أفول نجم الإعلانات على شبكة الإنترنت

الرهان على مداخيلها لم يعد مجديا مع تباطؤ نموها بما يصل إلى 30%

الإعلان على الإنترنت يعرف تباطؤا ملحوظا
TT

بالنسبة لكل الساعين لتنفيذ فكرة مجنونة لتأسيس مشروع تجاري على شبكة الإنترنت، بدت في وقت من الأوقات وسيلة جني المال من وراء هذا المشروع واضحة، وهي اجتذاب عدد كبير من الزائرين وبيع إعلانات. وتشير الإحصاءات الصادرة عن الجمعية الوطنية لرأس المال المخاطر (ناشونال فنتشر كابيتال اسوسيشن) إلى أنه منذ عام 2004، وجه المستثمرون 5.1 مليار دولار إلى 828 شركة ناشئة على شبكة الانترنت، وتعرض معظمها إعلانات.

إلا أنه في الوقت الراهن، عمدت الجهات الإعلانية إلى تقليص نفقاتها على شبكة الانترنت. وعليه، تبحث الشركات الناشئة على الشبكة عن سبل جديدة لجني المال، مثل بيع سلع فعلية، أو افتراضية، أو يطلبون من العملاء المشاركة في اشتراكات. من جانبهم، يشجع أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة، الذين يسعون لبيع شركاتهم في الأسواق العامة، هذه الجهود. على سبيل المثال، قال روجر لي، أحد الشركاء في «باتري فنتشرز»، والذي يهتم بالاستثمار في الشركات الناشئة بمجال الإعلام الرقمي، إنه يأبه فقط بالشركات التي يتوافر لديها مصدر أو مصدران آخران للدخل علاوة على الإعلانات. واستطرد موضحا أن: «المشكلات الراهنة على الصعيد الاقتصادي الدعائي تجبر الأفراد، انطلاقا من الحاجة، إلى طرح تساؤلات بالغة الصعوبة حول كيفية بناء شركة تجارية مربحة». وتتمثل أحدث الأمثلة التي يمكن الإشارة إليها في هذا السياق إلى «أوبين تيبل»، وهو موقع على شبكة الانترنت يعنى بحجز المطاعم، يحصد المال حاليا عبر بيع برامجه إلى المطاعم ويفرض عليها رسوما تبلغ دولارا واحدا عن كل مقعد يتم حجزه. في الأسبوع الماضي، أصبح هذا الموقع أول شركة منشأة على شبكة الانترنت بدعم من رؤوس أموال مخاطرة يتم عرضها للاكتتاب العام خلال عامين. وحقق هذا الاكتتاب نجاحا كبيرا، حيث طرح السهم بمبلغ 20 دولارا يوم الخميس، ما يزيد بنسبة 43 % عن التقديرات التي طرحها المستثمرون المصرفيون للسعر الأصلي. وأنهى السهم تداولاته يوم الجمعة عند مستوى 28.71 دولار، محققا مكسبا بنسبة 44 %. وعلى ما يبدو، تعلم آخرون الدرس المستفاد من هذه التجربة. جدير بالذكر أنه عندما أسس بين إلويتز شركة «ويتبينت» عام 2005، كان الهدف السماح لأي شخص بإنشاء موقع على شبكة الانترنت مجانا. وأكد أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة الذين تحدث إليهم ضرورة اجتذاب أكبر عدد ممكن من الزائرين إلى المواقع بهدف عرض شريحة كبيرة من الجمهور على الجهات الإعلانية. تعرض «ويتبينت» على الجهات الإعلانية مساحة على بضعة مواقع على شبكة الانترنت يطلع عليها بضع مئات الآلاف من الزائرين. إلا أنه في الخريف الماضي، تحولت أنظار الكثير من الجهات الإعلانية المتعاونة مع الموقع باتجاه مواقع يرتادها ما يزيد على خمسة ملايين زائر، حسبما أوضح إلويتز. وانكمشت أسعار تأجير المساحات الإعلانية المتبقية من دولار واحد إلى 25 سنتا مقابل كل 1.000 مشاهدة. وأعقب ذلك، انعقاد العديد من الاجتماعات لمجلس إدارة الشركة سادها التوتر. وأضاف إلويتز: «قرب نهاية العام، توصلنا إلى فكرة أننا لن نعتمد على مورد واحد للدخل. لقد بدا أن سوق الإعلان على شبكة الانترنت ستصبح النجم الأكبر على الساحة، لكن حتى هذا النجم أفل». والآن، تفرض «ويتبينت» رسوما على كبار عملائها من الشركات، مثل «إتش بي أو» و«فوكس»، مقابل توفير خدمات إضافية مثل الترويج لها داخل الموقع وترأس منتديات القراء. وتنوي «ويتبينت» إضافة المزيد من الخدمات مدفوعة الأجر، بما في ذلك قدرة إضافية لتخزين الملفات الضخمة. وتدرس كذلك بيع سلع افتراضية على مواقعها على شبكة الانترنت. من جهتهم، قال مستشارو التسويق الالكتروني إنه في الوقت الذي يتباطأ نمو الإعلانات على شبكة الانترنت من مستوى يتراوح بين 20% و30%، فإنه تمكن من تحقيق معدل بلغ 10.6% العام الماضي، ومن المتوقع أن يشهد توسعا بنسبة 4.5% هذا العام. وبينما تشير التوقعات إلى أن الجهات الإعلانية ستقلص إنفاقاتها على صور عرض منتجاتها ورسائل البريد الالكتروني الدعائية، فإنها ستزيد نفقاتها بمجالي البحث والإعلانات المؤلفة من مقاطع مصورة.

على الجانب الآخر، يؤكد بعض المستثمرين بمجال التكنولوجيا أنه ليس هناك ما يدعو للذعر. على سبيل المثال، أوضح ديفيد سز، الشريك بـ«غرايلوك بارتنرز» التي تستثمر في مواقع مدعومة من قبل الإعلانات مثل «فيس بوك» و«ديغ»، أن: «قبل أكتوبر (تشرين الأول)، تألفت معظم الخطط التجارية من نماذج تعتمد على الإعلانات، وفجأة قرر العالم بأسره الاعتماد على نماذج بيع سلع افتراضية أو توفير اشتراكات، وأرى أن ردود الأفعال المبالغ فيها تلك مجنونة. بالتأكيد، ستتقلص صناعة الإعلانات، لكن أعتقد أننا سنشهد نموا مستمرا في العائدات الإعلانية المرتبطة بشبكة الانترنت بمرور الوقت». بيد أن شركات جديدة ربما تجابه صعوبة في اجتذاب عشرات الملايين من الزائرين، على غرار الحال مع «فيس بوك» و«ديغ». ومن دون توافر عدد كبير من الزائرين، ربما لا تقبل الجهات الإعلانية على المواقع. يذكر أن «باندورا»، وهو موقع إذاعي على شبكة الانترنت، حاول طرح اشتراكات عندما بدأ عمله عام 2005. في هذا السياق، أوضح تيم ويسترغرين، مؤسس «باندورا»: «دام هذا الأمر لثلاثة أسابيع. وبدا واضحا تماما أنه لا مستقبل في ذلك وأن الخيار الوحيد الحقيقي هو التحول إلى موقع مجاني». والآن، يفد إلى «باندورا» 10 ملايين مستمع وجهات دعائية مثل «هيلويت ـ باكارد» و«بيست باي». ومع ذلك، لم تعد الإعلانات كافية، ففي الأسبوع الماضي، شرع «باندورا» في طرح خدمة اشتراك اختيارية، بحيث مقابل 3 دولارات شهريا، لا يرى المشترك ولا يستمع إلى أية إعلانات ويحصل على أحد تطبيقات الحاسب الآلي وقدرة أسرع على التحميل.

وأكد ويسترغرين أن: «هذه هي نقطة الجدال الأكبر: ما هو محور التلاقي بين ما يرغبه المستخدمون وما تسمح به الاعتبارات الاقتصادية؟ بعض الجهات قدمت عددا مفرطا من الخدمات وعجزت عن تحمل تكاليفها، بينما طلبت أخرى رسوما باهظة عن مميزات لم يكن الأفراد على استعداد لدفع مال مقابل الحصول عليها. لا بد أن هناك نقطة وسط، وما زلنا نبحث عنها». الملاحظ أن النموذج الذي تمثله «باندورا» والذي يعد مزيجا ما بين الخدمات المجانية وفرض رسوم مقابل خدمات إضافية، اكتسب شهرة واسعة بين الشركات الناشئة على شبكة الانترنت. على سبيل المثال، نجد أن موقع «زوبني»، الذي يوفر سبلا تيسر البحث في رسائل البريد الالكتروني عبر «أوتلوك»، مجاني لكنه يخطط لطرح نسخ جديدة مدفوعة الأجر هذا الصيف تفرض رسوما مقابل مزيد من المميزات. يذكر أن «زوبني» لا يطرح إعلانات. من جهته، قال جيف بونفورت، الرئيس التنفيذي للموقع: «الاعتماد على الإعلانات لا يشكل نموذجا تجاريا مناسبا، حيث يقوم على جني عائدات غير مباشرة اعتمادا على سلوك الأفراد وتقديم إعلانات لا يودون مشاهدتها أو لا تشكل أهمية بالنسبة لهم. أما طرح خدمات إضافية برسوم فيمثل نموذجا تجاريا يتسم بطابع مباشر وفاعلية بالغة». من ناحية أخرى، عندما ساعد يوشيانغ تشنغ في تأسيس «وورلد غولف تور»، وهي لعبة غولف على شبكة الانترنت تتميز بعناصر غرافيك رفيعة المستوى، رغب في جني المال من وراء كل لاعب. إلا أن 5 % فقط من إجمالي لاعبي «وورلد غولف تور» البالغ إجمالي عددهم 250.000 يدفعون أموالا مقابل شراء أشياء مثل مضرب غولف ثمنه دولار واحد. ويحصل الموقع على ثلثي عائداته من مثل هذه المبيعات، بينما يأتي الثلث الآخر من الإعلانات. وتتمسك شركات أخرى عاملة بشبكة الانترنت ببيع سلع حقيقية. مثلا، في فبراير (شباط)، عندما بدأ بانكاج شاه طرح مجلة على الشبكة، تدعى «تونيك»، قرر أن تخلو من الإعلانات. وتبيع المجلة سلعا مثل قمصان مصنوعة من أقطان عضوية من إنتاج دونا كاران مقابل 65 دولارا. وعلق شاه بقوله: «لم أؤمن بقدرة النموذج القائم على الإعلانات بالنسبة لوسائل الإعلام على الاستمرار، في ضوء تراجع الأسعار وتقليص الميزانيات»، مضيفا أن بيع قميص أو سوار مقابل 45 دولارا يعوض الكثير من المجهود المرتبط بالإعلانات.

* خدمة «نيويورك تايمز»