي قوة أكبر. غير أنها لا تجد أي عوائق لقيام الاتحاد بـ3 دول فقط.

وكانت القمة التشاورية التي عقدت في العاصمة السعودية خلال الأسابيع الماضية، قد اختارت الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي، وهو ما لقي تحفظا إماراتيا لم يعلن عنه في حينه عبر البيان الختامي الذي صدر نهاية القمة.

واتصلت «الشرق الأوسط» بأكثر من مسؤول في أمانة مجلس التعاون الخليجي، جميعهم تحفظوا عن الحديث حول الموضوع. لكن مصدرا مسؤولا قريبا من المفاوضات، قال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه لا يزال هناك مساع لاحتواء قضية انسحاب الإمارات من الاتحاد النقدي. وأشار إلى أن انسحاب أبوظبي سيؤثر بلا شك على مشروع الوحدة النقدية، معتبرا الإمارات إضافة وعمقا للمشروع.

وكان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، قد أعلن الأسبوع الماضي، عن مساع للتعرف على أوجه التحفظ الإماراتي، لإزالتها.

وتنبأ المصدر الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، أن تدخل الإمارات العربية المتحدة في حال ثباتها على مبدأ الانسحاب في مرحلة تنافسية مع الاتحاد النقدي إزاء جلب المستثمرين الأجانب الذين سيتجهون للمنطقة الخليجية برؤية واضحة، وسط ميزات عدة للاتحاد النقدي، هي التي ستخلق من هذا الأمر «التنافسية».

ولا يرى المصدر المسؤول، أي عوائق قد تقف حائلا دون عودة الإمارات إلى الاتحاد النقدي في حال رغبت بذلك بعد نجاح هذه التجربة، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على سلطنة عمان.

يشار إلى أن أمانة مجلس التعاون الخليجي، اقتنعت بأهمية تطبيق التجربة الأوروبية، فيما يخص إطلاق العملة الخليجية الموحدة في عام 2010، كأن يتم البدء بالدول الجاهزة، والتي تتوافق مع معايير الاتحاد النقدي بتطبيق الوحدة النقدية، على أن تمنح الدول المتخلفة عن الانضمام مهلة زمنية لتأقلم وضعها مع معايير الاتحاد.

ويوم أمس قال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية الإماراتية إن بلاده «قررت أن لا تكون طرفا في اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي كما قال المصدر ذاته إنه تم إخطار الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية رسميا بذلك اليوم (أمس).

ووفقا للمصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» فإن الموقف الإماراتي لم يكن جديدا، وسبق لها أن أبلغت الدول الخليجية الخمس الأخرى، بأنها لن تتنازل عن موقفها باختيارها مقرا للبنك المركزي الخليجي.

وكانت سلطنة عمان قد انسحبت هي الأخرى من الوحدة النقدية الخليجية أواخر عام 2006.

واختارت القمة التشاورية التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض الشهر الجاري، الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي.

وتشير المصادر إلى أن اختيار الرياض جاء من قبل قادة دول التعاون إثر تصاعد الخلافات حول الدولة التي ستستضيف المقر، قبل أن تتفق الدول الخمس، دون الإمارات، على أن تكون الرياض هي الحل الأمثل، وهو ما كان أبرز الحلول لدى الدول الخليجية للتغلب على معضلة اختيار واحدة من أربع دول تتنافس على استضافتها للمقر. وتنافست على استضافة مقر المصرف المركزي أربع دول هي: السعودية والإمارات والبحرين وقطر.

لكن الإمارات تقول إنها أول من قدم طلبا لاستضافة المقر في عام 2004، كجزء من ترتيبات الدخول في الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون، وقبل أن تتقدم باقي الدول الثلاث لنفس الطلب. كما تقول الإمارات إن عدم وجود أي مقر أو مركز لأي من المؤسسات والهيئات التابعة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية فيها، يجب أن يكون داعما لتأييد طلبها في استضافة المقر محل الجدل.

وكان مصدر إماراتي رسمي قد صرح لـ«الشرق الأوسط» إبان قمة مسقط الأخيرة، أن بلاده أبلغت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، اعتراضها الشديد على عدم الموافقة على أن تكون مقرا للمصرف المركزي المرتقب، وقال المصدر إن بلاده كانت أول من تقدم لاستضافة مقر المصرف الخليجي، وذلك قبل أربع سنوات، مضيفا أن بلاده «ظلت لمدة سنتين المتقدم الوحيد من دون أن يبدي أي طرف خليجي رغبته باستضافة المقر»، وإن الإمارات «تشعر بعدم الإنصاف كون الإمارات هي أول من تقدم، وظلت طوال تلك الفترة من دون أي منافس آخر».

ويفترض أن يساهم اتفاق دول الخليج على الاتحاد النقدي، في تشكيل مجلس نقدي ابتداء من هذا العام، على أن يؤدي ذلك إلى إنشاء مصرف مركزي لمجلس التعاون الخليجي تقع على عاتقه مهمة إطلاق العملة الموحدة ابتداء من 2010 مبدئيا. ويعتبر محللون أن تأسيس المصرف الخليجي المركزي والاتحاد النقدي يعد من العوامل الحاسمة التي ستتيح للدول الست مواجهة التحديات التي فرضتها العولمة والأزمة المالية العالمية الراهنة.

وفيما يبدو أنه خط رجعة للدخول مستقبلا في الاتحاد النقدي، قال المصدر الإماراتي إن بلاده، وبالرغم من خروجها الحالي من الاتحاد النقدي، فإنها تتمنى لدول المجلس التي سوف تنضم إلى الاتفاقية المذكورة التوفيق والنجاح.

كما أكد المصدر أن الإمارات العربية المتحدة ماضية في العمل في كل ما من شأنه مصلحة مواطني دول المجلس وأنها سوف تواصل القيام بدورها كدولة مؤسسة للمجلس لتحقيق رسالته وأهدافه. واختتم المصدر تصريحه قائلا « إن سجل الإمارات في تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يؤكد بقوة إيمانها بالعمل الخليجي المشترك. وأقرت القمة الخليجية اتفاقية الاتحاد النقدي، التي تتضمن الأطر التشريعية والمؤسسية له، كما اعتمدت النظام الأساسي للمجلس النقدي، وأكدت القمة على سرعة المصادقة على الاتفاقية ليتم إنشاء المجلس النقدي الذي سيتولى استكمال المتطلبات الفنية للاتحاد النقدي والتهيئة لتأسيس البنك المركزي وإصدار العملة الموحد.

وتشير توقعات المحللين إلى أن الوحدة النقدية الخليجية ستشكل كتلة اقتصادية قوية يقدر حجمها بنحو تريليوني دولار عام 2020، كما أن دول مجلس التعاون ستتحول ـ في حال اكتمال مشروع الوحدة النقدية ـ إلى ثاني ‏أهم تجمع نقدي في العالم بعد الاتحاد الأوروبي من حيث ‏الناتج المحلي الإجمالي.

ويؤمل أن يصبح البنك ‏المركزي الخليجي صوت اتحاد دول مجلس التعاون أمام ‏المؤسسات المالية العالمية كصندوق ‏النقد الدولي والبنك الدولي، وأن يقلل من مخاطر تعرض ‏دول المنطقة لتقلبات الاقتصاد ‏العالمي ومواجهة ما قد يطرأ من أزمات مالية، كما أن إنشاء المجلس النقدي الخليجي ‏من شأنه أن يوفر دفعة قوية لمشروع العملة الخليجية الموحدة.‏