شركات الاستثمار الأجنبية تزاحم المصارف الأميركية الكبرى في «وول ستريت»

بدأت اختطاف الأعمال التجارية من نظيرتها الأميركية داخل نطاق نفوذها التقليدي

شرعت الشركات السويسرية، والألمانية، والبريطانية، واليابانية في اختطاف الأعمال التجارية من المصارف الأميركية التي كانت تتمتع فيما مضى بمكانة كبرى، عبر طرح الشركات للاكتتاب العام («الشرق الأوسط»)
TT

لم يسبق للشركات الاستثمارية الكبرى في وول ستريت مواجهة مثل هذا التحدي الأجنبي الخطير من قبل داخل نطاق نفوذها التقليدي، لكن مع حدوث تحولات كبرى بمختلف أرجاء الصناعة المصرفية، بدأت الجهات الأجنبية المنافسة لها في الدخول إلى بعض أكثر المجالات إدرارا للربح على الصعيد المالي الأميركي. وشرعت الشركات السويسرية والألمانية والبريطانية واليابانية في اختطاف الأعمال التجارية من المصارف الأميركية التي كانت تتمتع فيما مضى بمكانة كبرى، عبر طرح الشركات للاكتتاب العام، والاكتتاب في سندات جديدة، وتقديم المشورة إلى الشركات بشأن عمليات الاندماج والاستحواذ. كما عمدت هذه الشركات إلى اجتذاب المزيد من المضاربين والمسؤولين المصرفيين العاملين بالجهات المنافسة، بهدف ضمان الاستمرار في نهجها الناجح. وفي الوقت الذي ما تزال المصارف الأميركية مهيمنة على الصعيد المالي العالمي، فإن التحول الأخير، رغم عدم لفته الأنظار، يثير بعض التساؤلات المقلقة، بينها تساؤل على قدر بالغ من الأهمية: هل بإمكان المصارف الأجنبية أن تفعل لوول ستريت ما فعلته اليابان في ديترويت؟. في هذا الصدد، قالت فيونا سوافيلد، المحللة لدى «إكسكيوشن ليمتد»، وهي شركة سمسرة مقرها لندن، إن «هناك دليلا على حدوث تمزق في الأنصبة السوقية، ويمكنك أن ترى أن هذه المصارف حققت قفزات إلى الأمام. وتدور القضية الأساسية حول إلى متى يمكن أن يستمر ذلك، وهل يمكن لأي جهة معاودة الصعود؟».

على امتداد العقد الماضي، حاولت أقوى الجهات الأجنبية المنافسة التقدم على منافسيها الأميركيين، وغالبا ما أحرزت في ذلك سجلا مختلطا بين نجاحات وإخفاقات. على سبيل المثال، سعى «كريديت سويس» السويسري للتحول إلى قوة مصرفية عالمية كبرى عبر شرائه مصرف «دونالدسون لوفكين آند جنريت» الاستثماري الأميركي في عام 2000، إلا أن عملية الاندماج فسدت. وحاول «دويتش بانك» الأميركي القيام بالمثل من خلال اندماجه في عام 1998 مع «بانكرز ترست»، لكنه جابه مصاعب مشابهة. في الوقت ذاته، باتت المصارف الأجنبية عدوانية على نحو متزايد فيما يخص النشاطات المتعلقة بالاكتتاب في الديون والأسهم العادية وعمليات الاندماج والاستحواذ. على سبيل المثال، منذ عشر سنوات ماضية، جاء مصرف واحد فقط، «كريديت سويس»، بين أكبر 10 جهات اكتتاب للديون. أما هذا العام، فقد دخلت أربعة مصارف أجنبية بقوة هذا المجال. وبالمثل، يأتي «باركليز كابيتال»، و«دويتش بانك»، و«كريديت سويس»، و«يو بي إس» حاليا ضمن قائمة أكبر 10 شركات بنشاطات تقديم المشورة بمجالي الاندماج والاستحواذ عالميا. ومنذ عقد مضى، كانت الشركة غير الأميركية الوحيدة بالقائمة هي «دريسدنر كلينورت». ومنذ وقت قريب، أملت المصارف الأجنبية في استغلال حالة الفوضى التي عصفت بالصناعة المالية. وجاء انهيار كل من «بير ستيرنز»، و«ليمان برزرز»، اثنين من أعرق الأسماء في وول ستريت، ليمنحهما فرصة نادرة لتحقيق مكاسب. وينطبق القول ذاته على الخطوات الفوضوية التي تم اتخاذها، مثل استحواذ «بنك أوف أميركا» على «ميريل لنتش». في تلك الأثناء، عملت مصارف أجنبية كثيرة على تحصين نشاطاتها المالية، بناءً على أوامر الجهات التنظيمية المعنية، بينما تجنبت القيود واختبارات تحمل القيود التي تَعَيَّن على الكثير من منافسيهم الأميركيين الإذعان لها. وحتى في الوقت الذي شرعت المصارف الأميركية في استعادة عافيتها، من المحتمل أن تفرز الجهود التي بذلتها إدارة أوباما لكبح جماح الصناعة تحولات على الساحة التنافسية في صور جديدة، وهو تطور تجري مراقبته عن كثب من قبل المنافسين الأجانب. في هذا الصدد، أوضحت إيوجين إيه. لدويغ، مراقبة شؤون العملة في ظل رئاسة بيل كلينتون، التي تتولى حاليا إدارة «برومنتوري فايننشال غروب»، وهي مجموعة استشارية مصرفية مقرها واشنطن، أن «ما يثير قلقي الميزة التنافسية التي تتمتع بها المصارف غير الأميركية في مواجهة المصارف الأميركية. تعمل المصارف غير الأميركية ـ بوجه عام ـ في ظل هياكل تنظيمية أكثر تناغما عما هو عليه الحال مع المصارف الأميركية، الأمر الذي يخلق حالة انعدام توازن يمكن للمصارف غير الأميركية استغلالها، خاصة في وقت يعمل نظراؤهم الأميركيون تحت قيود غير عادية». خلال الأشهر التسعة منذ سيطرتها على العمليات الرئيسية لـ«ليمان برزرز»، قفزت «باركليز كابيتال»، التي تعد بالفعل واحدة من أكبر شركات إدارة المخاطر والتمويل في أوروبا، لتصبح واحدة من العناصر الكبرى داخل أسواق رأس المال. وشكلت هذه الصفقة فرصة نادرة أمام روبرت إي. دياموند، الرئيس الأميركي لمؤسسة «باركليز»، للتغلب على منافسيه، أمثال «مورغان ستانلي». وترتب على ذلك خلق نشاطات تجارية للمصرف البريطاني للمرة الأولى بمجالات الأسهم، والاندماج، والاستحواذ، والأبحاث المرتبطة بالأسهم، وفي الوقت ذاته تعزيز نشاطاته بمجال الاكتتاب في الديون، ونشاطاته التجارية بمجال المضاربة. جدير بالذكر أن «باركليز» زاد قوته العاملة داخل الولايات المتحدة بمقدار الضعف تقريبا في غضون فترة قصيرة، من خلال شرائه بقايا «ليمان برزرز». وعليه، قفز المصرف البريطاني إلى المرتبة الثانية على الصعيد العالمي بمجال الاكتتاب في الديون. ويحتل المصرف حاليا المرتبة الرابعة داخل الولايات المتحدة، مع هيمنته على حوالي عُشر السوق، وهي حصة تزيد على حصة «غولدمان ساشز»، و«مورغان ستانلي». خلال هذا العام فقط، قدم «باركليز» المشورة فيما يخص عمليات اندماج واستحواذ على هذا الجانب من المحيط الأطلسي بقيمة 90 مليار دولار، متفوقا بذلك على «سيتي غروب»، ومتكافئا مع «بنك أوف أميركا»، إلا أنه لا يزال يحتل مرتبة متأخرة عن أقوى المؤسسات العالمية، «جيه بي مورغان»، و«غولدمان ساشز». من جهته، قال جيري ديل ميسير، رئيس «باركليز كابيتال»، ومقرها نيويورك «نعد واحدة من الشركات القليلة في وول ستريت التي ركزت على البناء خلال هذا العام في مقابل الدمج». من ناحية أخرى، قال سيث فاوج، الرئيس التنفيذي لـ«دويتش بنك أميركاز»، إن «دويتش بنك»، أكبر المصارف الألمانية، وضع مسألة توسع داخل الولايات المتحدة «نصب عينيه منذ شرائنا «بانكرز ترست» في عام 1998». واستطرد قائلا «نتوقع أن نفوز بحصة من السوق» فيما يتعلق بعمليات الاندماج والاستحواذ، وأسواق رأس المال، والمضاربة، وإدارة الثروات. مؤخرا، فاز المصرف بصفقات تجارية مربحة بمجال السمسرة. كما حقق المصرف قفزات كبرى بمجالي الاندماج والاستحواذ، ما نقله إلى المركز الخامس عالميا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، رغم أنه ما يزال في المرتبة الـ11 فقط داخل الولايات المتحدة، طبقا لـ«تومسون رويترز». جدير بالذكر أن المصرف أضاف مؤخرا 90 موظفا جديدا بمناصب كبيرة إلى فريق العاملين لديه في الولايات المتحدة، البالغ إجمالي عددهم 12.000 فرد، وذلك بهدف توسيع نطاق عملياته. من جهته، نجح «كريديت سويس» أيضا في انتزاع صفقات تجارية بمجال السمسرة الأساسية من جهات منافسة، مع تعزيزه نشاطاته في الولايات المتحدة بمجال ديون الشركات، وحقق إيرادات بلغت 20 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى، مقارنة بـ29 مليار دولار بالنسبة لـ«غولدمان ساشز». وقد نجح أكبر ثاني مصرف سويسري في تعزيز وضعه، بعد تقليصه النفقات والنشاطات مرتفعة المخاطرة، وبيعه أصولا تنطوي على مشكلات بمليارات الدولارات، بهدف تطهير ميزانيته. من جهته، قال برادي دبليو. دوغان، الرئيس التنفيذي، إن قرار المصرف برفض دعم مالي من الحكومة السويسرية ترتب عليه تمتعه بمرونة استراتيجية، مقارنة بمنافسيه الأميركيين، التي ربما تبقى مقيدة فيما يخص كيفية توسعها أو إنفاقها الأموال بالخارج، إلا أن دوغان لا يزال يمضي قدما في جهوده لتعزيز النشاط التجاري لـ«كريديت سويس» بوجه عام، من خلال الاستعانة بأفضل المواهب من الأقسام الاستثمارية والمصرفية الخاصة في «بنك أوف أميركا»، و«ميريل لنتش»، و«ليمان برزرز»، و«سيتي غروب»، و«غولدمان ساشز». كما يدرس المصرف تنفيذ عملية «استحواذ تكتيكية» بمجال الصرافة الخاصة؛ للفوز بمزيد من النشاطات التجارية من منافسيه. وقال دوغان «لدينا الآن فرصة لتعزيز وضعنا بدرجة كبيرة». كما أن اليابانيين انضموا إلى السباق الدائر داخل وول ستريت، حيث زادت مؤسسة «نومورا» من فريق العاملين لديها بالولايات المتحدة بمقدار 135 فردا تقريبا منذ أكتوبر (تشرين الأول)، بما يشكل زيادة في القوة العمل الأميركية لديها بنسبة 10%. كما نقلت المقر الرئيسي لنشاطاتها التجارية العالمية إلى نيويورك، في إشارة إلى الإمكانات التي تسعى وراءها. ومع ذلك، تراجعت مكانة المصرف على صعيد واحد ـ على الأقل ـ من الأصعدة التي اعتاد الهيمنة عليها، وهي أسواق رأس المال مرتفعة العائد، حيث تقهقر إلى المرتبة السابعة خلال الربع الأول وراء «جيه بي مورغان»، و«بنك أوف أميركا»، طبقا لما ورد عن «تومسون رويترز».

* خدمة «نيويورك تايمز»