الفضيحة

علي المزيد

TT

تمر بيئة الأعمال في أي جزء من العالم بأحوال متقلبة، منها السعيدة مثل تحقيق الأرباح، والنمو، والتوسع، والاندماج، وتوقيع العقود وغير ذلك من الأعمال الإيجابية. كما تمر في الوقت ذاته بأحوال سيئة مثل الخسارة، تشويه المنتج، تباطؤ النمو أو الإفلاس، ونحن في الصحافة ننشر الإيجاب دائما، ولكننا نختلف على نشر السلب. وقد رأيت في السعودية اختلاف زملائي الصحافيين لما حصل لشركات معن الصانع، فبعضهم أيد النشر، وبقوة، والبعض الآخر تحفظ على النشر بدعوى أن ذلك يحمي الاقتصاد الوطني. وأنا دائما من مؤيدي النشر، ومن دون تحفظ، إذا كان ما ينشر وقائع حدثت والصحافي يمتلك وثائقها، ولا أقبل بنشر المفبرك أو ناقص الحقائق أو المضلل، واستنادي أن نشر الحقائق كما هي دائما يصحح الأحداث على الأرض، وقد كتبت في مقال سابق في هذه الصحيفة أن القطاع الخاص للأسف لا يقبل النقد وأن هذه أول أمراضه السرطانية. وتأييدي للنشر ليس من باب جلب القارئ أو الإثارة مع أهمية ذلك، ولكني أستند في النشر على معطيات اقتصادية مهمة تتحقق مع النشر، فمثلا لكل شركة متعاملون ودائنون، فإذا ما تم نشر ما بها من خلل فإننا نرسل رسالة مهمة للمتعاملين مع هذه الشركة بأن يكونوا حذرين، فلا يتضررون، أو تخف أضرارهم إن كانوا من المتعاملين مع الشركة نفسها، إما بالحصول على جزء من تعاملاتهم أو بعدم ضخ تعاملات جديدة، وكلا الأمرين حماية. الناحية الأخرى أن الشركات تتعامل مع بنوك وشركات مالية وشركات عامة وأفراد، وبعض هذه الشركات يتم تداول أسهمها في سوق الأسهم، ونشر الأمور إذا كانت واقعية تحمي الناس من التعامل في أسهم هذه الشركات أو التريث في التعامل معها أو سحب الإيداعات إن كانت بنوكا خشية أن تكون متورطة مع العميل المفلس بشكل كبير. كما أن ضغط نشر الفضيحة يجبر البنوك والشركات المتعاملة مع المفلس على نشر بيانات تحدد العلاقة بينها وبين العميل المفلس، كأن تقول علاقتنا مع العميل تنحصر في قرض قيمته 100 مليون ريال وضماناته الآتي: 30% عقارات، 40% أسهم والباقي مضمون بالملاءة المالية للشركة المفلسة، وهو أمر جائز بين الشركات، أو أن لا ضمانات على هذا القرض، ومن خلال ما ينشر يقدر الفرد حجم الأضرار، فإما أن يغير مركزه في سوق الأسهم من أسهم شركة يرى أنها متورطة إلى شركة أو بنك لم يتورط، أو يقدر أن الأضرار الواقعة مع البنك المتعامل مع المفلس قليلة وأن سهمه هبط بشكل حاد وبالتالي فإن الشراء فيه فرصة لا تعوض. أنا اختصرت لكم نموذج مبسط من الأمثلة التجارية.

وهناك أيضا أسباب عامة تجعلني من مؤيدي النشر، من هذه الأسباب أن الإفلاس إما أن يكون بسبب إهمال أو سوء إدارة أو باختلاف الشركاء أو بسبب أزمة اقتصادية خانقة أو تسلط أجهزة حكومية عليه. وأنا هنا أتكلم بالمطلق وليس عن بلد بعينه، ونشر الوقائع وتقصي الأسباب يجعل لدينا تراكما في الخبرة الاقتصادية، بحيث يستفيد منها من هم بالسوق. كما يستفيد منها الشباب. وأذكر منذ زمن بعيد في مدينة الرياض حينما كان يفلس أحد كانت تتم رواية إفلاسه بشكل شفوي وكانت تحدد الأسباب، فإن كان الإفلاس بسبب فساد إداري أو أخلاقي يترك الرجل ليذوب ويخرج من السوق، أما إذا كانت الأسباب خارجة عن إرادته فإن جميع من في السوق يتضافرون معه ويساعدونه على القيام مرة أخرى. لذلك، فـتأييدي للنشر ليس من باب التشفي، ولكن من باب معالجة الأمور ووضع خبرة تراكمية مفيدة للأجيال، ثم إن هذه أحداث حدثت لا يجب إنكارها أو تغطيتها بالرماد لتكون بركانا يشتعل مرة أخرى، مع اشتراطي في النشر أن يكون ما ينشر واقعيا ومستندا على الحقائق.

[email protected]

* كاتب اقتصادي