أوباما يقترح أوسع عملية إصلاح للنظام المالي الأميركي منذ ثلاثينات القرن الماضي

خطته تعزز الدور الحكومي في الأسواق > أعلن عن وضع المؤسسات المالية الأميركية تحت مراقبة مدقق واحد

أوباما يتحدث أمس أمام أعضاء هيئات التنظيم المالي في البيت الأبيض، متوسطا وزير الخزانة تيموثي غايتنر (يمين) ورئيس المجلس الاحتياطي بن برنانكي (رويترز)
TT

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس أن مشروعه لإصلاح النظام المالي هو أوسع عملية إصلاح مالية منذ الإصلاحات التي أقرت عقب الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الفائت، بحسب تصريح نشره البيت الأبيض.وجاء في تصريح له أنه «ليس نحن من اختار طريقة اندلاع هذه الأزمة. ولكن لدينا الخيار بشأن ما بعد هذه الأزمة». وأضاف أوباما: «إدارتي تقترح اليوم إصلاحا شاملا لنظام الضوابط المالية، تغييرا على مستوى لا سابق له منذ الإصلاحات التي أعقبت الكساد الكبير».

وقد كشفت إدارة أوباما أول من أمس عن معلومات مفصلة حول سلسلة من المقترحات الرامية إلى إشراك الحكومة على نحو أعمق في الأسواق الخاصة، بداية من المساعدة في توجيه المقترضين إلى قروض الرهن العقاري المناسبة وحتى فرض قيود جديدة على الشركات المالية الكبرى، وذلك في إطار جهود كبيرة لكبح جماح أنماط الإجراءات المنطوية على مخاطرة بالغة التي أشعلت الأزمة الاقتصادية الراهنة. وتسعى الخطة نحو إصلاح هيكل التنظيمات المالية الأميركي الذي عفا عليه الدهر. وعقد كبار المسؤولين نقاشا حول تمهيد الطريق أمام إصلاحات جوهرية، لكنهم قرروا في نهاية الأمر البناء على هيكل النظام القائم، وعرضوا خطة أشبه بمخطط معماري لتحديث الهيكل القديم المتداعي. من ناحيته، صاغ البيت الأبيض حجته المساندة لهذا التوجه في تقرير رسمي يقع في 85 صفحة يصف جذور الأزمة الحالية. وأوضح التقرير أن ثغرات في الهيكل التنظيمي سمحت للشركات بتقديم قروض لم يكن بإمكان الكثير من المقترضين سدادها. وجاء التمويل من صور جديدة من الاستثمارات لم يتفهمها المشرعون على النحو المناسب. ودفعت الشركات الكبرى علاوات مالية طائلة لموظفيها، بينما لم تضع جانبا سوى القليل من الأموال لامتصاص الخسائر المحتملة. وأشار التقرير إلى أنه «بينما تكمن عدة أسباب وراء هذه الأزمة، من الواضح الآن أن الحكومة كان باستطاعتها بذل المزيد من الجهود للحيلولة دون خروج الكثير من هذه المشكلات خارج نطاق السيطرة وتهديد استقرار نظامنا المالي». تدور الخطة الحكومية حول خمسة نقاط جوهرية، طبقا لما أعلنه مسؤولون بارزون بالإدارة الأمس ونسخة من التقرير حصلت عليها «واشنطن بوست». من شأن المقترحات الواردة بالتقرير زيادة سلطة مصرف الاحتياطي الفيدرالي على نحو بالغ، بهدف خلق جهة رقابية على الشركات المالية الكبرى أقوى وأكثر تناغما. ويطلب التقرير من الكونغرس السماح للحكومة للمرة الأولى بتفكيك الشركات الكبرى المتعثرة، لتجنب انهيارها على نحو فوضوي يضر بالاقتصاد. وينص التقرير على أن تمتد الرقابة الفيدرالية إلى جوانب غامضة من الأسواق المالية، وفرض قواعد جديدة على المضاربة في المشتقات والسندات المركبة المرتبطة بقروض الرهن العقاري. كما تنوي الحكومة إنشاء وكالة جديدة لحماية مستهلكي الرهن العقاري وبطاقات الاعتماد والمنتجات المالية الأخرى. كما ستعزز الإدارة من التنسيق بينها وبين الدول الأخرى بهدف الحيلولة دون هجرة الشركات التجارية إلى الجهات الأقل تنظيما. ومن المقرر أن يعلن الرئيس أوباما عن كامل الخطة اليوم، منهيا بذلك شهور من التفحص السياسي والمناقشات الداخلية ويحدد التفاصيل أمام نقاش محتدم بالفعل حول هذا الأمر داخل الكونغرس. من جانبه، من المقرر أن يعقد الكونغرس جلسات استماعه الأولى حول المقترحات غدا، بينما بدأت جماعات المصالح في تنظيم حملاتها بالفعل. من ناحيتهم، أعرب قيادات الكونغرس عن أملهم في تمرير صورة ما من الخطة بحلول نهاية العام. أما أوباما فقد أعلن أمس في إطار مقابلة بثتها قناة «سي إن بي سي» أن «السرعة مهمة. نرغب في الاضطلاع بهذا الأمر على النحو الصحيح. ونرغب في القيام به بحرص. لكننا لا نود السير على غير هدى. نود التأكد من أننا حصلنا على أفضل إطار عمل تنظيمي ممكن بحيث لا نكرر أخطاء الماضي». من جهة أخرى أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس الثلاثاء أن المؤسسات المالية الكبرى في البلاد التي يشكل إفلاسها خطرا على مجمل النظام الاقتصادي في البلاد ستوضع تحت مراقبة هيئة مدققة واحدة. وكشف أوباما عن هذا الاقتراح خلال مقابلة مع محطة التلفزيون الإخبارية المالية «سي إن بي سي» وذلك ردا على سؤال حول إصلاح سلطات المراقبة المالية الذي تنوي إدارته اقتراحه.

وقال: «ما سنقدمه في اقتراحنا هو للمؤسسات من الدرجة الأولى والمؤسسات الكبرى التي يتطلب منا إفلاسها إذا حصل أن نمولها وهؤلاء الأشخاص سيكونون تحت سلطة هيئة مدققة واحدة». وأضاف: «في ما يتعلق بالمصارف الصغرى والمصارف المحلية فإن الوكالة الفيدرالية لضمان الودائع المصرفية قامت بعمل جيد. ونحن نثق بهم كي يكملوا عملهم».

من ناحية أخرى أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بأداء رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي بن برنانكي لكنه امتنع عن التعقيب عما إذا كان سيعيد تعيينه عندما تنتهي فترة ولايته. وقال أوباما في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»: «بن برنانكي يؤدي مهام منصبه بشكل رائع وسط ظروف غير عادية». وسُئل أوباما هل سيعيد تعيين برنانكي عندما تنتهي فترة ولايته الحالية كرئيس للبنك المركزي الأميركي في الحادي والثلاثين من يناير (كانون الثاني) 2010 فأجاب قائلا: «لن أعلن عن ذلك الآن». و على صعيد متصل أعلنت وزارة العمل الأميركية أمس ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة طفيفة خلال مايو (أيار) الماضي بما يعكس حالة الركود الاقتصادي المستمر حيث ارتفع مؤشر الأسعار بنسبة 0.1% عن أبريل (نيسان) الماضي.

في الوقت نفسه كان مستوى الأسعار في الشهر الماضي أقل بنسبة 1.3% من مستواها في الشهر نفسه من العام الماضي، وهو أكبر تراجع سنوي للأسعار منذ ستة عقود.

و بحسب «رويترز» جاء الارتفاع الشهري للأسعار في مايو (أيار) الماضي بسبب زيادة أسعار الطاقة بنسبة 0.2% التي كانت العنصر المؤثر في بيانات التضخم. كانت أسعار الطاقة تسجل انخفاضا خلال الشهرين السابقين.

ولا يرى المحللون الاقتصاديون أي خطر من التضخم على الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن في ظل استمرار الركود.

ولكن المحللين يحذرون من الضغوط التضخمية التي يمكن أن تنجم عن مئات المليارات من الدولارات التي تضخها الحكومة في الاقتصاد لإنعاشه من جديد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»