مصرفيون وخبراء: القرار هزة للتكامل الخليجي.. والإمارات ستخسر المشاركة في بعض التطورات

اسفكياناكيس: السعودية ستستمر بالدفع تجاه عملة موحدة > المؤذن: فرق بين انسحاب أبوظبي وعمان > جاسم حسين: تأجيل المشروع سنوات

TT

أجمع خبراء اقتصاديون أن انسحاب الإمارات من مشروع الوحدة النقدية يمثل هزة للتكامل الاقتصادي الخليجي باعتباره الهدف الذي سعت له منظومة دول الخليج منذ قرابة العقدين من الزمن في وقت سيكون فيه حلم خلق عملة خليجية قوية في الأسواق العالمية ضحية لذلك. في غضون ذلك قالت مؤسسة «مودي» للخدمات المالية إن انسحاب الإمارات لن يؤثر في التصنيف الائتماني لدول مجلس التعاون بما فيها الإمارات وإن كانت اعتبرت الانسحاب ضربة لمشروع الوحدة النقدية. وقال الخبراء في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الطرفين (الإمارات ومجموعة دول: السعودية والكويت وقطر والبحرين) سيخسران جراء هذا الانسحاب حيث سيؤثر في مجمل التعامل الاقتصادي بين الطرفين ويقلل من قوة الوحدة الاقتصادية المنتظرة.

وقال الدكتور جون أسفكياناكيس رئيس الدائرة الاقتصادية في البنك السعودي البريطاني: «رغم القرار فالسعودية من الدول التي ستبقى ماضية للدفع بعملة خليجية موحدة» مفيدا أنه من سوء الحظ عدم دخول الإمارات في الكتلة النقدية المرتقبة.

ورفض أسفكياناكيس فكرة أن تتراجع بعض الدول الباقية بل أكد أنها ستمضي جميعها إلى مشروع الوحدة النقدية لعدم وجود مبررات تدفعها لذلك ولمصلحة اقتصاداتها الداخلية التي تحتم عليها البحث عن الوحدة النقدية.

ويرى أسفكياناكيس أن الإمارات ستعتبر الخاسر من عدم المشاركة حيث ستصبح الآن بصوت واحد حيث إنها لن تشارك في بعض التطورات والمباحثات التي ستنفع اقتصادها المحلي، في وقت ستبدو الدول الباقية متناغمة مع بروز اقتصادها ككتلة في الاقتصاد العالمي قادرة على تقوية مراكزها وتعزز قدرة مباحثاتها.

ولفت أسفكياناكيس في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قرار الإمارات سيفوت عليها أن تكون جزءا من كيان الدول الخليجية وسيتضح فارق الإمكانيات مع دول الاتحاد النقدي لا سيما مع التفاعل المالي وتحركات رؤوس الأموال.

من جانبه، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد محمود شمس مدير مركز دراسة الجدوى الاقتصادية للاستشارات أن تراجع الإمارات ربما يكون مشجعا لتوجه مزيد من الدول للانسحاب متطلعا بضرورة قيام السعودية باعتبارها الدولة الأكبر في المنطقة بدور إيجابي لإعادة الإمارات لمشروع الوحدة النقدية.

وذكر شمس في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الخسارة ستعم الجانبين بعد أن قطعوا مشوارا طيبا في مشروع الوحدة النقدية مفيدا أن اقتصاد الإمارات يمثل ثاني أكبر اقتصاد في إقليم الخليج بأكثر من 100 مليار دولار وهو ما يعني تراجع قيمة العملة الخليجية الموحدة.

ويتوافق هذا الرأي مع ما أكده لـ«الشرق الأوسط» الدكتور إحسان بوحليقة الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة شركة وطن للاستثمار، حيث أكد أنه في ظل التساؤلات والأنباء عن جدوى فك الارتباط بالدولار، فإن العملة الخليجية الموحدة المنتظرة كانت تمثل عاملا قويا للاستناد إليه في هذا الملف.

وقال بوحليقة: «بانسحاب الإمارات فإن العملة الخليجية الموحدة المنظرة ستعمل بشكل أضعف مع الاعتبار أن الانسحاب يمثل في مضمونه تقهقرا لمشروع التكامل مع فقد اقتصاد الإمارات الذي له حجم معتبر وتنوع في النشاط من حساب الاقتصاد الكلي لدول مجلس التعاون (صاحبة العملة)». وزاد بوحليقة: «أن العملة الخليجية المرتقبة تمثل الإجابة الحاسمة عن ملفات عديدة منها فك الارتباط بالدولار مما يضعف من طموح وجود عملة اقتصادية قوية ومنافسة».

ويضيف هنا الدكتور شمس بأن اقتصاد كالإمارات يمثل خسارة على الوحدة الاقتصادية حيث كلما زاد عدد الدول المشتركة في الوحدة النقدية كلما قويت الصادرات والواردات وبالتالي يزيد الطلب على العملة ويرتفع على إثره الناتج الوطني المحسوب في معادلة قوة العملة.

وشدد شمس على ضرورة أن تلتفت دول الخليج إلى التماسك بعد أن قطعت شوطا جيدا في وقت تتزايد فيه التباينات الاقتصادية وتحديدا في الدورات الاقتصادية والناتج القومي ومعدلات التضخم والبطالة والدين العام والعجز، مشددا على أن انسحاب الإمارات يمثل أول تحد حقيقي يعرقل من مشروع الوحدة النقدية.

وقال شمس: «كان من المنتظر التماسك في وقت يتوقع أن تشهد كتلة دول الخليج بعد الوحدة النقدية جملة من التحديات المتعاظمة في عدد من الأصعدة منها الاقتصادية والإدارية وخلافه»، موضحا أنه لابد من استخدام الحكمة السياسية على مستوى القمة لإعادة الإمارات من جديد.

وأفاد الخبير الاقتصادي شمس بأن محل اعتراض الإمارات على أحقيتها بوجود البنك المركزي لديها يمكن أن يستعاض به بجملة من الحلول كأن تكون مقرا للمعهد المصرفي ورفع مستوى الموظفين الإماراتيين وغيرهما. لكن الدكتور بو حليقة عبّر عن أن الإمارات ستشهد بانسحابها تأثرا في مجمل التعاطي والتعامل مع باقي دول الاتحاد النقدي على الصعيد الاقتصادي متطلعا إلى ضرورة إيجاد مخرج في الأفق لكيلا يعكر صفو مشروع التقارب الاقتصادي. وبين بو حليقة أن على الأطراف الفاعلة التحرك في هذا الصدد في مقدمها الأمانة العامة لدول مجلس التعاون واللجان المالية خاصة أن الإمارات كانت تعد من بين الدول الأكثر حرصا واهتماما بملف الوحدة النقدية.

من جانبه ذكر سلطان المؤذن عضو المجلس الوطني الإماراتي (البرلمان) أن الأتحاد النقدي سيواجه مصاعب كبرى بانسحاب الإمارات، مضيفا أن كون بلاده ثاني أكبر اقتصاد خليجي «فإن عدم وجودها في هذا الاتحاد النقدي لن يساعد في ظهوره بالشكل المطلوب».

عضو البرلمان الإماراتي يرى أن بلاده كانت تتنظر أن تستضيف أول مقر لإحدى المؤسسات الخليجية «هناك نحو 20 مؤسسة مقارها في دول الخليج الأخرى، الإمارات وحدها لا تستضيف، ولا يمكن بالطبع أن يتم تجاهل مكانة الاقتصاد الإماراتي الذي له ثقل اقتصادي كبير على المستوى الخليجي».

ويرى المؤذن أن هناك فرقا بين انسحاب عمان وانسحاب بلاده، ويشرح قائلا «بالطبع الفرق كبير.. فالاقتصاد الإماراتي كان سيدعم الاتحاد النقدي، أما حاليا فمن الصعب على أربع دول أن تستمر في الوحدة النقدية دون أن يكون لثاني أكبر اقتصاد خليجي موطىء قدم.. باختصار لا يمكن للوحدة النقدية أن ترى النور من دون الإمارات». غير أن المؤذن يرى في الوقت ذاته أن بلاده لم تضع العقبات أمام الاتحاد النقدي، «كلنا يعلم أن القرارات في مجلس التعاون تظهر بالإجماع، ومع ذلك لم تشأ الإمارات أن تعرقل رغبة الدول الأربع بالاستمرار في وحدتها النقدية، فآثرت أولا التحفظ على قرار عدم استضافتها لمقر المصرف المركزي، والآن الخروج من اتفاقية الاتحاد النقدي، هذا معناه أننا لن نعترض على استمرار المشروع، لكننا لن نستمر فيه».

من جهته، يعتبر الدكتور جاسم حسين الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة المالية والاقتصادية بالبرلمان البحريني أن القرار الإماراتي «مفاجأة وخطوة كبيرة.. لكنه يبقى قرارا سياديا يخص الحكومة الإماراتية»، كما يرى أن القرار سيكون له تأثيرات سلبية كبرى في مشروع التكامل الاقتصادي برمته «خاصة أن الاقتصاد الإماراتي يشكل ثاني أكبر اقتصاد بعد السعودية، وأكثر ما أخشاه أن يترك مثل هذا القرار تأثيرا على الهدف الأسمى وهو التكامل الاقتصادي الخليجي».

ويقترح الدكتور جاسم حسين، في ظل الانسحاب الإماراتي، تأجيل الوحدة النقدية لعدة سنوات «وليس الإصرار على تطبيقها في الوقت المحدد بالرغم من كل العقبات التي تعترض الوحدة النقدية، بالمقابل يجب أن يكون هناك تركيز على تحقيق متطلبات السوق الخليجية المشتركة التي دخلت حيز التنفيذ نهاية عام 2008 لكن تطبيقها لم يتم بالكامل».

ويقول الخبير الاقتصادي جاسم حسين إن تأجيل الوحدة النقدية يعطي اطمئنانا للوضع الخليجي فيما يتعلق بالتكامل الاقتصادي «حتى لا يخرج الموضوع عن السيطرة وتحاشي مزيد من التدهور للمشاريع الخليجية المشتركة وبالتالي تتأثر حتى القرارات السياسية».

وردا على سؤال حول مستقبل العملة الخليجية بعد انسحاب الإمارات وعمان، قال الدكتور حسين إن المشروع الخليجي لن يكون مشروعا حقيقيا بخروج ثلث الأعضاء، مشيرا إلى أن هناك تجربة أوروبية قضت بتحقيق الوحدة النقدية على مجموعة من الدول قبل انضمام باقي الدول إليها، «لكن هناك 27 دولة تعطي بعدا للمشروع، بينما لدينا ست دول خرجت منهم اثنتان فلم يبق إلا أربع دول فقط».